عين البصائر

عن…«مؤسسـة ـ نادي الـترقي» أتحــدُّثُ

يكتبه: حسن خليفة/

 

يمثل “نادي الترقي” الموجود في العاصمة ـ ساحة الشهداءـ أحد الرموز الملهمة المهمة الوضيئة في تاريخنا الجزائري الحديث والمعاصر، دينيا، وثقافيا، وحضاريا، واجتماعيا. تأسس سنة 1927ومثّل، منذ ذلك الوقت، مركز إشعاع منتظم دائم.
ومن يعد إلى تاريخ هذا النادي المجيد سيتعرّف على مختلف الأدوار الكبيرة التي قام بها، بالطبع مع النُّخب المفكّرة المجتهدة العاملة؛ لأن المكان وحده ـ مهما طال وعَظُم واستدار وضخُم وكبُرـ لن يكون شيئا مذكورا إلا بالجهد والعمل واستفراغ الوسع في تنشيطه وتحريكه، وهذا هو الحال اليوم مع نادي الترقي الذي أدعو بكل صراحة إلى أن يتبوأ مكانه الطبيعي، ويعود إلى سيرته الأولى كمركز إشعاع حقيقي، خاصة وأن وجوده في قلب العاصمة، وفي مكان ذي رمزية (ساحة الشهداء)، وفي حيـّز مكاني هو ملتقى كثير من الهيئات الرسمية والشعبية والبلديات القريبة منه، في إمكان كل ذلك أن يجعل منه محرّكا حقيقيا في مجال النشاط العلمي والثقافي والتربوي والدعوي والإيماني والفكري.
لذلك أرجو النظر إلى هذه السُّطور كطلب وأمل وحلم، فكثيرا ما راودتني أفكارٌ ورؤى وسيطرت على عقلي وعواطفي بشأن هذا الصرح الكبير الذي يختزن تاريخا من الوضاءة والمجد ينبغي أن نحرص على استمرارهما وتعميقهما، ومثل هذه الأفكار أيضا تراودني عن دار الطلبة، ومعهد الإمام عبد الحميد ابن باديس والجامع الأخضر وسواها.. ولذلك حديث آخر.
ولنبدأ من حيث يجب البدء..
إن من موجبات الإصلاح والعمل البنّاء الواقعيةَ وفهمَ الأمور على النحو الصحيح السليم، لذلك أريد التأكيد هنا أن هذا المشروعَ مشروعُ الجزائر كلها، ولذلك ينبغي أن يُبدأ من هذه الحيثيات:
أ‌- الدعوة إلى ترميم هذا الصرح ترميما كاملا، يجعله أكثر أمانا، وأكثر قوة وأكثر بهاءً، فمن يدخله يستطيع أن يلاحظ ـ بسرعةـ ما آل إليه من الإهمال وذهاب الرونق وانمحاء الآثار.
واحتياجه الكبير إنما هو إلى إعادة إصلاح وترميم، بحسب ما يقتضيه البناء في هندسته وقوامه وصلابته وحاجاته في كل ذلك.
ب‌- تأثيثـه على النحو المقبول، بل وأكثر، إن شئـنا أن نعيد إليه حقّه ـبالفعل ـ من الوضاءة والجمال وحسن المظهر وجمال المنظر، فكراسيه من البلاستيك، وبعضها من خشب رديء، وهي كراسي الثانويات والمدارس، وطاولاته هي طاولات المدارس، فيها المنكسر والمعوجّ… والحدّ الأدنى أن تكون الطاولات والكراسي من نوعية جيدة إن لم نقل ممتازة؛ بالنظر إلى نوعية الأنشطة والفعاليات التي يمكن أن تُقام فيه، إذ يحضرها علماء وخبراء وأساتذة وفضلاء من الداخل والخارج.
ج- الحاجة إلى مكتبة عامرة كبيرة، تضم على الأقل كل ما يتعلق بتاريخ الجزائر، ثم بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تاريخها الحديث والمعاصر، فضلا عن الأطروحات الجامعية والكتب التاريخية والعلمية ذات الصلة بالجمعية… وهي موجودة بوفرة ويمكن الحصول عليها من المكتبات الجامعية ومن مكتبات الكليات، ومن المكتبات العامة، وحتى المكتبات الخاصة. ولن يتردد الجزائريون في هذا الشأن أبدا.
