“عرس ديمقراطي على الطريقة المصرية…!”/ عبد الحميد عبدوس
تواطأت جل وسائل الإعلام المصرية على وصف الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء (26/ 27/ 28 مارس 2018م) بـ: “العرس الديمقراطي..!”
وإذا كانت كل مظاهر العرس قد حضرت في انتخابات الرئاسة المصرية من أهازيج صاخبة، ورقصات متمايلة، وزغاريد مدوية، إلا أن الديمقراطية كانت “الغائب الأبرز” في هذه الانتخابات، لأنها بقيت مطرودة خارج مكاتب الاقتراع، ابتداء من اختيار المترشحين، مرورا بالتجاوزات الانتخابية العديدة، والترهيب العلني للمقاطعين للانتخابات، والاستخدام السياسي للدين وأطفال المدارس لأغراض انتخابية، رغم أن نتائج هذه الانتخابات كانت معروفة ومحسومة قبل انطلاق العملية الانتخابية. وأما موقف حركة الدعوة السلفية وذراعها السياسي “حزب النور” فقد تطور موقفه من استخدام الدين في السياسة إلى المتاجرة الرخيصة بالدين وتضليل الناخبين، لدعم انتخاب المرشح عبد الفتاح السيسي…!
ولعل التنافس الوحيد الذي كان بارزا في هذه الانتخابات الرئاسية هو تنافس وسائل الإعلام المصرية العمومية والخاصة المرئية والمسموعة والمكتوبة، في تأييد وتمجيد المرشح “عبد الفتاح السيسي”؛ كما احتشد فريق من رجال الدين الإسلاميين والمسيحيين، والممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات، ورجال الأعمال، وأغلب البرلمانيين والبرلمانيات، ورؤساء وعمداء وأساتذة المعاهد والجامعات، ومديري ومعلمي المدارس والثانويات، وأئمة المساجد وقساوسة الكنائس، وعمال المصانع والمزارع للتصويت لصالح “السيسي”، ودعوة المواطنين للمشاركة في الانتخابات، كما أصدر مفتي الديار المصرية، فتوى تقول: “بأن من لا يدلي بصوته خلال الانتخابات الرئاسية فهو آثم شرعًا”…!، مؤكدًا أن الإسلام أوجب المشاركة الإيجابية في ما يخص مصير الدولة، إلا أن نسبة الإقبال على مكاتب الاقتراع أصابت أنصار “السيسي” )طبخيبة أمل مريرة…!(.
حيث كانت نسبة المشاركة في انتخابات 2018م التي تشبه الاستفتاء،(25 مليونا)، أي: أقل من نسبة المشاركة في رئاسيات 2012م (أكثر من26 مليونا)، التي أعقبت ثورة 25 جانفي 2011م، التي فاز بها الدكتور محمد مرسي الذي انقلب عليه وزير دفاعه “عبد الفتاح السيسي” في 2013م، وحتى المبالغ المالية والسلع الغذائية التي كانت توزع على المصوتين، لم تغر غالبية المواطنين المصريين بالنزول إلى مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم.
