ملف

إفريقيا التوترات المستمرة ودور المشروع الاستعماري الغربي

إفريقيا التوترات المستمرة ودور المشروع الاستعماري الغربي

إعداد: عبد القادر قلاتي/

كانت القارة الإفريقية وستظلّ بؤرة توتر دائم ومستمر؛ مرّده في أغلب الأحيان إلى الأطماع الخارجية التي تشكل العنوان الكبير للمشروع الاستعماري الغربي، الذي ما فتئ يواصل وظيفته التاريخية كلّما دعت الضّرورة السياسيّة أو الاقتصاديّة إلى ذلك، وبعيداً عن سياساته القديمة ها هو اليوم يلعب الدور ذاته، وإن اختلفت الأدوات وتعدّدت الطرق، ولن يترك المشروع الاستعماري الغربي بقعة من جغرافيا القارة الكبيرة إلاّ ورسم وخطط ونفذ سياسة الاستحواذ والسيطرة، والسرقة للثروات أيضا، مع العمل الدائم لإبقائها -القارة الإفريقية – بؤرة توتر دائم، تنخرها الخلافات البينية التي تدار من طرف أنظمة فاقدة للشرعية السياسية وأهلية الحكم، أغلبها تستلذ الخيانة والتبعية على حساب أبناء القارة الذين يعانون مرارة الفقر والذّل. في هذا الملف الذي أعددناه حول جملة التوترات الحاصلة في القارة السمراء، وملامسة أهم التحولات في السياسة والاقتصاد والأمن، وقضايا أخرى شاركنا فيها بعض الأساتذة والكتاب ممن لهم اهتمام بالشأن الإفريقي.

 

