أفكار ضد الرصاص في التّنوير والتّحرير للشعب والوطن: قبسات من درر العلامة الشيخ محمود بوزوزو
أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/
استعرت هذا العنوان “أفكار ضد الرصاص” من عنوان كتاب أفكار ضد الرصاص للكاتب الكبير محمود عوض، وقد قرأته عدة مرات منذ أزيد من 30 سنة، يتناول محمود عوض في كتابه هذا أربع قضايا فكرية دارت رحاها في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وشغلت الرأي العام والوسط الثقافي لفترات غير قليلة، بل إن منها ما أثر بشكل مباشر على الوضع السياسي في ذلك الوقت، القضايا الأربعة دارت حول كتب تحرير المرأة لقاسم أمين، وطبائع الاستبداد، ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي، والإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق، وأخيراً كتاب في الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين، عموما قد يختلف الإنسان مع هذا الكتاب أو ذاك، لكن الذي أبدعه محمود عوض هو استخلاص حكم ودرر من فصول هذه الكتب، وأنا وجدت أن ما ذهب إليه المؤلف جميل أن يحذو المرء حذوه، مع الفارق في الخلفية لكل واحد منا، وبالله التوفيق.
العلامة محمود بوزوزو طود شامخ من أطـواد النضال الفكريّ السياسي الوطني التحرري
يعـتـبـر العلامة محمود بوزوزو(1918-2007) طــودا مـــن أطــواد النضــال الفكريّ السيــاســي الــوطني التحرري في الجـزائـر – على حد تعبير أستاذنا أرزقي فراد في مقدمة كتابه بعنوان: “أفكار محمود بوزوزو في التّحرّر الوطني”-، خاصة خلال عــقـدي الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، فبالإضافة إلى نشاطه في حقل الإصلاح الاجـتـمـاعـي مـن أجــل صيانة الهــوية الجــزائرية الإســـلامية المهددة بالمسـخ الاستعماري، ومحاربة الجهل والأمية عن طريق إسـهامه في بناء المسـاجد والمدارس العربية الحرة ضمن نشــاط جمعية العلماء المســلمين الجزائريين في جهات شتى من ربوع الجزائر، فقد شـارك بـقــوة في نـشـــر الـفـكـر التحرري بلســانه وقــلمه بعيـــدا عـن التحزب، خـاصة بعـد تأسيسه لجريدة المنار سنة 1951م. واشتهر بنضاله وجهاده الفكري من أجل تكريس وحدة الصـف وجمع الشـمل وتوحيد جهود الجزائريين بمختلف أطيافهم الســياسية، حول المشروع التحرري.
أما بعد اسـترجاع الاسـتقلال الوطني، فقد أوقف جهوده الفكرية في المهجر لخدمة المشروع الإسلامي كبديل حضاري يحقق السلم والرقي للإنسانية قاطبة، دون أن يقطع الصلة الروحــية بوطنه المفدى. وقـد أوصى بدفن جثمانه في أرضه الطاهرة، وهو ما تم بالفعل عقب وفاته يوم 27 سبتمبر 2007م، حيث دفن بمسقط رأسه بجاية.
ثلاث سمات بارزة ميّزت مسار العلامة بوزوزو النضالي التحرّري
ولعل ما ميّز مساره النضالي التحرّري ثلاث سمات بارزة. أولاها كونه استفاد من مدرستين؛ مدرسة تقليدية مكّنته من تعلّم اللغة العربية وحفظ القرآن في طفولته ومن الاحتكاك بالمخطوطات والكتب الخاصة بالحضارة العربية الإسلامية في محيط عائلته البجاوية، ومدرسة فرنسية مكّنته من الاطلاع على الفكر الغربي العقلاني والفكر الإنساني عامة، فخذ على سبيل المثال مقولته الواردة في مقاله “نظام التربية في الجزائر” المنشور بجريدة المنار مؤداها: «بما أنّ البشر يتفاوتون في التفكير والإدراك، تعدّدت المذاهب وتنوّعت المشارب» تقاطعت هذه المقولة مع مقولة المفكر الألماني هيجل: «العقل يجمع الناس، والفهم يفرّقهم»!. ومن قناعاته العقلانية، اعتقاده أن تنوّع الفلسفات وتعدّد الأفكار بين الناس أمرٌ طبيعيّ، لكن المشكلة تكمن في «التعصّب» للرأي، وهو ما ينجب الفتنة.
