الوقاية ببعض العواصم للثبات على منهاج أبي القاسم

أ. محمد مكركب/
أردت أن تكون هذه المقالات، خرائط بيانية فكرية، في علم المنهجية، والبناء الثقافي، لذلك، عندما أحيلك إلى نص شرعي، من القرآن، أو الحديث، أو خبر من الأثر، فالمقصود هو تبيان الغاية، والمناسبة، والمقصد، فقراءة النص حينها هو العلاج. فمفتاح المقال أن يدلني، ويدلك، على مكان الموعظة المناسبة للوقاية، أو العلاج. وقد تكون الموعظة من الكتاب، أو من الحديث، أو من قول عالم مجرب. فالدعوة إلى الوقاية والاعتصام، ببعض العواصم، لحماية أنفسنا من الأراجيف الهدامة، التي ظهرت فقاقيعها، على كثير من المستويات المجتمعية، تنذر بفتن التلبيس على الناس، كالدعوة إلى الحرية في التدين، من قبل أولئك النابتة النشاز، من الدعاة الهارفين، الذين يقولون بأن الإنسان يعمل حسب ما يمليه عليه عقلة!! لايعملون بما اصطلح عليه بالفقه الإسلامي، ولا بالتفسير، ولا بالسيرة النبوية، ولا بالحديث النبوي الشريف. فما هي بعض العواصم المنجية؟
العاصمة الأولى: وهي الأهم، والأكبر والأعظم، وهي: الثبات على الإيمان بالقرآن، والعمل بأحكام وأخلاق القرآن، وفق التفاسير التي نالت القبول عند الأمة، منها، أختار لك، على سبيل المثال، هذه المراجع الخمسة، في التفسير، وغيرها موجود وكثير. 1 ـ الجامع لأحكام القرآن، للمفسر القرطبي. 2 ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل. للإمام البيضاوي.3 ـ تفسير ابن كثير. 4 ـ التحرير والتنوير. للإمام محمد الطاهر بن عاشور. 5 ـ أيسر التفاسير. للإمام أبي بكر جابر الجزائري. والقرآن الكريم هو:{كلام الله تعالى، المنزل على نبيه محمد بن عبد الله خاتم النبيين، صلى الله عليه وسلم، المعجز بلفظه، ومعناه، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة الفاتحة، إلى آخر سورة الناس. ومن المصاحف: مصحف المدينة النبوية المنورة، ومصحف الجزائر.} قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.﴾ (الحجر:9)
العاصمة الثانية: ما أجمع عليه الأئمة الأربعة في الفقه الإسلامي، وهم: الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد. فانتبه: ليس هؤلاء فقط هم علماء وأئمة الإسلام، وإنما ذكرت لك بأن ما أجمع عليه هؤلاء الأئمة الأربعة كَمَعْلَم في التدين كاف، وصحيح، كمرجعية كافية للعامة، بأن يعصمهم من التيه والغلط، عندما تكثر الأراجيف المضللة، والدعوات المحرفة، والتهريفات المخرفة.
العاصمة الثالثة: العمل بالأحاديث التي أجمعت الأمة على العمل بها. ومن بين مصادرها:{الموطأ، وصحيح البخاري. وصحيح مسلم، سنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، وسنن النسائي، وسنن البيهقي}.
العاصمة الرابعة: خمس صلوات في اليوم والليلة. إياك أن تضيع وقتا من هذه الصلوات. [أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ] قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: [فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا] (البخاري:528)وعن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية] (أبو داود:547) وهذا بشأن فرض الكفاية في اجتماع المسلمين في المساجد، والدعوة إلى عمارة المساجد.وفي الحاوي الكبير:{قال الماوردي: لا اختلاف بين العلماء أن الجماعة للجمعة من فروض الأعيان، ولا يصح أداؤها إلا في جماعة، فوجب أن تكون الجماعة لها فرضا على الأعيان. فأما الجماعة لسائر الصلوات المفروضات، فلا يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابه أنها ليست فرضا على الأعيان، واختلف أصحابنا هل هي فرض على الكفاية أم سنة؟ فذهب أبو العباس بن سريج، وجماعة من أصحابنا إلى أنها فرض على الكفاية، وذهب أبو علي بن أبي هريرة، وسائر أصحابنا إلى أنها سنة.} (الحاوي الكبير:2/297)
العاصمة الخامسة: المحافظة على حضور حلقات العلم، مع العلماء الذين يعملون بالمراجع السابقة الذكر. ففي الحديث. عن أبي واقد الليثي، {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه] (البخاري، كتاب العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها.:66)العلم عاصمة، تعصم من ثلاث آفات: من آفة الجهل، والجهل من أخطر الأعداء. والعلم يعصم من آفة النسيان، والنسيان من أخطر أسباب التردي والعصيان. والعلم يعصم من آفة الشبهات، ودعاة الضلال.
فاعصم نفسك بالعلم، ومجالسة العلماء. ولاتنس تدبر القرآن الكريم، فأول أبواب العلم القرآن، ثم الحديث، والسيرة، ثم العلم الكوني من فروض الكفاية. عن أبي إدريس الخولاني، أن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، قال: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والأحمر والأسود، فيوشك قائل، أن يقول: مالي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه، فما أظنهم يتبعوني عليه، حتى أبتدع لهم غيره. إياكم وإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغه الحكيم، فإن الشيطان يقول: عليّ في الحكيم كلمة الضلالة، وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق، فإن على الحق نوراً، قالوا: وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟ قال: هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه؟ فلا يثنكم، فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون.} صفة الصفوة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي:1/188)
عاصمة العلم بالنسبة للأمة، نجد تفريطا كبيرا، فلا يزال المسلمون العرب بالخصوص بعيدين عن العلم، ولذلك استحوذ عليهم شياطين الإنس والجن، فضاع كثيرٌ من الشباب العربي، في الداخل والخارج، وأَحْكَمَ الكفارُ قبضتهم على المتخلفين من هذه الشعوب، وفرضوا عليهم التبعية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. إن عاصمة العلم تقتضي إقامة مجمع الأكاديمية العلمية، للبحوث والدراسات. لخمسة أنواع من العلوم: النوع الأول: علوم الصناعات والحرف والتقنيات. والنوع الثاني: علوم الصيدلة والطب والأدوية وطرائق العلاج. والنوع الثالث: العلوم الزراعية وحفظ الحبوب. والعلم الرابع: علوم التربية الحيوانية. والعلم الخامس: العلوم النباتية والغابات والسدود.
ثم إن التخلف لم يضرب كيان هذه الشعوب، في جانبها المادي فحسب، بل حتى في قيمها الاجتماعية، والإيمانية، فسقطت كالفريسة أمام عواصف الغزو الثقافي والتربوي، وبدأ طغيان اللغات واللهجات الأجنبية على حساب اللغة العربية، والشعوب الإسلامية، كلها معنية، وليست الشعوب العربية وحدها هي المتضررة فقط من تهميش لسان القرآن، إن بقاء كيان هذه الشعوب، وسيادة هذه الدول مرهون بالإسلام، وسيادة اللغة العربية، والاكتفاء الذاتي والتخلص من التبعية للأجنبي في كل مجالات المعايش.