ما قل و دل

فعالية الإيمان/ محمد الصالح الصديق

ذكر صاحب البداية والنهاية أن هرقل – وهو على أنطاكية – قال: لما قدمت الروم منهزمة؛ ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا بشرا مثلكم؟

قالوا: بلى..! قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن، قال: فما بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم.

ومن أجل أننا نشرب الخمر، ونزني، ونرتكب الحرام، وننقض العهد، ونغصب، ونظلم، ونأمر بالسخط، وننهي عما يرضي الله، ونفسد في الأرض، فقال: أنت صدقتني.

وسأل هرقل هذا رجلا قد أسر من المسلمين فقال: أخبرني عن هؤلاء القوم، فقال أخبرك كأنك تنظر إليهم: هم فرسان بالنهار، رهبان بالليل، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربوا حتى يأتوا عليه، فقال: لئن كنت صدقتني ليملكن موضع قدمي هاتين.

إنها العقيدة الإسلامية التي ما تكاد تخالط شغاف القلب حتى يفيض بالحياة، وينبثق منه نور يضيء الطريق إلى العمل الصالح، والسعي النظيف.

إنك ترى شخصا خاملا هامدا، فإذا ما هبت عليه نسمة الإيمان، انتعش واعتز، وتفتح لحياة جديدة، واستقبل عالما جديدا، وانقلب جذريا، فصار بين عشية وضحاها ينبوعا فياضا؛ وسراجا منيرا، يمشي بين الناس، يبدد الظلام، ويمنح الحياة قوة وفعالية. {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122]. إن المؤمن بالله حي قوي كريم، لأن علاقته بالله تمده دأبا بالحياة، وبالقوة وبالكرامة والاعتزاز بالنفس، وتشعره دائما بأن الله معه، وأما الكافر أو (مهزوز الإيمان) فإنه منقطع عن الله عز وجل، كالنبتة الضالة التي لا جذور لها.

هذا الإيمان أو هذه العقيدة هي التي جعلت المسلم في ألسر، وفي غياهب السجن، بل وهو يساق غلى الموت، لا ينسى الدعوة إلى الله بلسانه أو بعمله.

هذه العقيدة هي التي تضع في كل شيء خلقه؛ في المصيبة خلق الصبر، في النعمة خلق الشكر، في الصحبة خلق الوفاء، في الجهاد شرف الغاية، في العمل روح الإخلاص، في النصر خلق التواضع، في البذل خلق الاعتدال.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com