في رحاب الشريعة

ذكرى يوم المجاهد فاعتبروا بما يسجله التاريخ الشاهد

أ. محمد مكركب/

 

من أيام الله التاريخية في الجزائر، يوم المجاهد، يوم العشرين من شهر أوت 1955م يوم هجوم الثوار الجزائريين على الشمال والشرق القسنطيني، كان مَعْلَمًا تاريخيا كبيرا في زمن تاريخ الثورة الجزائرية، قلت إنه يوم من أيام الله في الجزائر، وما أدراكم ما الجزائر، جزائر التاريخ والبطولات، جزائر المحن والفتن والانتصارات عبر القرون، من قبل تاريخ الميلاد، وقد شاء الله تعالى أن تمتاز الجزائر بشعبها الحر المتحرر، وبكيانها المتميز أرضا، وشعبا، وسياسة.

قال الدكتور بوعلام بن حمودة في كتابه {الثورة الجزائرية.(ص:28) في رواية عن مناضلين في جبهة التحرير أيام الثورة منهم علي كافي: إن هجوم المجاهدين (جيش التحرير) بالتعاون مع المواطنين (الفدائيين) في الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 1955م كان محضرا (مخططا له) منذ ثلاثة أشهر من طرف زيغود يوسف، قائد المنطقة الثانية. قال الدكتور بن حمودة: وكان الهدف الجهادي للهجوم مناوشة مواقع العدو وتخفيف الحصار على (الأوراس والنمامشة) بالتنسيق مع قيادة المنطقة الأولى. قال: أما الأهداف السياسية فمنها: إيقاظ المترددين من أبناء الشعب، وإحداث حالة اللاأمن في صفوف الجيش الفرنسي، وإظهار مشاركة الشعب في الثورة (التعميم) وكان من بين الأهداف لهذا الهجوم المخطط، ممارسة الضغط على فرنسا وإسماع العالم، لتسجل قضية الجزائر في جدول أعمال الأمم المتحدة، والتعبير عن التضامن مع الشعب المغربي الذي تظاهر في تلك السنة للمرة الثانية احتجاجا على نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر}. وبفضل الله تعالى أثمرت هجومات 20 أوت 1955م في الشمال القسنطيني.
1 ـ أثبتت ورسَّمت بنسبة كبيرة أن الثورة ثورة كل الشعب الجزائري، وذلك ما استوعبه الرأي العام، ومنه الإعلام العالمي.
2 ـ تخفيف الضغط على منطقة الأوراس التي شدد الحصار عليها من طرف الجيش الفرنسي.
3 ـ اكتساب بعض العتاد العسكري، والأسلحة.
4 ـ تدويل القضية الجزائرية، وفعلا ولأول مرة سجلت قضية الجزائر في جدول أعمال الأمم المتحدة، الدورة العاشرة سنة: 1955م.
والهدف من قراءة التاريخ، ومراجعة الذكريات، ودراسة الأحداث، هو إيقاظ الضمائر، ودراسة العبر التي إن فقهها السياسيون والمفكرون ووظفوها في الميدان، لكان يحق لهم أن يقولوا: {نبني كما كانت أوائلنا تبني … ونحفظ ثم نعلي فوق ما فعلوا} كل تاريخ الثورة الجزائرية، من أحمد باي، والأمير عبد القادر، إلى بن بولعيد، وزيغود يوسف، وكل المجاهدين، من رجال المقاومة والثورة والجهاد. كل ذلك التاريخ أثمر لهذا الجيل أغلى العبر التاريخية السياسية والاجتماعية والأخلاقية. ومن الأسباب التي اتبعها جيش التحرير الجزائري متوكلا على الله عز وجل: أن روح الثورة كان هو الإسلام، وما نصر الله سبحانه الشعب الجزائري، على الاحتلال الفرنسي إلا بالإسلام، والاتحاد والأخوة والتضحية في سبيل الله. والعبرة التاريخية هنا: أنه على القادة، والحكام، في السياسة والدفاع، أن يعتصموا بالإسلام، وأن يفقهوا قول الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(سورة النور:55).