تحولات السياسة والاقتصاد في إفريقيا
ما زلت القارة الإفريقية تواجه أزمات وتحديات كبرى يشكل بعضها تحديات مستمرة كما هو الشأن في العام الحالي والذي قبله (2022/ 2023) وحتى ما تعلق منها ببعض الصراعات المسلحة، وقد تكون أكثر الأزمات حدّة هي المتعلقة بتراجع مؤشرات الأمن الغذائي؛ كنتيجة رئيسة لظواهر تغير المناخ واستمرار بعض النزاعات المسلحة، وكذلك تصاعد ظاهرة الإرهاب. وقد يشكل ارتفاع مؤشر الديون في الدول الإفريقية جنوب الصحراء مؤشراً رئيساً آخر إلى تنامي حدّة ظاهرتي الفقر والفقر المدقع، وربما يكون تحدي الفقر وتراجع قدرات دول جنوب القارة الإفريقية من بين دوافع الاستراتيجية الأمريكية المعلنة في الشهر الماضي في شأن دول جنوب القارة الإفريقية، ولا يمكن «التنبأ بنجاح ونجاعة مثل هذه الاستراتيجيات في التخفيف من حدّة المشكلات الإفريقية، خصوصاً أنّ الحرب الروسية- الأوكرانية ما زالت مستمرة والتوقعات في شأن انتهائها تبدو ضئيلة بعدما اتضح أنّها حال من حالات استمرار للصراع الغربي الشرقي المحتدم منذ ما يزيد على قرن من عمر البشرية».
ومن جملة الأزمات التي عرفتها إفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية؛ انعكاس التغير المناخي، والذي برز في حالات الطقس كالفيضانات والعواصف الاستوائية والجفاف، فالظاهرة الأولى «تسببت في مقتل المئات وتشريد الآلاف في جنوب السودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد، حيث ألحقت مياه الفيضانات أضراراً بأكثر من مليون شخص في هذه المناطق والدول».
وطبقاً لمؤشرات الأمم المتحدة في نهاية أكتوبر الماضي 2022م، فإنّ أكثر من 3.4 مليون شخص نزحوا في غرب إفريقيا ووسطها خلال عام 2022 كنتيجة لأسوأ فيضانات منذ 10 أعوام، إذ إنها شردت 1.3 مليون شخص بنيجيريا وأثرت في أكثر من 2.8 مليون آخرين، بينما أوقعت 300 قتيل في جنوب إفريقيا ودمرت عدداً من الجسور والطرق.
أما الجفاف، فظهرت نتائجه في تلف المحاصيل ونفوق الماشية التي تعد إحدى وسائل حياة ملايين الأفارقة. وطبقاً لتقديرات أطلقها برنامج الغذاء العالمي في ربيع 2022، فقد رصد معاناة حوالى 13 مليون إفريقي من أخطار المجاعة يتركزون في شرق القارة ولكن مع خريف العام نفسه ارتفع العدد ليلامس حاجز 20 مليون نسمة يعانون بالفعل الجوع، بينهم 7 ملايين في الصومال فقط وهو الرقم الذي تضاعف خلال نصف عام، وبطبيعة الحال أسهم الجفاف في نقص حاد في المياه وجفاف المراعي وهلاك الماشية وكلها معطيات كانت فاعلة ومؤثرة في نشوب صراعات قبلية على الكلأ والماء، بحيث سيطرت على بعضها ميليشيات مسلحة مثل «حركة شباب» المتشددة في الصومال، كما تسببت في نزاعات قبلية في كلّ من مالي والنيجر.
ومع بداية عام 2023 واجه 26 مليون شخص في شرق إفريقيا المعاناة الأكبر، خصوصاً في مناطق مثل شرق إثيوبيا وشرق كينيا وجنوب الصومال وجنوب السودان. والأسوأ بالفعل هو ارتفاع معدلات الوفاة لتكون بمعدل أربعة أطفال واثنين بالغين من بين كل 10 آلاف شخص، وذلك مع وجود توقعات بمستويات متصاعدة من سوء التغذية بين الأطفال تحت عمر خمس سنوات.
المشهد الاقتصادي الإجمالي في إفريقيا تقدم بعض مفرداته تقارير البنك الدولي في شأن الحالة الاقتصادية الإفريقية بشكل عام، إذ أن معدل النمو بلغ 3.6 في المائة عام 2022، منخفضاً من معدل سابق عند 4 في المائة بسبب متحورات فيروس كورونا المستمرة وارتفاع معدلات التضخم العالمي وتعطل الإمدادات، خصوصاً الغذائية منها. ومما يفاقم الأوضاع في إفريقيا صعود الأسعار العالمية للسلع الأولية التي تزداد بوتيرة أسرع منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بحيث تأثر 35 بلداً إفريقياً من أصل 55 بسبب الاعتماد على صادرات القمح والحبوب الأخرى وكذلك الزيوت من روسيا وأوكرانيا، كما أن 22 دولة تستورد الأسمدة منهما.
وتأثرت الكثير من البلدان الإفريقية بتراجع الأوضاع المالية العالمية وانخفاض التدفقات المالية الأجنبية بسبب ارتفاع أسعار الوقود والطاقة بشكل عام، كذلك المواد الغذائية، ممّا سيؤدي إلى زيادة معدل التضخم في مختلف البلدان الإفريقية، بما يضر بالمواطنين الفقراء والأكثر احتياجاً، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية.
وفي هذه السنة 2023 تفاقمت أزمة الديون التي تثقل كاهل الأفارقة بالفعل، فكانت مماثلة لتلك الأزمات التي شهدتها كلّ من أمريكا اللاتينية اعتباراً من ثمانينيات القرن الماضي أو الأزمة الآسيوية في تسعينيات القرن ذاته، أو تلك المتعلقة بالأزمات المالية العالمية مثل أزمة 2007 – 2009 أو أزمة كورونا.   
وطبقاً للمؤشرات الاقتصادية فإنّ إجمالي حجم ديون إفريقيا عام 2021 كان تريليون دولار، منها 702.4 مليون دولار لدول جنوب الصحراء التي تضاعفت اعتباراً من عام 2012، إذ أنها كانت لا تزيد على 380 مليون دولار فقط.
لعلّ الأوضاع الإفريقية المتفاقمة تفرض ضرورة النّظر في حزمة من السياسات التي من شأنها أن تقلّل من أخطار عام 2023 على الأفارقة وربما يكون من المطلوب الانتباه إلى هذه السياسات على كل المستويات الدولية والإقليمية والمحلية.
وفي هذا السياق ربما يكون تمويل «صندوق جبر الأضرار» الذي تم إقراره بصعوبة بالغة في مؤتمر المناخ الأخير «كوب 27» الذي عقد في شرم الشيخ بمصر من الأمور التي لا يجب التباطؤ فيها، إذ أن تعطل هذا التمويل يعني الاستمرار في تفاقم تداعيات تغير المناخ وفي تصاعد التوجه نحو الاقتراض، مما يعزز المعطيات الداعمة لاتجاه بعض الدول الإفريقية نحو التوقف عن سداد ديونها أو إعلان إفلاسها، وذلك في ضوء مؤشرات الركود العالمي وتباطؤ النمو على الصعيد الدولي، إضافة إلى تعقيد شروط الاقتراض بالنسبة إلى الاقتصادات الفقيرة والناشئة، وذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وضغوط البنوك المركزية المحلية. وطبقاً للسالف ذكره سيؤدي ذلك إلى مزيد من الضغوط على وضع الاقتصاد الدولي.
على صعيد موازٍ، فإن إعادة النظر في سياسات وكالات التنمية الغربية التي تتجه غالباً في هندسة المساعدات نحو إفادة اقتصادات الدول المانحة أكثر مما تفيد اقتصادات الدول الفقيرة، تفاقم المشكلات ولا تحلها وتجعل الدول المتلقية للمساعدات تعيد النظر ربما في جدوى هذه المساعدات بما ينعكس سلباً على العلاقات مع الدول الإفريقية.