وبعد انسحاب جميع المنافسين الجادين للمرشح (الرئيس) “عبد الفتاح السيسي” من الانتخابات الرئاسية بسبب الضغط أو التهديد أو بالسجن، أعلن في 27 جانفي 2018م “السيد البدوي” رئيس “حزب الوفد” عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، بعدما ما كان قد أعلن عن دعم الحزب رسميا للرئيس “عبد الفتاح السيسي” في انتخابات الرئاسة، مؤكدا أن وجود مرشح وحيد للرئاسة ليس عيبا، ولا يخل بمعنى الديمقراطية، ولكن بعد حوالي أسبوعين من ذلك تقدم بطلب إجراء الفحوص الطبية، تمهيداً للترشح للاستحقاق الرئاسي، وقال من جهته رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد: «عندما رأى الوفد أن المشهد الانتخابي من دون مرشح منافس رأى أن من واجبه الوطني أن يحافظ على صورة مصر ويتقدم بمرشح منافس وفقاً لعملية ديمقراطية كاملة»، وبعد ساعات من قرار “السيد البدوي” الترشح للرئاسيات «حفاظا على صورة مصر» أعلنت الهيئة العليا لحزب الوفد، رفضها رسميًا ترشح رئيس الحزب للانتخابات الرئاسية، ولم يكتف السيد البدوي رئيس حزب الوفد الذي يعتبر من أقدم الأحزاب في مصر بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية في صمت وإهانة، ولكنه صرح بعد ذلك أنه لا يوجد منافس يستطيع أن يفوز على المرشح “عبد الفتاح السيسي” الذي اعتبره أنه «منحة من الله، لإنقاذ الوطن في فترة غاية في الخطورة …! و إن إنجازات الرئيس “عبد الفتاح السيسي” خلال الـ4 سنوات الماضية، تعتبر إعجازا بكل ما تحمله الكلمة من معنى…!”. ولكن بعض الإعلاميين المصريين يعتقدون أن هذا الموقف من رئيس “حزب الوفد” راجع إلى خوفه من إحالة ملفات الفساد التي تورط فيها إلى القضاء وحملة التشهير الإعلامي التي كانت ستطاله؛ وبعد انسحاب “السيد البدوي” رئيس “حزب الوفد” من سباق الرئاسيات، وقبل دقائق فقط من موعد إغلاق الهيئة الوطنية للانتخابات باب الترشح، تقدم “موسى مصطفى موسى”، رئيس “حزب الغد” بأوراقه للترشح، وقدم توقيعات 20 من نواب مستقلين في البرلمان، وأكد أن حزبه نجح في جمع قرابة 40 ألف توكيل شعبي في المحافظات، على الرغم من إعلانه في وقت سابق عن تأييده للرئيس “عبد الفتاح السيسي”، وتدشينه حملة بعنوان: «مؤيدون»، لدعم الأخير في الانتخابات المقبلة.
لقد دخل المرشح “موسى مصطفى موسى” الانتخابات بعقلية المهزوم، وخرج منها بشخصية المهزوم، ولكنه يعتبر أن مجرد الدخول في منافسة انتخابية مع الرئيس “عبد الفتاح السيسي” هو شرف عظيم، مما يؤكد “براعة النظام المصري” في ضبط العملية الانتخابية في جميع مراحلها وتفاصيلها وحتى اختيار شخصية المرشح الوحيد المنافس في الانتخابات الرئاسية “موسى مصطفى موسى” الذي وصفته المعارضة بـ: «الكومبارس» في مسرحية هزلية تستهدف تجديد البيعة لـ: “السيسي” لولاية ثانية.
ولم تخف “إسرائيل” انحيازها للمرشح “عبد الفتاح السيسي”، وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت الإسرائيلية”: )إسرائيل بالطبع ستصوت للسيسي(، وأضافت: )أن مجرد التفكير في أنه لو لم ينجح في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، والإطاحة بالإخوان المسلمين يثير القشعريرة(.
ومن الجانب المصري – وحتى قبل ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية- خرجت دعوات من بعض مؤيدي “الرئيس عبد الفتاح السيسي”، تطالب بتمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات، ودعوات أخرى تطالب بجعل باب الترشح مفتوحًا، بحيث لا تكون مقيدة بعدد محدد من السنوات كفترتين…!
فهل ستشق الدعوة إلى انتخاب “الرئيس المعجزة” لمدى الحياة…! طريقها في مصر…!، رغم ظهور بوادر حقيقية لتراجع شعبية الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” الذي تحصل بعد أربع سنوات من الحكم، وسحق المعارضة السياسية، والتنكيل بكل خصومه السياسيين، وغلق القوس الديمقراطي في الحياة السياسية المصرية، على عدد من أصوات المصرين(23 مليون صوت) يقل بكثير عن عدد المصريين( 30مليونا) الذين ادعت وسائل الإعلام المصرية الموالية للأجهزة الأمنية أنهم فوضوه في سنة 2013م للانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي؟!