العبرة الثانية: فقد كان النصر والتمكين توفيقا من الله عز وجل، فالثوار كان جهادهم بالقرآن والسنة، بالصلاة والزكاة، والأخوة، والتعاون، لذلك نصرهم الله ومكنهم في الأرض. فكان ينبغي أنه عندما استقل الشعب، وانتصر على جيش الاحتلال، 1962م. كان يجب أن يظل الجيش والشعب وقيادته على التدين، والثبات على مقاصد الجهاد، ويظل حريصا على الصلاة، والزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال الله تعالى:
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (سورة الحج:41) قال الدكتور يحي بوعزيز في بحث له تحت عنوان: {لماذا لا يستفيد العرب من تجارب تاريخهم} حيث قال: (يتصف تاريخ العرب المسلمين بمواقف وأحداث حاسمة عبر مسيرتهم الطويلة، فلقد بنوا وشيدوا دولة كبرى، وأشادوا حضارة زاهرة مثمرة، فاقت حضارات العالم القديم والوسيط، وعاشوا أسيادا في عز من أمرهم وقوة من سلطانهم عدة قرون.. وعندما ركنوا إلى الدَّعة ومالوا إلى حياة اللهو، والعبث والمجون، تمزقت دولتهم، وتشتت وحدتهم، وضعفت قوتهم، فبدل الله عزهم بذلهم، وسلطانهم بمهانتهم…)(عن مجلة نوفمبر الجزائرية. العدد 1976).
العبرة الثالثة: أنه من بين أسباب نجاح الثورة الجزائرية بفضل الله تعالى، اتحاد المواطنين، وانضمامهم تحت قيادة واحدة، والقيادة أعلنت، بأنها قيادة جزائرية، إسلامية جهادية توحدها كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسَمَّت جريدتها المجاهد، وسمت مقاومتها الجهاد، وسمت جنودها جيش التحرير. والفائدة من هذه العبرة أن يظل الشعب الجزائري متحدا، معتصما بالقرآن، ملتزما بأخلاق الجهاد، في أخوة إيمانية، وتكافل اجتماعي، وولاء ديني شامل لكل الشعب الجزائري، مع كل الشعوب الإسلامية.
العبرة الرابعة: أن من أسباب انتصار الثورة لم يكن الانتماء للثورة عن طريق الأحزاب والطوائف والجهات، والجهويات، فكان الشعب الجزائري حزبا واحدا هو الشعب،ـ وقيادته جبهة التحريري التاريخية، جبهة الثورة الجهادية، وجبهة التحرير لكل الشعب، وليس جبهة حزب!!. والاعتبار بهذه العبرة كان الأصل أنه بعد الاستقلال أن يظل الشعب جزبا واحدا ومذهبا واحدا وإماما سياسيا واحدا، ولكن مخالفة العبرة كلفت هذه الشعوب الكثير من العثرات، والنكبات، بل والتقاتل والمصائب الكبيرة، بسبب اعتراف هذه الشعوب، بانقسامها، وتفرقها إلى أحزاب، والتحزب من الأمراض السياسية المزمنة في هذا العصر، حيث سجل ويسجل التاريخ أن الأحزاب يختلفون ولا يتفقون أبدا، فشعب يعترف بالحزبية معناه يُشْهِدُ التاريخ على نفسه أنه يريد أن يظل منقسما، يخالف بعضه بعضا، ويعادي بعضه بعضا، نعم هذه هي الحقيقة المرة. قال الله تعالى عن الذين اختلفوا بشأن عيسى عليه السلام: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾(سورة مريم:37) ولا أعني موضوع الاختلاف، ولا نوع المختلفين، وإنما نعني أن الأحزاب لا يتفقون أينما كانوا، في أي زمان وفي أي مكان. وبمناسبة الذكرى الثامنة والستين، ليوم المجاهد، تدعى الشعوب العربية في كل الأمصار والأقطار، من أجل أن تراجع هذه الشعوب نفسها، وتستفيد من تاريخها، وأن تعتبر وتستبصر، وأن تعلم أن العنف والتقاتل بين أبناء الشعوب، أو بين الشعوب، ليس في صالح أحد أبدا ومليون أبدا، فليعتبر إخواننا في كل الشعوب العربية، ومنهم في اليمن، والعراق، والسودان، وكل الشعوب المتنازعة بينها. ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ﴾. قال الله تعالى:﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com