أما على الصعيد الإقليمي الإفريقي، فهناك مجالان من المطلوب التركيز عليهما خلال العام المقبل للحد من تفاقم الأوضاع الإفريقية السلبية وهما، أولاً التوجه نحو تنشيط التجارة البينية الإفريقية بالوسائل كافة والتساهل في مسائل التعريفة الجمركية بين دول القارة وتنشيط الجهود، خصوصاً من جانب الاتحاد الإفريقي نحو تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية، وهذه كلها أمور من شأنها أن تعزز الموازنات العامة الإفريقية وتجعلها قادرة على مواجهة التحديات المتوقعة خلال عام 2023.
وأما في الزراعة، فيجب الانتباه إلى ضرورة أن يكون الاستثمار المحلي شريكاً في هذا التوجه طبقاً لقدرات كلّ دولة، مع التنبه أيضاً إلى أطماع الشركات متعدّدة الجنسيات التي غالباً ما تجعل عوائد استثمارها أعلى بكثير من فوائد أصحاب المورد الأساسي وهو الأرض. من هنا فإن بلورة أجندة إفريقية مشتركة في القطاع الزراعي الإفريقي تبرز من بين الأمور التي يجب الانتباه إليها في هذه المرحلة، ولابد من أن تكون على مائدة اهتمامات مراكز البحث والفكر في إفريقيا.
وفي ظلّ محدودية الحيز المتاح في المالية العامة لغالبية الدول الإفريقية، فإنه يتعين على دوائر صناعة القرار في القارة السمراء أن ينظروا إلى ضرورة الاتجاه نحو تبني حلول وسياسات مبتكرة مثل تخفيض رسوم الاستيراد على الأغذية الأساسية بصورة موقتة أو التنازل عنها لينعكس ذلك على مستوى الأسعار التضخمية وكذلك التوسع في سياسات دعم الفئات الأكثر فقراً بهدف مساعدة مواطنيهم وأيضاً الإسهام في دعم حال الاستقرار السياسي.
إجمالاً ربما يكون عام 2023 من الأعوام المأزومة على الصعيد الإفريقي ومطلوب مواجهة التحديات فيه، إذ أن العبء الأكبر يقع على الأفارقة أنفسهم في إدارة هذه الأزمة بإرادة مستقلة عن حال تبعية تاريخية تقع في براثنها النخب، ومع الأسف أن من يدفع ثمنها هي الشعوب، خصوصاً الأجيال الشابة من الأفارقة.

