الجيلالي بوزوينة في ذمة الله

د. عبد القادر سماري/
الجزائر تودع رجلا من رجالها الأوفياء، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أعطى ولله ما أخذ، اللهم أجرنا في مصيبتنا، صديق قديم، بل هو الأخ الأكبر، كانت لنا صحبة استمرت لما يقارب الأربعين سنة، نتواصل دوما بعد صلاة الفجر.
لقد كانت له صحبة وعلاقة وطيدة مع مشايخ الدعوة الإسلامية ورموزها منهم الشيخ عبد الرحمن شيبان والشيخ محفوظ نحناح والشيخ بوسليماني رحمهم الله وآخرين، كان عضوا نشطا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان عضوا مؤسسا في جمعية الإرشاد والإصلاح، ثم عضو المكتب الوطني لحركة المجتمع الإسلامي حماس، فكنا معا في المكتب الأول للحركة،
من مواليد 1939 في مكان اسمه قلتة سيدي سعد، والده الحاج أحمد مختاري بوزوينة، من مريدي زاوية تاخمارت، الواقعة بين تيارت وفرندة، دفعتهم الظروف القاسية أيام الاستدمار الفرنسي إلى الحل والترحال، واستقر بهم الحال على مشارف مدينة آفلو، بدأ الدراسة في بلدية آفلو وعمره قد تجاوز العشر سنوات، ثم انتقلت العائلة لتستقر في مدينة تلمسان، وبها التحق سنة 1954، وفي يوم 16 يناير 1956 قامت قوات الاحتلال الفرنسي بإعدام الطبيب المناضل الشهيد (بنزرجب بن عودة رحمه الله) فشارك صاحبنا في المظاهرات التي اندلعت في تلمسان، وكانت تلك أول مظاهرات تلاميذ الثانويات ضد الاحتلال الفرنسي التي عمت مدن وقرى تلمسان، ثم انتقل إلى وهران حيث التحق بالثانوية التقنية، وفي سنة 1960 وبعد مطاردات من قبل العساكر الفرنسيين، انتقل إلى باريس حيث كان أخواه (أحمد – عبد النبي) يقيمان، ووجد نفسه في خلية من خلايا جبهة التحرير الوطني بفرنسا، وتحت مضايقات البوليس الفرنسي انتقل إلى بلجيكا إلى مدينة liège، فسجل في جامعتها، وكان يجمع بين ثلاث أنشطة: الدراسة، العمل، النضال في صفوف جبهة التحرير وعلى الخصوص تمرير المجاهدين بين بلجيكا وألمانيا.
ومع بزوغ شمس الاستقلال سنة 1962 رجع صاحبنا إلى الجزائر حيث التحق بمعهد متعدد التقنيات حيث نال سنة 1965 شهادة مهندس في الاتصال، وفي نفس السنة 1965 رجع إلى بلجيكا حيث تحصل على منحة في جامعة بروكسال، وتحصل منها على شهادة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية وذلك سنة 1970، وفي نفس العام يرجع إلى أرض الوطن ليلتحق بجامعة الجزائر كأستاذ حدثت له الكثير من المضايقات ليرجع إلى بلجيكا ويشتغل في مكتب دراسات تقنية.
ثم رجع إلى الجزائر سنة 1984 ليصبح أستاذا في المدرسة الوطنية العليا للأساتذة بالقبة في مادة الفيزياء، وبها يلتحق بالنشاط الدعوي من خلال المحاضرات والندوات والحلقات فيتعرف على الأستاذ سعيد مرسي الذي رتب له لقاءات مع الشيخين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني رحمهما الله فانخرط معهما في العمل، وكان قبل ذلك قد تواصل مع الشيخ عبد الله جاب الله حيث عقدوا عدة لقاءات في العاصمة وسكيكدة.
ومع بداية 1989 والتعددية كان ضمن الفريق الأول الذي أسس جمعية (الإرشاد والإصلاح) ليصبح عضوا في مكتبها الوطني الأول ويشارك في صياغة برنامجها المنطلق من الكليات الإسلامية وبيان أول نوفمبر ويستمر في النضال وفق المنهج الوطني الإسلامي والمعتدل.
صاحبنا هو الأستاذ الدكتور جيلالي بوزوينة رحمه الله، تعرفت عليه أواسط الثمانينات من القرن الماضي، عرفت عنه معظم محطات حياته، علاقاتنا لم تنقطع. قارب عمره 90 سنة.
تَخَرَّج على يديه المئات بل الآلاف من أبناء وبنات الجزائر.
انتقل إلى رحمة الله في صمت وهدوء، وهو على سفر في مدينة(سعيدة)، اللهم اغفر له وارحمه وارض عنه وتقبل منه وأدخله الجنة ونجه من النار واحشره في زمرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وألحقنا به على خير.