قضايا و آراء

الاستشراق والمستشرقون العرب

أ. عبد القادر قلاتي/

الاستشراق في إطاره المعرفي معلوم -من حيث الدلالة اللغوية والاصطلاحية – لكلّ متصل بالثقافة العربية، لكن ربما يُشكل على البعض مصطلح الاستشراق العربي، ذلك أنّ العرب بتراثهم وجغرافيتهم هم محلّ الدراسة، ومنشأ هذا المجال المعرفي الواسع، وأغلب من يطلق عليهم هذا الاصطلاح هم من غير العرب، من أوروبا وأمريكا، فكيف جاء مسمى المستشرق العربي؟
لعلّ منشأ المسمى جاء من دلالتين، أولهما الانتساب إلى العرب، وثانيهما الاشتغال على المجال العربي، على ضوء منهج الاستشراق وأدواته المعرفية، فأما المستشرق الذي ينتسب إلى العرب جنساً؛ فهو ذلك المستشرق الذي عاش في الغرب ودرس فيه، وكتب بلغته واشتغل على موضوعات تتصل بالحياة الثقافية العربية، مثل جورج مقدسي في الولايات المتحدة الأمريكية وألبرت حوراني في بريطانيا، وإلى حدٍ ما إدوارد سعيد ووائل حلاق مع فارق في الانتساب إلى الجغرافيا العربية، حيث وُلدا وتربيا في البيئة العربية ثمّ رحلا إلى الغرب ودرسا فيه وكتبا باللغة الإنجليزية، حول موضوعات تتصل بالثقافة العربية والانتصار لها والدفاع عنها، واللافت في هذا أن هؤلاء جميعا كانوا مسيحيي الديانة، وكان دفاعهم عن الثقافة العربية والإسلامية واضحاً عكس الرؤية الاستشراقية التي في أغلب منتوجها -حول المعمورة الإسلامية – جنحت إلى التشويه، والقراءات المبتسرة التي كان لها الدور الرئيس في صناعة مجالات معرفية معادية للمنهج الإسلامي، أنتجت بدورها -هذه المجالات المعرفية – تيارات فكرية معادية للثقافة العربية والإسلامية، كما تسربت من خلالها جملة من النظريات والإيديلوجيات التي نشأت في مجالات تداولية مختلفة عن مجالنا التداولي العربي والإسلامي، واللافت أيضا أنّ هؤلاء -مقدسي وحوراني وسعيد وحلاق – رغم أنّهم مسيحيون إلاّ أن كتاباتهم كانت كلها دفاعاً عن الإسلام وحضارته السامقة، بل وقدّموا قراءات نقديّة لاذعة للمنهج الاستشراقي كما فعل إدوار سعيد في كتابه الشهير: «الاستشراق»، ووائل حلاق في: «قصور الاستشراق»، وبعيدا عن هذه الكتابات المباشرة في نقد الاستشراق، تبدو دراسات جورج مقدسي الذي تخصص في الكتابات عن التاريخ العلمي في الجغرافيا الإسلامية، وقدّم جملة من الكتابات الرصينة حول المدارس العلميّة في كتابه: «نشأة الكليات – معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب»، وكتابه: «نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي»، وفيهما وفي غيرهما من كتبه، أظهر مقدسي قدرة كبيرة على خوض موضوع هام في الدراسات التاريخية المتعلقة بتاريخ التربية والتعليم في العالم الإسلامي،…. يتبع.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com