والسمة الثانية أنه تمسّك بـ«سلطة الفكر والعلم»، فتجاوز النزعة الحزبية الضيقة، وتخلّص من سياج «المذهبية» وعفّ عن العصبية، محتفظا باستقلاليته الفكرية والسياسية بأن نأى بنفسه عن التحزّب أو الهيكلة في جمعية ما، مفضّلا التعاون مع الجميع. كما أنه تجاوز الصراعَ – الذي كان يطفو على السطح أحيانا – بين دعاة الحركة الإصلاحية الفكرية وبين مناضلي الحركة الوطنية التحررية.
والسمة الثالثة هي قناعته بحتمية توحيد جهود الجزائريين بكل أطيافهم الإيديولوجية في أطار وحدة العمل، كشرط ضروريّ لتحقيق النصر.
لقد مكّنه تحصيله التعليمي المزدوج من التشبّع بالثقافة الجزائرية والحضارة الإسلامية من جهة، ومن الإلمام بالفكر الإنساني والحضارة الغربية ومن الاطلاع على جهود النّضال التّحرّري في العالم من جهة أخرى.
هذا وقد نوّه المصلح علي مرحوم سنة 1937م عبر جريدة البصائر، بمحمود بوزوزو وهو شاب يافع ينهل المعارف في المدرسة الرسمية دون التنكر لأصالته:<<…ولا سيما إذا كان الشاب المثقف أيضا، عاملا مخلصا مصلحا مثل ما نعرف من بعض الشبان الذين يزاولون التعليم في المدرسة الرسمية بقسنطينة، وعلى رأسهم حضرة الشاب المهذّب والمصلح الأنجب السيد محمود بوزوزو البجائي، فهو بحقّ من الشباب المخلص في خدمة الإصلاح ونصرة المصلحين، ويمتاز بهذا عن غيره من بقية “الرسميّين” بالرغم من المراقبة التي يراقبه بها بعض…، وبُغْضهم له على ذلك..
أفكار ضد الرصاص في التّنوير والتّحرير للشعب والوطن
وهذه بعض أفكار وحكم، عبارة عن قبسات من درر العلامة الشيخ محمود بوزوزو، التي يمكن للقارئ أن يطلع عليها مفصلة في مقالاته وافتتاحيات مجلة المنار خصوصا، المجلة الرائدة التي أسسها عام 1951 وبقيت تصدر حتى قبيل الثورة من عام1953، من ذلك قوله:
• إن العقل أشرف شيء في الإنسان، فإذا كان مقيّدا بأوهام فاسدة، خاضعا لاعتقادات باطلة، كان ما يصدر عن الإنسان فاسدا باطلا، ذلك يؤدي لا محالة إلى الشقاء.
• والأمة إذا ضل عقلها وفسد تفكيرها بسبب خضوعها لاعتقادات ضالة، فإنها تكون عضوا أشلّ في الجامعة الإنسانية، ولا يمكنها أن تستفيد أو تفيد في المدنية.
• والحقيقة أنه لا يسوّغ لنا أن نسمّي إنسانا كلّ كائن بشريّ له عينان وأذنان، بل نسمّي إنسانا ذلك الذي يعلم حين يرى ويسمع.
• ويحَ العاقلِ الذي لا دين له، وويحَ المتديّنِ الذي لا عقل له!
• والدين إذا لم يكن له أثر حسن في الحياة العملية، فلا معنى له.
• قوّة المال أعظم من قوّة الضمير..الضمائر الصغار تذِلّ لرنين الدينار.
• ليس كلّ القديم باليا فاسدا، وليس كلّ الحديث رائقا صالحا.
• علِمنا أن الكشافة النسوية على ما يبدو غير مُرضي عنها في المشرق، ولا نحبّ أن نسمع مثل هذه الانتقادات عندنا.