الأوضاع الاقتصادية في القارة الغنية وأفق التحولات الحقيقة
تُعد إفريقيا منطقة متنوعة توفر موارد بشرية وطبيعية لديها القدرة على تحقيق النمو الشامل للجميع والقضاء على الفقر في المنطقة، وتمتلك القارة الإفريقية أكبر منطقة تجارة حرة في العالم وسوقاً تضم 1.2 مليار شخص، وهي بذلك توجِد مساراً جديداً تماماً للتنمية، وتسخر إمكانيات مواردها وشعوبها.
تتألف المنطقة من مجموعة من البلدان منخفضة ومرتفعة الدخل وبلدان في الشريحتين العليا والدنيا من البلدان متوسطة الدخل، ويعاني 22 منها من أوضاع الهشاشة أو الصراع، وتضم إفريقيا أيضا 13 دولة صغيرة تتسم بقلة عدد السكان ومحدودية رأس المال البشري وعدم إطلالتها على بحار.
لقد تباطأ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء من 4.1% في عام 2021 إلى 3.6% في عام 2022، ومن المتوقع أن يسجل النشاط الاقتصادي في المنطقة مزيداً من الانخفاض إلى 3.1% في عام 2023. ويرجع السبب في هذا الانخفاض إلى استمرار حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد العالمي،….وتراجع معدلات التضخم وإن كانت لا تزال مرتفعة، وصعوبة الأوضاع المالية العالمية والمحلية وسط ارتفاع مستويات الديون، وتشير التقديرات إلى أن النمو سيرتفع إلى 3.7% في عام 2024 و 3.9% في عام 2025 – وهو ما يوضح أن التباطؤ في النمو ينبغي أن يصل إلى أدنى مستوياته في هذا العام. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال أوضاع النمو غير كافية للحد من الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك على المدى المتوسط إلى الطويل، لا يزال التعافي البطيء لنمو نصيب الفرد من الدخل، عند 1.2% في العام المقبل و 1.4% في عام 2025، أقل من المستوى المطلوب لتسريع الحد من الفقر في المنطقة إلى مسار ما قبل جائحة كورونا.
ويتباين النمو الاقتصادي في إفريقيا فيما بين المناطق الفرعية والبلدان، فمن المتوقع أن ينخفض نمو إجمالي الناتج المحلي في غرب ووسط إفريقيا من 3.7% في عام 2022 إلى 3.4% في عام 2023، في حين ينخفض في شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي من 3.5% في عام 2022 إلى 3% في عام 2023. ولا يزال أداء المنطقة يتراجع بسبب انخفاض النمو على المدى الطويل في أكبر بلدان القارة، فمن المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادي في جنوب إفريقيا مزيداً من التراجع في عام 2023 (0.5%) في ظل تفاقم أزمة الطاقة، في حين لا يزال تعافي النمو في نيجيريا في عام 2023 (2.8%) هشاً بسبب استمرار ضعف إنتاج النفط، ومن بين أكبر عشرة اقتصادات في إفريقيا جنوب الصحراء – التي تمثل أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الناتج المحلي للمنطقة – تنمو ثمانية اقتصادات، منها السودان ونيجيريا وأنغولا وإثيوبيا، بمعدلات أقل من متوسط نموها على المدى الطويل.
وقد زاد الدين العام في المنطقة بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2010، إذ أدت الحرب في أوكرانيا إلى توقف عمليات ضبط الأوضاع المالية العامة في الكثير من بلدان المنطقة التي بدأت في أعقاب جائحة كورونا، ومع تزايد لجوء بلدان المنطقة إلى اتخاذ تدابير مثل الدعم، والإعفاءات المؤقتة من التعريفات والرسوم، ودعم الدخل للفئات الأكثر احتياجاً – في محاولة منها للحد من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، اتسع العجز المالي في المنطقة إلى 5.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022، ارتفاعاً من نحو 4.8% وفق تقديرات عام 2021. ودفع ضعف النمو الذي اقترن بتراكم سريع للدين العام وسيط نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي من 32% في عام 2010 إلى 57%
في عام 2022 (56% في غرب ووسط إفريقيا، و 64% في شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي). ويوجد حالياً 20 بلداً في المنطقة تعاني من حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضة لمخاطر عالية تهدد ببلوغها (ارتفاعاً من 20 بلداً في عام 2020).
