الإدمــــــــــــــان
أ. طالب علي/
اِنصرمت أسابيع، خلتها دهورا على غياب زميلي عن المدرسة، فاستبدّ بي القلق، وانتابتني الحيرة لكون زميلي هذا تلميذا مؤدبًا، مواظبا على الدراسة يَكِّنُ له الكلّ المحبة لِمَا كان يتّصف به من خلال كريمة فلم أجد بدًّا – بعد هذا الغياب الطويل – أنْ أسأل عنه وعن أحواله. وما إنْ وصلت إلى المكان الذي يرتاده، حتّى تفاجأت بوجوده مع ثلّة، خلعت رداء الحياء، وتسربلت سربال الاستهتار، ولم تعد تقيم وزنا للشّيّم الفاضلة، وهزأت بالقيّم. وبعد إلحاح منّي، أخرجته من بين هذه المجموعة التي أمطرتني بسيل من الشتائم، ورغم هاتيك الكلمات البذيئة التي سمعتها إلاّ أنّي لم أشأ أنْ أغادر المكان دون أنْ أنصحهم، مبيّنًا لهم خطورة الإدمان، ولكنّهم أصمّوا آذانهم، واستغشوا أثوابهم، ولم يعيروا كلامي أدنى اهتمام، وفي قلبي من الحزن ما يفتّت الصخور، وفي البيت انبريت أتلو على مسامعه كل ما جاء في وسائل الإعلام، وكذا تقارير المنظمات الصحية العالميّة والأمْنيّة عن المخدّرات التي أضحت هاجسًا، يقلق المجتمعات لِمَا تسببه من كوارث على صحّة المدمن وسلوكياته، فهو لا يحجم عن ارتكاب أشنع الجرائم: يسرق ويقتل، ويهدد الآمنين، ويسلب منهم حاجياتهم دون وجه حقّ لشراء السّموم. ونهاية المدمن إنْ لم يضع حدًا للإدمان، فإنّه يتعرّض إمّا للمرض أو التّشرد في الشوارع أو ولوج عالم الإجرام أو السّجن أو الانتحار. فلكم هو مؤلم أنْ تتعرّض لهذه الحوادث التي ذكرتها! فإنّي أربأ بك أنْ تقتفي أثار هؤلاء الذين يزّينون لك المخدّرات، ويطنبون في مدحها، وكأنّها بلسم للعلّل والأدواء. والأمل يراودني بأنّك ستقلع عنها، وتؤوب إلى رشدك، وتفتح صفحة جديدة مع ذاتك، وتنقطع كليّةً عن الأماكن التي عشّشَت فيها هذه السّموم، وتقطع صلتك بكلّ من يبذر شوكها في نفوس الشّباب. وإنْ سَرَتِ السّموم في جسدك، فهناك على بضع خطوات منك مركز لعلاج المدمنين. وما عليك إلاّ أنْ تطرق بابه، فستلقى من التّرحيب من لدن القائمين عليه ما يجعلك تطمئن لهؤلاء الحكماء، فهم لا يتردّدون في مساعدتك للتخلّص من الإدمان. كنت أحدّثه، وهو مطأطئ الرأس، ففاضت عيناه بالدّموع متأثّرًا بما سمع، وكان لهذه الكلمات وقع في نفسه، وتبيّن له أنّه أخطأ يوم وقع في شراك من لا يجدون أدنى حرج في إيهام الشّباب بأنّها حلّ للأزمات، وأنّها مصدر رزق تدّر على صاحبها المال الكثير إنْ سعى في المتاجرة فيها. وقد وفقْت والحمد لله في أنْ أقنعه في ولوج المصحة للعلاج. وما هو إلاّ شهر واحد حتّى شُفِيَ تماما، وعاد إلى سابق عهده مواظبًا على الصّلاة والدّراسة. وتملّكني حبور عظيم لأَنّي أخرجته من هذه الدّوامة التي راح ضحيتها العشرات من الشّباب، ولن يكون هؤلاء بمنأى من الوقوع في هذه الآفة إلاّ بالعودة إلى الطّريق المستقيم، وإنشاء ملاعب ونوادي ومكتبات ومتنزهات مع تشجيع الفتيان على المطالعة والمراجعة، وإبراز خطورة هذه السّموم التي اقتحمت أسوار مدننا وقرانا، ولم تترك مكانًا إلاّ ولجته، فدمّرت العقول، وزجت بالكثير في السّجون جرّاء ما اقترفوه في حق الأبرياء. وسبب انتشارها يعود إلى الخواء الرّوحي الذي يعاني منه هذا الجيل، وكذا التّفكك الأسري، والمشاكل التي عشّشت في البيوت بسبب الخصامات بين الأزواج، ونجم عن هذا هروب الأطفال من ذويهم بعد أن تخلّت الأسرة عن دورها التّربوي، وقادت الصّحبة السيئة الكثير من الشّباب إلى الوقوع في شراك هذه الآفة التي أتمنّى أنْ نقلع عنها. قال الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا ضرر ولا ضِرَار)، وأختم موضوعي هذا بكلمات، أتمنّى أنْ تجد آذانًا صاغية، تعي ما أقول. أيّها الشّاب، لا تغتر بأولئك الذين يزيّنون لك تعاطيها فكن حذرا من أنْ تنْخدع بكلامهم المعسول، وتلقي بنفسك إلى التّهلكة. فحرام أنْ تدّمر حياتك وحياة غيرك بسبب هذه المادة التي تبدو لك في الوهلة الأولى أنّها حل لمشكلاتك، فلا يمضي عليك طويل زمن حتّى تتعرّض لشتى الأسقام، وتسوء حالتك، وتكسو محيّاك الأحزان، وتحيط بك الهموم من كلّ جانب، وينأى عنك الأحباب. وتجد نفسك وحيدًا في بيداء الضياع تائهًا، ضائعًا، ساكبا دموع الحسرة، والنّدم يعتصر فؤادك. تذكر جيدًا قبل أنْ تقع الفأس على الرأس. ويكأنّى بالشّباب بعد هذه الكلمات التي ذكرتها ينأون عنها، ويعودون إلى جادة الطّريق.
وفي البعد عنها، سلامة، وراحة واطمئنان، وسعادة ما بعدها سعادة. وصدق من قال: (أنا سعيد بإيماني، وليس بإدماني).
“المخدّرات مصدر للشّر، معْولٌ للهدم”.
(الحشيش لذة عابرة، تؤدي إلى نهاية هالكة).