الدراما ورياح التمييع الماحقة!
أ. عائشة مسعود*/
بقاء الأمة الإسلامية وقوتها مرهونان بقوة الأسرة المسلمة وبقائها عصية على التمييع والخلخلة، فالأسرة ما فتئت هدفا لأعداء الأمة يصوبون سهامهم إليها في مقتل حتى تصاب بالوهن ومن ثمة يسهل عليهم إضعاف العالم الإسلامي بأسره وإذلال شعوبه للسيطرة على ثرواته ومقدراته وإبعاده عن مصادر قوته ومنعته!
ولما لم ينجح الغرب في غزوه العسكري عمد إلى غزو آخر أشد خبثا وفتكا، وهو الغزو الفكري الذي حمل في طياته بذور العلمانية والإلحاد والثورة على كل المرجعيات والعقائد،
ولأن المغلوب مولع بتقليد الغالب، سقط كثير من المتعلمين والمثقفين في براثنه فغدوا أبواقا لهذه الأفكار الهدامة!
ومن مظاهر الهدم الذي طال الأسرة المسلمة أفكار يبثها المغيبون من بني جلدتنا في الدراما(الأفلام والمسلسلات…) في دول محسوبة على العروبة والإسلام! حتى يتصالح الناس معها، لأنه كما قيل (كثرة المساس تذهب الإحساس)، وإذا وُزنت هذه الأفكار بميزان الشرع كانت منكرات وفواحش وموبقات!
ومن أمثلة ذلك: الترويج للمصاحبة والمواعدة بين الجنسين، فلا يخلو مسلسل أو فلم من قصة (حب) أو قصص! تصاحبها مسوغات فجّة على أن هذه العلاقات سلوكات حضارية تنمّ عن الرقي والتفتح؛ وأنها أساس كل زواج ناجح! وكيف تنجح علاقة بنيت على اللقاءات الخائنة والخلوات والخضوع بالقول والتكسر في الكلام…وغيرها من المحرمات التي يعف اللسان عن ذكرها.
ومن الأفكار الخطيرة التي يتم بثها أيضا في الدراما كالسم الزعاف، تقديم الزنا باسم آخر(المساكنة)، حيث يعيش الرجل والمرأة تحت سقف واحد بدون عقد زواج وقد ينجبان سفاحا، ثم يقرران في ما بعد الزواج أو لا زواج!
في امتهان صارخ للأعراض وهدر للعفة والطهر!
والله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}(الإسراء:32) والغريب أن منصات التواصل تعجّ بهذه الدعوات التي يطلقها دعاة الإباحية والفساد الذين يدعون إلى التحرر الجنسي بكل صفاقة وقلة حياء!
كما شوهدت أعمال درامية تشجع وتسوغ لهروب الفتاة من بيت أهلها لتتزوج من كانت تصاحب وتواعد سرا! دون موافقة وليّها! ويقدَّم هذا الهروب في ثوب انتصار للعاطفة! وكيف يكون حبا وقد شيب بخيانة لله ورسوله والوالدين؟! ففي مسلسل حقق مشاهدات ضخمة تفر بطلة المسلسل لتتزوج من كانت تصاحب دون موافقة أبيها وتنجب منه وعندما تصاب بمرض خطير تعود إلى منزلها لتطلب الصفح ويفعل صنّاع المسلسل المستحيل لجعل المشاهِد يتعاطف معها (هي التي ثارت على القيم والأعراف) ويَكره الأب القاسي الفظَّ الذي رفض عودتها في البداية والذي سيستكين في النهاية، رغم ما لحق به من عار ودمار نفسي! ويصل الإجرام إلى ذروته عندما يعمد صناع الدراما إلى التطبيع مع الدياثة والشذوذ!
يقول أحد الممثلين لأخته في أحد المسلسلات: إن فلانا (يقصد صديقها) يعشقك! ثم لا يرى بأسا في أن تقابله ليلا أو نهارا!! وتخرج وتسهر معه في الملاهي!!
حتى تتربى أجيال على الدياثة فتموت فيها الحمية والغيرة على العرض، والحال أن الدَيّوث لا يدخل الجنة كما جاء في الحديث، في رواية لأحمد:» ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة: مدمن خمر، والعاق، والديوث الذي يقرّ في أهله الخبث «.
أما الشواذ فيقدَّمون على أنهم بشر اختاروا أن يعيشوا على طريقتهم وعلينا احترامها!
وهل يليق بمؤمن أن يتصالح مع الفحش!؟
والله تعالى يقول: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80].فكان أن دمر الله مدائنهم وقلبها رأسا على عقب {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}[الشعراء: 173].لأنهم جاهروا بالفاحشة في ناديهم! وجاءوا بشنيع من الفعال!!
وأخيرا..آن الأوان أن نتصدى جميعا لهذه الدراما الفاسدة المفسدة كآباء، وكمجتمع وكولاة أمر بفضحها والتحذير منها، وتشديد الرقابة على ما تبثه الشاشات بكل أنواعها!
وتقديم البديل الصحي الذي يربط هذه الأجيال بتاريخها وحضارتها ويحثها على العمل والاجتهاد والتطور، هذا إذا كنا نروم جيلا قويا عصيا على رياح التغييب والتغريب، صحيحا من الأسقام الفكرية الدخيلة وأسرة متينة البنيان مميزة في شعارها وروابطها تستمد هويتها وقيمها من هذا الدّين العظيم الإسلام.
* أستاذة لغة عربية وتربية إسلامية.
متخرجة في كلية اللغة والأدب العربي جامعة الجزائر بتفوق- قسم ماجستير.