لا يزال الارتفاع الشديد في معدل التضخم، الذي يؤججه ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وأيضاً ضعف قيمة العملات وتراجع نمو الاستثمار يقيدان الاقتصادات الإفريقية، ويحدثان حالة من عدم اليقين للمستهلكين والمستثمرين على حد سواء، وزاد عدد البلدان التي سجلت متوسط معدلات تضخم سنوية من رقمين من 9 بلدان في عام 2021 إلى 21 بلداً في عام 2022. وعلى الرغم من أنه يبدو أن التضخم العام قد بلغ ذروته في العام الماضي وأنه من المتوقع أن ينخفض عدد البلدان التي سجلت معدلات تضخم من رقمين إلى 12 بلداً في عام 2023، سيظل التضخم في المنطقة مرتفعاً عند 7.5% على مدار عام 2023، وفوق النطاقات التي تستهدفها البنوك المركزية في معظم البلدان، وقد انخفض نمو الاستثمار في المنطقة من 6.8% في الفترة 2010-2013 إلى 1.6% في عام 2021، مع تباطؤ أكثر حدة في شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي مقارنة بغرب ووسط إفريقيا.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يظهر عدد من بلدان المنطقة قدرة على الصمود في خضم أزمات متعددة، ومن بين هذه البلدان كينيا التي حققت نمواً بنسبة 5.2%، وكوت ديفوار بنسبة 6.7%، وجمهورية الكونغو الديمقراطية بنسبة 8.6% في عام 2022. وتذهب التقديرات إلى أن معدل النمو الاقتصادي في المنطقة باستثناء البلدان الكبيرة، مثل أنغولا (النمو المتوقع: 2.6% في عام 2023)، ونيجيريا (النمو المتوقع: 2.8% في عام 2023)، وجنوب إفريقيا (النمو المتوقع: 0.5% في 2023)، سيبلغ نحو 4.3% في عام 2023، ومن المتوقع أن يزيد إلى 5.1% في عام 2024 و 5.2% في عام 2025. ومن المتوقع أن تحقق البلدان غير الغنية بالموارد الطبيعية نمواً بنسبة 4.2% في عام 2023، وأن تصل إلى 5.1% في عام 2024 و 5.3% في عام 2025. ويمكن أن يُعزى الأداء الأقوى لهذه البلدان إلى التحسّن الذي حققته بسبب انخفاض فواتير الواردات والتوسع في الخدمات، وسيظل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية منخفضاً، عند 2.4% في عام 2023، لكنه سينتعش قليلاً إلى 2.9% في عام 2024 و 3% في عام 2025 – وإن ظل أقل من معدل النمو الذي بلغ 3.7% في عام 2021. ويتراجع النمو في هذه المجموعة من البلدان بسبب انخفاض أسعار السلع الأولية، وهو ما يشير إلى الاعتماد القوي على قطاع الصناعات الاستخراجية. ومن المتوقع حدوث ضعف في الأداء الاقتصادي بين بلدان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا في عام 2023 (2.7%)، في حين يُتوقع أن يبلغ النمو في بلدان الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا 5.5% في عام 2023، وستحقق هذه البلدان نمواً بوتيرة أسرع في عام 2024 (7.0%).
إن تسخير إمكانيات الموارد الطبيعية يتيح للبلدان الإفريقية فرصة لتحسين استدامة المالية العامة وإبقاء الدين في حدود يمكن الاستمرار في تحملها. وتتيح الموارد الطبيعية (النفط والغاز والمعادن) فرصة اقتصادية هائلة لاقتصادات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في أثناء عملية التحوّل إلى اقتصاد منخفض الكربون، ويمكن أن تؤدي الاستفادة من موارد الطاقة إلى تحسين سبل الحصول على الطاقة، وتواجه إفريقيا تحدياً كبيراً في تحقيق أهدافها بتعميم سبل الحصول على إمدادات الطاقة بجودة عالية، ففي عام 2022، كان 600 مليون شخص في إفريقيا، أو 43% من سكان القارة، لا يحصلون على الكهرباء. وعلى الرغم من ذلك، فإن قاعدة موارد إفريقيا الطبيعية والاستثمارات المرتبطة بها يمكن أن تساعد في زيادة وتيرة التقدم عن طريق تطوير مصادر طاقة متنوعة، ولأن الكثير من مشروعات الموارد الطبيعية تقع في مجتمعات محلية نائية وريفية، فإنه يمكن الاستفادة من توسيع نطاق الاستثمارات في الطاقة الخضراء، والبنية التحتية الإقليمية للتخفيف من حدة الفقر في المناطق الريفية وازدياد معدلات الإنتاجية.
ويمكن للبلدان الإفريقية الاستفادة من مواردها الطبيعية للجمع بين الغاز والطاقة المتجددة لتلبية الاحتياجات المحلية، ويمكن أن يؤدي إعطاء الأولوية للاستثمارات الوافدة في احتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثاً وغير المطورة على نحو كافٍ إلى زيادة عائدات التصدير وحفز إنتاج الطاقة المحلية وتعزيز فرص الحصول عليها، بالإضافة إلى ذلك، ينطوي التكامل الإقليمي وتنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية على إمكانيات هائلة لحفز التحوّل الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة، وسيتوقف أي تحوّل عادل في إفريقيا على النجاح في تسخير الفوائد الاقتصادية التي تتحقق من النفط والغاز والموارد المعدنية، بما في ذلك الحوكمة الرشيدة وإدارة المالية العامة الكلية لإيرادات الموارد بطريقة سليمة، مع الاستعداد أيضاً لبناء مستقبل منخفض الكربون. ويمكن لإدارة ثروة الموارد الطبيعية بفعالية أن تطلق العنان لفرص كبيرة لتوفير وظائف وإضافة القيمة والاستثمار في التنمية البشرية، وبالنظر إلى مدى وفرة الموارد الطبيعية، يمكن لهذه الثروة أن تلعب دوراً رئيسياً في عملية التحوّل من أجل مستقبل إفريقيا الاقتصادي.

