“ماذا بقي من الأسد؟!”/ جمال نصر الله.
آخر صورة شاهدها الناس للرئيس السوري الحالي كانت داخل محميته أو منتجعه المحروس رفقة بناته وبنيه، يجلسون على حافة مسبح عصري يذكرنا بعهد المماليك والباشاوات؛ ومن الأكيد المؤكد أن الذي شاهد ذلك جالت في خاطره ومع نفس الظرف الزمني تلك الصور لأطفال رفقة أمهاتهم، حيث كاميرات العالم تتابعهم وهم في حالة فرار وتشويه من القصف المتهاطل المتتالي بالغوطة الشرقية.
وعليه فهم أطفال من نفس التربة والإقليم والوطن الأم، التناقض التاريخي، بل التصادم الصوري هذا يذكرنا ويعود بنا نحو مشهد مماثل إلى الوراء، يوم كان “أدولف هتلر” يأخذ صورا له مع عشيقته “إيفا براون” في نفس الزمن الذي كانت دباباته تسحق القرى البولندية والبلجيكية بلا رحمة أو إنسانية أو شفقة…!
فليس هناك أدنى شك عن أنه وعلى أي عاقل أن يتخيل بأن بشار الأسد وما كان يحمله من وزن وثقل قبل أحداث درعا 2011م (بداية شرارة الأحداث) هي نفس القيمة التي يحملها اليوم مع مطلع عام 2018م؛ هذا الانتقاص حتى لا نقول الانحطاط لم يكن تحصيل حاصل على المستوى الخارجي فقط، بل حتى على مستوى الجبهات الداخلية، حيث كتم الجميع ولو بإكراه مآلات هذا الوضع الإنساني المريب بدء من عدد الضحايا إلى عدد اللاجئين الذي فاق العشرة ملايين…! وصارت المعضلة السورية شبيهة بالمعضلة الفلسطينية من حيث حدتها وتأثيرها على السياسات الإقليمية.
من بين المأثورات التي نحفظها للإمام الجليل الشافعي يوم قال: “ما فائدة أن تكسب كنوز الدنيا وسمعتك سيئة”…! هذه الحكمة يمكن تطبيقها على أي حاكم عربي عبر التاريخ، بل قل أي مسؤول، يوم يتمادى ويتعنت في سلوكه المقزز والمشين وهو على علم أنها في طريق أعرج وملغم. لأن التاريخ حدثنا عن ملوك وزعماء كانت نهاياتهم سيئة لا لشيء سوى أنهم قطعوا ذلكم الحبل السري بينهم وبين رعاياهم ومن يحكمونهم، وفي النهاية لم ترحب بهم إلا مزبلة التاريخ…!
ويحكى أن الخليفة العباسي وفي محاولة منه لتلميع صورته أمام الرأي العام استدعى أحد الأئمة الفقهاء وطلب منه أن يدعو له من على المنبر، لكن – ونظير تقوى وجرأة هذا الأخير الصافية والصريحة- أجابه: كيف أدعو لك يا مولاي والناس في الخارج تدعو عليك…! إن بلاد الشام التي دُمرت بهذه الكيفية لم يكن ذلك إلا نتيجة خطأ سياسي ونفسي يترجم حالات الغرور و”العنجهية” التي تتغلغل في الرؤوس لدى أي حاكم أو بطانة تؤمن بالحريات العامة والشخصية، وتتلفظ بها وباحترام الآراء الحرة، لكنها لا تطبقها على أرض الواقع، بل هي تلبسها لباس الزينة؛ والتجمّل ليس إلا، ومن هنا صار واحدا مثل بشار الأسد أحد الأمثلة الحية والرموز التي أكدت بأن القبضة العسكرية إن تمادت في أساليبها دون السماع للأطراف الأخرى والشركاء السياسيين صارت قاب قوسين نسخة مطابقة للأنظمة الغاشمة والشمولية التي تتولى الأمور بقوة السلاح ولا يهمها أن يفنى ويزول النصف الأكبر من الشعب مقابل بقائها وديمومتها. والذي سوف يبقى من أمثلة هؤلاء وحسب ما ظل التاريخ يجسده لنا ويكتبه هو صرخة المظلومين فقط، والمطالبين بالعدالة الاجتماعية والعيش الكريم ولغة الحوار، فسوريا الشقيقة هي خزان القدرات العربية عبر التاريخ، وفي شتى المجالات. لكن الكثير من الطامعين من خارج سوريا ومحور الشر المحيط بها أراد لها التركيع والتشرذم، ولكن للأسف الشديد أنموذج مثل بشار الأسد، وأزلامه لا يدركون ذلك. بل راحوا يلقون باللائمة على من نادوا بسوريا عصرية ورائدة في التعددية..! وملصقين بمن رفعوا شعارات التغيير، أهمها أنهم “مجرمون” و”دواعش”.
هذا قبل أن تصبح هذه الفرضية حقيقة حية على أرض الواقع ليصبح الصراع بين جماعات إسلامية تنادي بإسقاط النظام، وبين مجرد حكومة تتغذى قوامها من القوى الإقليمية؛ وتصبح سوريا الشعب -بكل مقوماتها وهياكلها- تدفع ثمن التآكل، والفناء الأكبر.