اختيار التخصص في الجامعات بين قيود الرقمنة وطموح الطلبة..؟!
د.وليد بوعديلة*/
إن الرقمنة تقدم منجزات كثيرة للارتقاء بأداء المؤسسات الجامعية، وعبرها تم تجاوز صعوبات وعراقيل متنوعة، مع تحقيق الجودة في التسيير والحكامة، وقد حققت جامعات قفزات نوعية مؤخرا في هذا السياق التكنولوجي، لكنها كشفت عن بعض السلبيات…
وعلى الندوات الجامعية مثلا إيجاد الحلول لطلبة البكالوريا الذين رفضت طلبات اختيارهم لتخصصات بسبب المعدل في جامعات، لكنها تخصصات بمعدلات أقل من معدلاتهم في جامعات أخرى، ومع هذا لم يتمكن الطلبة من تحقيق رغبتهم في دراسة معارف ومجالات علمية كانوا يودون التخصص فيها، بسبب المعدل والدوائر الجغرافية.
وهنا يجب تجاوز الدوائر الجغرافيا في حال بقاء تخصصات تتوفر على مناصب بيداغوجية، لتحقيق البعد الوطني للمؤسسات، وتجاوز المحلية الضيقة، وضمان بعض من حقوق الإنسان والوصول إلى مستوى فكرة المؤسسة مواطنة…
وسنقدم المثال الحي، حيث إن تخصص علوم وتقنيات النشاطات الرياضية والتربية البدنية ينال محبة وطلب الكثير من الطلبة، لكن تم حرمان الطلبة منها بسبب المعدل في بعض جامعات شرق البلاد (جامعة جيجل، عنابة، قسنطينة…)، وهي فارغة في جامعات أخرى حسب جدول معدل القبول في باك 2023، مثل جامعات سوق اهراس، أم البواقي، باتنة2، تبسة…
وعلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إيجاد الحل من خلال تعليمة وزارية أو عبر الندوة الجهوية للجامعات، لأن هذا الأمر يشمل كل الجامعات الجزائرية، حيث نجد تخصصات أغلقت فيها التسجيلات، بسبب المعدل، لكن نفس التخصصات بقيت من غير اكتمال نصاب للمترشحين، ولم يتم توجيه الطلبة لها، وهنا يحتاج المواطن (نستعمل كلمة مواطن لأن الجامعة مؤسسة مواطنة) من الوزارة الوصية والسيد الوزير وطاقمه في التكوين والرقمنة والبيداغوجيا لوضع آلية تقنية أو مرحلة ثالثة للتسجيل خاصة بالطلبة الذين يجدون تخصصات مازالت لم تحدد معدلاتها الدنيا أو مازالت تتوفر على مناصب بيداغوحية، ليدرسوا فيها، بعيدا عن شرط الدوائر الجغرافية، وهذا بهدف إرضاء أكبر فئة طلابية، وتجاوز الأرقام العالية للرسوب في السنة الأولى.
فما المشكل عندنا يدرس طالب من الطارف تخصص النشاطات الرياضية في أم البواقي مثلا، إن سمح له المعدل بالدخول؟! بعد أن لم يتمكن من دراسته في جامعة عنابة؟، وما الذي يمنع طالبا من سكيكدة من أن يدرس علوم النشاطات الرياضية في تبسة أو سوق اهراس أو باتنة2 إذا كان معدله يسمح له والمناصب متوفرة، بعد أن لم يتمكن من تحقيق رغبته بجامعة جيجل؟..
والحديث قياس في كل الميادين التكوينية بالجامعات، فإذا كانت الدولة قد وفرت النقل الجامعي والإيواء والاطعام، فلماذا الإصرار على قيود الدوائر البيداغوجية في التوجيه الجامعي؟ ولماذا لا نغير في طبيعة قواعد الرقمنة، ألم يضعها الإنسان لخدمته، فكيف تتحول إلى قيد يحاصره؟! نحتاج لبعض المرونة، وأن نجعل الرقمنة والذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان ومصالحه ورغباته وطموحاته، وليس العكس، بمعنى أن تتحول الرقمنة إلى قيد دوغمائي يتحكم في المشاعر والطموحات!!! بل يجب أن محويرها وتبديلها بمقتضى الواقع والتحولات والمستجدات السوسيولوجية والتعليمية.