 

انقلابات متكررة وتداعيات إنسانية مدمرة في منطقة الساحل بإفريقيا

ياسين مبروكي

تشهد منطقة غرب إفريقيا «النيجر ومالي وبوركينافاسو» تحديات خطيرة تؤثر بشكل كبير على حياة السكان ومستقبل المنطقة بأكملها، فقد تصاعدت حدة الأزمات السياسية والأمنية في تلك الدول، مما أثر على الأمور الاقتصادية والاجتماعية، وزاد من تفاقم المشكلات الإنسانية، بما في ذلك انتشار الأمراض والأوبئة، والفقر والجوع، والتداعيات السلبية على قطاع التعليم والبنية التحتية. في هذا المقال، سنتناول تلك القضايا بعمق ونحاول فهم التحديات والتداعيات التي تواجهها تلك الدول، وكذلك الأطماع الأوروبية والغربية فيما يخص ثروات المنطقة.
تفشي الأمراض والأوبئة
انعكست الأزمات السياسية والأمنية في هذه المنطقة على الوضع الصحي، حيث تزايد تفشي الأمراض والأوبئة بشكل مقلق. تجاوزت جائحة مثل وباء إيبولا ومرض كوفيد-19 حدودها، مما أدى إلى زيادة الضغوط على النظام الصحي الهش ونقص الموارد الطبية.
تعقيدات الوضع الأمني أثّرت على جاهزية السلطات الصحية للتصدي لهذه الأمراض، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الصحية وتزايد عدد الوفيات.
الفقر والجوع
تزامن اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية مع تفاقم مشكلة الفقر والجوع في تلك الدول، فقد أدى توقف الأنشطة الاقتصادية وتهديدات الأمن إلى تدهور الوضع المعيشي للسكان، وعجز العديد منهم عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، وتعتمد هذه المناطق بشكل كبير على الزراعة والتجارة، وبالتالي فإن انعدام الاستقرار يؤثر سلبًا على الإنتاج والتوزيع الغذائي، مما يزيد من معدلات الجوع وسوء التغذية.
تأثير الأزمات على التعليم والبنية التحتية
تزامن الأوضاع الصعبة مع استمرار تراجع قطاع التعليم والبنية التحتية، حيث تعرضت المدارس والمؤسسات التعليمية للإغلاق المتكرر، مما أثر على فرص التعليم للأطفال والشباب، علاوة على ذلك فإن البنية التحتية الهشة تصعب من جهود التنمية والنمو الاقتصادي في تلك الدول.
الأطماع الأوروبية والغربية وتأثيرها
تشهد المنطقة تدخلًا متزايدًا من القوى الأجنبية والأطماع الأوروبية والغربية في ثرواتها الطبيعية، مما يزيد من تعقيد الوضع، ويتم التنافس على استغلال الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن، مما يعرض المنطقة لخطر تفاقم النزاعات واستغلال الموارد بطرق غير مستدامة وغير عادلة.
وفي الأخير يمكن القول بأن هذه المنطقة تعيش تحديات جسيمة تتطلب جهودًا دولية مشتركة للتعامل معها، ومن المهم أن تتخذ الحكومات المحلية والمجتمع الدولي إجراءات فعالة للتغلب على الأزمات السياسية والأمنية، وتعزيز التنمية المستدامة وتحسين البنية التحتية والقطاع الصحي والتعليمي، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتوقف الأطماع الأوروبية والغربية عن استغلال الموارد الطبيعية لصالحها على حساب مستقبل تلك الدول وشعوبها.

