معهد ابن باديس بباريس
أ د. عمار طالبي/
هل يُتصور أن يبنى معهد متكامل باسم الشيخ الجليل الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى في مدينة باريس.
ذلك ما وقع بالفعل، في مدينة باريس عاصمة الجمهورية الفرنسية، أنشئ هذا المعهد سنة 2012 به مسجد كبير، ومعهد خاص للدراسات الإسلامية يتضمن التعليم الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، يدرس به الآن 200 تلميذ وتلميذة على مدى الأسبوع، أما الطلبة الذين يدرسون يومين أسبوعيا فقط فعددهم 1000 تلميذ وتلميذة، يتعلمون القرآن، واللغة العربية والتربية الإسلامية، وبالمسجد 100 متطوع في خدمة المسجد من الشباب والشيوخ من التقنيين وغيرهم، وبهذا المعهد ستة طبقات.
تدير هذا المعهد جمعية يرأسها السيد رشيد عبدوني، والنائب العام السيد كمال زكري، وقد استقبلني عند زيارتي للمعهد السيد كمال زكري، ورحب بي وتجولت بالمعهد، وأقسامه ومطعمه ومخابره، وهو يشتمل على كل وسائل التربية والتعليم العصرية.
وقد صليت صلاة العصر بهذا المسجد مع جماعة من المصلين، وألقيت كلمة بعد الصلاة شكرت فيها هذه الجمعية التي بنت بوسائلها الخاصة هذا المبنى، واشترت الأرض التي يبنى عليها، وهذا عمل لا يقوم به إلا أهل الإيمان والحرص على تعليم أبناء المسلمين دينهم، في مجتمع أوروبي، فهم أوربيون ولكن مسلمون مع ذلك.
ولقد كتب إلي السيد كمال معلومات عن المعهد وأرسلها لي عن طريق واتساب هذا هو نصها: «السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، الشيخ عمار سعدت بوجودكم معنا اليوم في معهد ابن باديس، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا في الفردوس الأعلى، هذه المعلومات التي طلبتها مني، إنشاء هذا المعهد كان عام 2012 يتضمن مسجدا، ومعهدا إسلاميا خاصا، به مستوى الابتدائي، ومتوسط وثانوي، به 200 طالب وطالبة، يدرسون على مدى الأسبوع، وعندنا 1000 يدرسون السبت والأحد اللغة العربية والتربية الإسلامية والقرآن، به 100 متطوع يعملون في خدمة المسجد، رئيس الجمعية: رشدي عبدوني، والنائب العام كمال زكري، بارك الله فيك شيخ».
هذا العدد من المتطوعين في خدمة المعهد ومسجده اعتقد أنه لا يوجد مثل هذا العدد في غالب مساجد الجزائر، وفي هذا دلالة على حرص المسلمين الجزائريين وغيرهم، على إقامة شعائر دينهم، وتعليم أبنائهم بحرص بالغ، وإيمان عميق، وهذا ما شاهدته في أغلب المساجد التي زرتها، وتجد المصلين من الرجال والنساء لا يسعهم المسجد في بعض المناطق يوم الجمعة فيصلون على فوجين بإمامين ومعهم الأطفال كالبراعم اليانعة، والورود المتفتحة وكان في بلادنا وزيرة تدعو إلى القضاء على التربية الإسلامية في التعليم، ليكون التعليم تغريبيا ثقافيا، وتعادي كل ما هو إسلامي، وتأتي بالخبراء الأجانب ليساعدوها على ذلك.
عودتي من إسبانيا يوم 15 أوت إلى عاصمة الجزائر وبقيت فيها يوما واحدا، وفي مطار الجزائر بدأت الفوضى إذ أعلمونا أن حقائبنا تكون في المتحرك بها رقم 11، فبقيت واقفا انتظر حقيبتي إلى أن انتهى المحرك من دفع الحقائب كلها، وكان ذلك لمدة ما يزيد على ساعة، فيئست من وجود الحقيبة وانصرفت إلى غرفة الحقائب المفقودة وأثناء سيري متعبا لمحت حقيبتي في المحرك لها رقم 8 يتيمة ضالة، فحمدت الله أن لم تكن ضاعت في مطار آخر.
ومن الغد شددت الرحلة مرة أخرى إلى تونس يوم 17 أوت 2023، كانت الطائرة في الموعد، ووصلنا بعد ساعة من الطيران إلى مطار قرطاج، فكان خاليا من السائحين، ولعل وصولنا مبكرا الساعة الثامنة كان قبل وصول الرحلات.
استقبلتني ابنتي منى مع ابنها حفيدي أنس، وهو ولد لطيف، ولم يطلب منا أن نملأ ورقة الشرطة كما كان في العام الماضي، وكان الخروج من المطار سهلا، فوصلنا إلى حي النصر حيث تقيم ابنتي، وهو يقع على أطراف مدينة تونس شمالا، وقد تجولت مساء في مدينة سيدي بوسعيد على شاطئ البحر الأبيض شرق مدينة تونس، وقد عهدتها قديما مدينة هادئة معمارها جميل على النمط العثماني، ولكن هذه المرة كأن سكان تونس نزلوا بها فلا تجد مكانا للجوس، فضلا عن مكان للسيارة، فعجبت من أمرها ولا تجد سائحا واحدا أجنبيا بها، مع غلاء أسعار المشروبات. غلاء فاحشا، وكأني بتونس قد تغير سكانها صغارا وكبارا، نساءا ورجالا، فلا تجد تونسيا لابسا الشاشية الحمراء، ولا تجد تونسية واحدة بلباس السفساري،
وهو ما نسميه في الجزائر بالحائك، وقل من النساء من يلبس لباسا ساترا محتشما، فهذه سيدة تأكل في الطريق، أو تلتهم مثلجا، وكان الأمر قديما أن الرجل نفسه يعاب عليه أن يأكل في الشارع ويشك في قبول شهادة من يفعل ذلك، إذ يعتبر خدشا في حيائه، وخلقه، فهذا التغير الاجتماعي السريع بسبب تأثير الحضارة الغربية، والعدوان الثقافي الذي يكاد يأتي على كل مظاهر الحياة من السلوك واللباس، ولا غرابة في ذلك فإن وسائل الإعلام قلبت الموازين وأحدثت تغيرا هائلا لم يحدث مثله في التاريخ قبل عصرنا هذا.