ولنبين الأمر جيدا، نقول بأن بعض الطلبة بمعدلات 11 لم يتمكنوا من اختيار تخصصات في ولايتهم تجاوزت معدل 12، لكنها في جامعات أخرى كان الدخول لها بمعدل10، وفي تخصص النشاطات الرياضية مثلا وصل معدل القبول لأكثر من 12 بعنابة، بينما لم يحدد المعدل في جامعات أخرى بالمنطقة الشرقية للوطن، وهناك فائض في المناصب بجامعات أخرى مجاورة، فهل نحرم الطلبة هنا من دراسة تخصص يرغبون فيه، في حين زملاؤهم بجامعات اختاروه بمعدلات أقل من معدلاتهم؟!
وكذلك الأمر بالنسبة لاختيار المدارس العليا للأساتذة، حيث لاحظنا اختلافا بين المدارس في معدلات القبول لبعض التخصصات، فقد يعجز الحاصل على 15 من اختيار تخصصه في مدرسة عليا ضمن دوائره الجغرافية، لكن زميله اختار التخصص بمعدل 14 في مدرسة أخرى!! فلماذا لا تحدد الوزارة مرحلة ثالثة للتسجيل والتنافس الوطني على المناصب الشاغرة لبعض الولايات التي لم يختر طلبتها تخصصات قد كانت _حسب الإحصاءات_ خصصت لهم؟؟
أخيرا..
أتمنى أن يفتح النقاش حول المسألة هذه، ولنا الثقة الكبرى في السيد الدكتور الوزير المحترم كمال بداري في أن يقدم الحلول والبدائل، وهو المعروف بجديته وبخبرته، وبسعيه المتواصل لتحسين وضمان الجودة في كل أبعادها، والدلائل موجودة في الميدان ..
وهل يعرف السيد الوزير أن ابني لم تحقق رغبته في دراسة علوم وتقنيات الرياضة بجيجل بسبب المعدل، رغم أن معدله يسمح له بدراسة هذا التخصص في كثير من جامعات جزاىرية أخرى، معدلات القبول فيها أقل بكثير من معدله..؟! لكنه ممنوع من التحويل بسبب الدوائر الجغرافية؟؟!!
ونتمنى تغطية كامل التخصصات التي بقيت شاغرة، وضمان الوصول إلى نقطة تلبية أكبر نسبة من رغبات أبنائنا الطلبة في الدراسة وتحقيق طموحاتهم العلمية، فتكون المرونة في التحويلات الداخلية والخارجية بحسب المعدلات المحققة وبحسب توفر المناصب البيداغوجية، ودون شرط شهادة الإقامة، لتجاوز شرط الدوائر الجغرافية، في ظل توفر الإقامات الجامعية عبر الوطن، وقد أنفقت الدولة الملايير في بناء الإقامات وضمان الإيواء، فتكون المعادلة التشاركية والحوارية ناجحة، وتكون الرقمنة في خدمة تطوير القطاع والارتقاء به…
وما المانع من إرسال تعليمة وزارية هذه الأيام بقبول الطلبة الراغبين في دراسة تخصصات يطمحون فيها، ومعدلاتهم تسمح لهم باختيارها لكن خارج ولايتهم ودوائرهم الجغرافية، في حال توفرت المناصب بطبيعة الحال..
ونختم بالقول: إن تخصص علوم وتقنيات النشاطات الرياضية هام في الارتقاء بالرياضة ومؤسساتها وخدمة الشباب وصناعة التنمية المحلية والوطنية، وضمان الأمن الرياضي، فهل تكون عملية التغيير وإعادة النظر في التوجيه بالبداية بهذا التخصص، وصولا لكل التخصصات، فبالتأكيد أن الحوار والتفاعل والنقاش بين الأسرة الجامعية سيحقق لنا الكثير من النجاحات في ظل مشاريع الجزائر الجديدة.
* جامعة سكيكدة