هل إفريقيا
في طريق التحرر؟

عبد العزيز كحيل
أستاذ جامعي

آن الأوان لأن تتحرر القارة السمراء من التبعية الذليلة لأوروبا – وخاصة فرنسا – وتستقل أوطانها حقا وتنعم شعوبها بخيراتها الكثيرة، لكننا أمام سؤالين جوهريين: هل الانقلابات العسكرية ستحقق التحرر؟ أو ليس طرد الفرنسيين وتعويضهم بالروس مجرد انتقال العبودية من سيد إلى آخر؟ أما أنه قد حان الوقت لتنتفض الدول الإفريقية ضد استرقاقها ولاسترجاع سيادتها والتصرف في مواردها فهذا ما لا يطرح إشكالا بل هو واجب الوقت، لكن هل الانقلاب العسكري هو الوسيلة المناسبة لتغيير الأوضاع؟ ألم تعش القارة كلها تقريبا على وقع الانقلابات منذ استقلالها ولم يتغير شيء من أحوالها رغم وجود الانقلابيين كل مرة؟ سمعنا وعود الانعتاق من فرنسا في مالي وبوركينا فاصو وغينيا، وهو ما تعد به الطغمة العسكرية الحاكمة في النيجر، ويبدو أن الشعوب في غرب إفريقيا – أكثر من غيرها – تؤيد هذا التحرر وأعربت بألف وسيلة عن رفضها للاستعمار الفرنسي المتستر بالتعاون والذي خرّب اقتصادها وأجج النزاعات بين المكونات الإثنية والقبلية وأيد الأنظمة الاستبدادية منذ عقود، كل هذا في ظل وضع اليد على خيرات هذه البلاد لتبقى القارة غارقة في التخلف، تعاني الفقر المدقع والأمراض المختلفة والأمية، فلا يوجد بها لا منظومة صحية ولا منشآت هيكلية ولا إنجازات اقتصادية متكافئة مع مواردها الضخمة المتنوعة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي بسبب تحكم باريس وعواصم أخرى في مقدرات هذه البلدان وسياسييها وضباطها السامين، هذا ما جعل الشعوب تنتفض ضد الوجود الفرنسي وتؤيد الانقلابات في غرب إفريقيا…لكن هل هو الحل الأمثل؟
بالإضافة إلى التغلغل الصيني الذي يزداد قوة عبر السنين تتحدث الأخبار عن تواجد روسي عسكري آخذ في النمو خاصة عبر مجموعة فاغنر المرتزقة ليحل محل القوات الفرنسية، وهناك من يرحب بهذا التحوّل نكاية في فرنسا، لكن أليس هذا كمن يستجير من الرمضاء بالنار؟ ألن يكون التواجد الروسي استعمارا آخر ينهب الخيرات ويخدم مصالحه على حساب الشعوب المقهورة؟ هل ننسى أن روسيا تستعمر – وبأتم معنى الكلمة – أقاليم إسلامية شاسعة في القوقاز على رأسها الشيشان وداغستان؟ روسيا كغيرها من القوى لا تحب إفريقيا وإنما تريد تحقيق أرباح ومصالح استراتيجية واقتصادية في الساحل الإفريقي والقارة كلها على أنقاض النفوذ الفرنسي المتلاشي…وهل تسكت فرنسا عن هذا ولديها وكلاء وعملاء في هذه الدول تجمعهم بها مناهضة الإسلام وتحقيق المصالح المادية والسلطوية؟ بغض فرنسا شيء لكن الواقع بتعقيداته وحيثياته المتداخلة شيء آخر يدعو إلى التريث ودراسة الوضع بدقة وفتح آفاق لخيارات أخرى تساهم بالفعل في استقلال دول الساحل وغيرها واسترداد سيادتها على الثروات والسياسات الداخلية، وكان يمكن لدولة كالجزائر أن تغتنم الفرصة لتجد موطأ قدم هناك – بفضل رصيد الثقة الذي تتمتع به – تعمل من خلاله على تهدئة الأوضاع واقتراح البدائل والمساهمة في ترقية هذه الدول التي سئمت الهيمنة الفرنسية، سدا لباب حدوث هيمنة على أنقاض أخرى.
هذا وقد لاحظ الناس للمرة الألف نفاق “المجتمع الدولي” الذي ندد بانقلاب النيجر – وقبله مالي وبوركينافاسو وغينيا- لكنه سكت عن انقلاب مصر الدموي بل مد جسور المودة مع النظام الانقلابي هناك، بل من المضحكات المبكيات أن هذا النظام الانقلابي في القاهرة ندد بانقلاب النيجر ودعا إلى “استعادة السلطة الدستورية” !!!
تحرر إفريقيا موضوع شائك متعدد الأضلاع لا تحله المقاربات العاطفية ولا الدوغماتية وإنما يحتاج إلى تكتل الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الحقيقية برصيدها الشعبي غير المزوّر لتكون نموذجا حيا لخدمة القضايا الوطنية والإقليمية ورفض الوصاية الفرنسية وغيرها.

