هل الابتلاء عقاب؟ وما هو الفرق بين البلاء والابتلاء؟
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com
ـ الفتوى رقم:637
الســــــــــــؤال
قال السائل: أصيب جارنا باحتراق منزله، بسبب شرارة كهربائية، وأصيب أحد أولاده بذلك الحريق فمات. وأكثر الناس في القيل والقال، بسبب أن أحد أولاده كان لايصلي، فبعضهم يقول: إن الحريق ابتلاء عقاب، وبعضهم يقول كلاما لم نكن نسمعه. وسؤالي: هل الابتلاء عقاب ينزله الله على بعض العباد؟ وما هو الفرق بين البلاء والابتلاء؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: إن ما يصيب المؤمن من البلاء ليس عقابا، وإنما لزيادة الأجر والثواب؛ فإن الأنبياء والصالحين يبتليهم الله عز وجل بأنواع من البلاء المبين. وحتى الشوكة يشاكها المؤمن يؤجر عليها. فعثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي تستحي منه الملائكة وهو مبشر بالجنة، ومع ذلك أخبره النبي عليه الصلاة والسلام، ببلاء يصيبه. كان مرة أبو موسى الأشعري يحرس النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء عثمان فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ائذن له وبشره بالجنة، معها بلاء يصيبه] (البخاري:7097) فليس كل من يبتلى بمرض، أو بقتل، أو بزلزال، أو بحرق، أو بغرق، يقال عنه إنه كان على ذنب!!! بل إن المؤمن الحق الذي يموت بالغرق أو الحرق أو الوباء وغير ذلك ينال أجر. ففي الموطأ:{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ، سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْحَرَقُ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ.} (الموطأ. ت. الأعظمي:2/327) ومنه فإن نزل البلاء بالمؤمن الصابر الشاكر، الراضي بقضاء الله تعالى وقدره، فهو خير له، ومنه الحديث: [الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ]وإذا نزل البلاء بالكافر فهو عقاب له، ورسالة له ليستيقظ وليتوب. ففي الحديث. عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني: [أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ] (البخاري:3474)
ثانيا: قال السائل: {وما هو الفرق بين البلاء والابتلاء؟}
البلاء والابتلاء يجمع بينهما مصطلح الفتنة، والفتنة هي اختبار المصاب بما يؤلمه، أو اختباره بالمال الكثير لِيُعْلَمَ كيف ينفقه. وفي اللغة: البلاء من البليّة والبلوى، بمعنى: المصيبة المحزنة. ويكون البلاء بمعنى الاختبار. قال الله عز وجل: ﴿ولنَبْلُوَنَّكُم﴾ فمعناه: ولنختبرنكم. وقال عز وجل
﴿وبَلَوْناهم بالحسناتِ والسيئاتِ﴾ فمعناه: اختبرناهم بالخصب والجدب. وقال: ﴿يومَ تُبلى السرائر﴾ معناه: يوم تختبر السرائر.. والبلاء ما لم يكن متوقعا من المبتلى: كما حدث لإبراهيم عليه الصلاة والسلام. قَالَ الله جلّ وعز وجل في الخبر عن إبراهيم: ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصَّافات: 107) عندما أمره الله تعالى بذبح ولده. ويكون البلاء شديدا ولو كان في الخير، عندما تفتح الدنيا فجأة على غير المتفقه فيها، كفرعون، وقارون. ومنه فإن البلاء يكون ضررا ويكون نفعا. ويطلق غالبا البلاء على الشدائد الكبرى، كقول القائل:{ لَمَّا عَظُمَ الْبَلَاءُ بصِفِّين} لما اشتدت الحرب. والأشد بلاء الأنبياء، ثم الصالحون.
ثالثا: لايجوز للمؤمن أن يقول في الناس ما يتعلق بينهم وبين خالقهم. فأقول للسائل: دع الناس وشأنهم فيما بينهم وبين الله عز وجل، ففي الحديث. [مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ] (الترمذي:2317). ومن تظنه أنه مبتلى بمعصية فادع له بالهداية، ولا تتحدث عنه بالسوء، ومعنى السوء أن تتحدث عن شخص لو كان معك ما تحدثت بذلك. ومن قيم الإيمان أن تحب لكل مؤمن ماتحبه لنفسك. عن مالكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: [لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوا قُلُوبُكُمْ. فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ. وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ. وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ. فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى. فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ، وَاحْمَدُوا الله عَلَى الْعَافِيَةِ] (الموطأ، باب ما يكره من الكلام:3615).