بالإخلاص والالتزام يؤيدنا الله بالتوفيق والإلهام
أ. محمد مكركب/
إن دعوتنا لأنفسنا ولك للعمل بالنية، والإخلاص، والالتزام، والوفاء، رجاؤنا أن يوفقنا الله وإياكم للفوز بالجنة، على ما قد يصيبنا من البلاء، والشقاء، ومضايقة السفهاء، والقاعدة ستظل هي القاعدة: من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها. والمبدأ هو المبدأ أن أهل الخير يجدون الخير، فمن المعادلات الإيمانية في حياة الإنسان ثلاث: كلما كان الإخلاص من العبد، كان التوفيق من الخالق سبحانه. وكلما كان مؤمنا تقيا لا يتعمد مخالفة ما شرع الله له، فتح الله له أبواب البركات ورزقه رزقا حسنا، وملأ له قلبه بحبه، وكلما أحسن العبد التوكل على الله، نصره الله وأيده، مع ما قد يصيبه من البلاء الذي لا ينجو منه مؤمن. والبلاء الذي يصيب المؤمن في الدنيا أنواع؛ فحياة الإنسان كالضارب في أعماق صحراء شاسعة المدى، لا يعرف منتهى أطرافها، ولا المخرج من بلواها ونكدها، وعلينا أن نعتبر بمن سبقنا، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو من هو على ورعه وتقواه، ما كان أحد يظن أن كثيرا من الناس يتمردون على الخلافة، أو يرتدون، ويمنعون الزكاة، ويبتلى بحرب الردة، وبالأمس فقط فارقهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم على المحجة البيضاء، إنه قانون الحياة، الذي قضاؤه وقدره بأمر الفعال لما يريد، وبعد جهاد جهيد، وبلاء عنيد، وحروب مات فيها الآلاف، يعود استتباب الأمور، ويستلم الرجل الثاني في الصحابة رضي الله عنهم، زمام الخلافة، ويقود الأمة بإمارة عُرِفت بالعدل والقسط والجهاد في سبيل الله، ومع ذلك لم يسلم رضي الله عنه من الاغتيال، يظل الشر موجودا، فشاء الله أن يموت شهيدا. أقول لك هذا، وأذكرك بالتاريخ، حتى لا تظن بأنك إن كنت مخلصا، تقيا، متوكلا على الله تعالى، تفتح لك الأبواب كما تشاء أنت، نعم تفتح لك الأبواب، ولكن كما يشاء الله تعالى﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (التكوير:29) قال القرطبي:{فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله، ولا شرا إلا بخذلانه. وقال الحسن: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها}. وهذا عثمان بن عفان ذو النورين، الذي تستحي منه الملائكة، فلما أراد الله أن يبتليه لم تستح منه فرقة الحروريين المتنطعين الجاهلين السفهاء، إنه التقي الحيي المبشر بالجنة، ومع ذلك لم يسلم من الابتلاء، فإياك أن يغالطك الشيطان، ويثبطك، ويجعلك تشك في نفسك، فاثبت على المحجة البيضاء، ولا تحاول أن تغير الصحراء التي أنت موجود فيها، أو تحاول أن تمنع أمواج الفتن المتلاطمة من حولك. كان النبي صلى الله عليه وسلم، ذات مرة مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، فجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه، يستأذن لأن يجلس معهم، قال: فقلت له:{على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال:[ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه] فجئته فقلت له: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالجنة، على بلوى تصيبك} (البخاري: 3674). وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، المجاهد القائد الفاتح، المبشر بالجنة، ومع ذلك أصيب ببلاء مبين، فاثبت أنت بالإخلاص، والتقوى، والتوكل على الله سبحانه، ومهما أصابك من البلاء، والنكد، والعناء، في هذه الدنيا، فاثبت على نهج سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. فمهما بلغت من التقوى لن تسلم من الأذى، والإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان فانتبه يا أيها الإنسان. ما هو الإخلاص المطلوب؟ الإخلاص عنوان الإيمان، ورح العزم، وعلامات الإخلاص، لا تنساها، فهي: الإتقان. والوفاء بإنجاز العمل في الوقت، وعدم المن، وحمد الله تعالى في كل الأحوال، فالإخلاص: التوحيد لله خالصا، ولذلك قيل لسورة: ﴿قل هو الله أحد﴾ (سورة الإخلاص) وقوله جل وعز:﴿إنه من عبادنا المخْلَصين﴾ (يوسف:24) وقرئ (المخلصِين). فالمُخْلَصُونَ: المختارون، والمخْلِصُون: الموحدون. ومعنى التخليص: التنحية من كل منشب. والحمد رأس الشكر، وجامع اليقين، والإخلاص رأس الإيمان، وشرط في صحة الإسلام.والإخلاص: أن لا تطلب لعملك شاهدًا غير الله، ومنه ترك الرياء في الطاعة. وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص الخلاص من هذين. والإخلاص ستر بين العبد وبين الله تعالى، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله. والفرق بين الإخلاص والصدق أن الصدق أصل وهو الأول، والإخلاص فرع وهو تابع، والإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل.
وكلمة المقال في هذا المجال، أن الله وعد من دعاه مخلصا له الدين أنه يرحمه، ألا يكون المطلوب من العبد الوفاء؟ فإذا دعا العبد ربه مخلصا، فليثبت على إخلاصه، ليدوم ستر الله عليه. هل تدبرتم هذا الخبر في القرآن الكريم
﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(سورة يونس:22/23) وقد ثبت في القرآن أن ثلاثا من فَعَل واحدة منها رجعت الخسارة على نفسه: منها هذا الخبر في هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ من سعى في البغي على الناس بالغدر، والخيانة، والأذى، والاستهزاء، ففي الأخير يعود الوبال والخسران عليه إن عاجلا، أو آجلا. والثانية المكر، من سعى بالمكر رجع مكره على رأسه خزيا وحسرة
﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر:43). والثالثة النكث، ومخالفة العهود، ونقض المواثيق والعقود
﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(سورة الفتح:10) فإلى هنا علمنا، وتذكرنا: ثلاثا وثلاثا. هي: ثلاث أمرنا بها وهي مفاتيح الخير: الإخلاص، والتقوى، والتوكل على الله سبحانه. وثلاث نهينا عنها، وهي من الشر: البغي، والمكر، والنكث. وفي الحديث. عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، يحدث عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه [ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ](الترمذي:2658).