كــما يمكن أن تكون المكتبة، بعد تهيئتها، فضاءً يستضيف الباحثين والباحثات، ويفيدهم برصيده من الكتب والسندات والدورات والوثائق والمجلات…
د- يحسـُن أن تـوضع على رأس هذه المؤسسة التاريخية شخصية علمية حضارية ثقافية، وأعتقد أن الأستاذ المثقف الكاتب المؤرخ محمد الهادي الحسني مناسبٌ تماما، كمشرف عامّ، يرعى هذه المؤسسة ويقوم على شؤونها وبرامجها، مع فريق نشيطٍ من ذوي الخلفية الثقافية الدينيةـ الدعوية الذين يملكون (ويملكن) رؤية متميزة للنشاط الثقافي الحضاري.
وبالنسبة للأستاذ الحسني فالكل يعرفه ويعرف أيضا رمزيته، ووجوده على رأس هذه المؤسسة سيعطي للعملية دفعا مهمّا جدا، ويضعها على طريق الاستئناف العلمي ـ الثقافي من دون شك، طبعا مع المساعدة اللازمة من الفريق المرافِق.
هـ ـ تتوفر مؤسسة نادي الترقي على عدد من الفضاءات ومنها قاعة كبيرة يمكن ان تكون قاعـة للمحاضرات والندوات واللقاءات الفكرية والدينية والعلمية، وقد كانت كذلك بالفعل واحتضنت لقاءات التأسيس لجمعية العلماء وغيرها من اللقاءات الأثيرة الوازنة التاريخية.
والأمثلُ أن تُهيّأَ كقاعة محاضراتٍ رئيسة تستوعب كل الأنشطة ذات الطابع الفكري والثقافي والديني، وبإمكانها أن تستوعب مالا يقل عن 120 فأكثر، في الحالات العادية.
بما يعني أنها تصلح للمحاضرات، والندوات، واللقاءات الصحفية، والمناظرات، والفعاليات الثقافية المختلفة التي تحتاج إلى عدد أقل، كما تصلح للمعارض المتخصصة ومعارض الصور، وعرض الأفلام، والاجتماعات الهامة.. وتبقى بعد ذلك نحو أربع قاعات تصلح كلها لأنشطة أقلّ، أو فضاءات مساعدات على الأنشطة الرئيسة التي تقام هناك. ثم هناك قاعة كمكتب إدارة وتسيير، ومصلّى متوسط الحجم، وميضأة ومراحيض.
وـ وجودُ النادي في المكان الحالي يعني أنه قريب من كل شيء: من المحلات بمختلف أنواعها للاستخدام عند الحاجة (مطاعم ـ فنادق ـ محلات أخرى)، ومن محطات السفر (ميتروـ حافلات ـقطار- سيارات… بما ييسّر الوصول إليه).
زـ يبقى فقط الاشتغال على برنامج ثريّ واسع الثراء في المجالات المهمة في ميادين العمل الديني والثقافي والفكري ليكون نادي الترقّي مركز إشعاع ليس للعاصمة فحسبُ، بل للجزائر كلها. وهذا البرنامج يحتاج الى جلسات وتدبير واستئناس ومعرفة الاحتياجات والأولويات، وفي الوسع تعاون العقول والقلوب على ذلك لتسطير برنامج سنوي ـ في غاية القوة والروعةـ يستضيف الشخصيات العلمية والفكرية الكبيرة بين وقت وآخر، ويقوم بتنظيم لقاءات سامقة ونوعية، وحلقات حوارية ونقاشية عميقة، وطرح للآراء والأفكار ذات البُعد الوطني والعربي.. ولقاءات أخرى إعلامية وتحسيسية، ومبادرات قوية.
بذلك يستفيد الجميعُ من هذه المؤسسة التاريخية التي هي رأسمالٌ رمزي وفكري وديني كبير يفيد الوطن، والجمعية، ويفيد المثقفين وأهل العلم.. والله المستعان.
*سبق نشر هذا المقال ، وأعيد نشره للأهمية تذكيرا وإبراء للذمة .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com