 

التربية والثقافة رهان المشاريع الاجتماعية الواعدة في إفريقيا ودول الساحل

د.خالد شنون
أستاذ بجامعة الجزائر 2

يذكر أن الزمن والعد كوحدات قياس هي ثابتة ولا تختلف من جيل إلى جيل، إلا أن استعمال الزمن يتغير من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر، بل ومن مؤسسة لأخرى يختلف خاصة إذا ما تكلمنا على الدول الإفريقية وتحدياتها في مواجهة مخاطر المرحلة من هجرة وتمدن ونمو، حتى إن الزمن وصف بأنه المكان ووصف بأنه الانتقال وبأنه التغير والتطور والتصحيح والتصويب..تصويب يراهن على أهداف تحققت وأخرى لم تتحقق ..
والمتتبع لواقع الحياة في دول الساحل الإفريقي يجد أن مجتمعات هذه الدول لا تزال تصارع وتجابه لتلحق بالركب الحضاري العالمي المعاصر. ركب يعنى بالتربية والتعليم والثقافة والتثاقف الاجتماعي، تثاقف يقف على سند لمشروع اجتماعي منظم يتجاوز الأنانية لدى فئات المجتمع وأفراده ويجعل من مصلحة البنية الثقافية والتطورية للمجتمع هدفا له.
وفي ظل العولمة والعولمة الثقافية يذكر أن المعرفة وموارد المعرفة المتاحة للأفراد لم تعد مشكلا بل توظيفها وجعلها في خدمة المشروع الاجتماعي هو التحدي المعاصر .
طرح البديل الذي يبنى على أساس منهجي ويعنى بالنخلة والثقافة الأصيلة في المجتمع. بديل يكبر فيه حب الانتماء ويحتوي كل أفراد المجتمع على اختلاف الأطياف. بديل يعنى بالوقوف ضد التهديدات التي أرقت المجتمع ودول الساحل في هذا العصر. فعلا زمن فيه تحديات كبيرة، تبدأ من سؤال الوجود وثقافة التعايش والوجود الفعال وتنتهي بمشروع الوجود على مستوى الفرد والمجتمع على حد سواء..
وهنا يذكر أن الزمن فعلا هو زمن التحديات وتسارع الأحداث على المجتمع الدولي ودول الساحل، بل وزمن أضحى بحاجة إلى تقنين مشروع اجتماعي قوامه هي التربية على سؤال تعلم لتكون..والثقافة حيث القيم والمبادىء التي تقوي التفاعل بين أفراد المجتمع.
ويذكر أن التربية مجال كبير لتحقيق نهضة اجتماعية واعدة فمنذ القدم راهنت المجتمعات الأولى على المدرسة والتعليم لتبليغ الأفكار والرؤى المتوافق عليها في مشروع المجتمع، فالتربية من تبليغ الشيء إلى كماله وفي الإنسان تستهدف المنظومات التربية تطوير قدرات الفرد وصقل ملكاته وكفاءاته بما يسمح له بتحقيق وفرض ذاته في عصره، فالتربية ليست تحضير الفرد للحاضر فقط بل لمواجهة تحديات المستقبل في ظل ما يواجه دول الساحل من تحديات ورهانات. والمثال على ذلك ما تعيشه دول الساحل من مشكلات اجتماعية وأمنية وما ينتظرها من تحديات تتعلق بضرورة الطور في التكنلوجيا والرقمنة ومحاكات الذكاء الاصطناعي حيث من المرتقب أن يكبر استعمال هذا الأخير في حياة المجتمعات في العالم كله، وما علينا إلا أن نتجاوب وفق منظوماتنا التربوية مع هذا التحدي في الحاضر والمستقبل، وإذا كانت التربية فنا وعلما في كل مجتمع فهي تقوم على التنبؤ ومجابهة تحديات المستقبل بما يمتلكه الفرد ومؤسسات المجتمع من كفاءات وسياقات استعمال للمعرفة ومختلف المهارات المبنية في المدرسة ومؤسسات التربية والتعليم، كل ذلك بغية تحقيق المشروع الاجتماعي الواعد.. مشروع مبني على خطى منهجية وتصميم ينطلق من احتياجات اجتماعية وهندسة لمدخلات السلوك على مستوى الفرد والمجتمع والثقافة. مشروع اجتماعي يوصف بمعادلات قابلة للتحقق، معادلات وخوارزميات اجتماعية وثقافية لا تقبل التناقض وتضاهي ظاهرة فيزيائية في تفسير السلوك الاجتماعي. كل هذا يتأتى بالمعطى التربوي المؤسس على مخرجات البحث العلمي الجاد؛ ومشاركة المربين والمثقفين الواعين بدور المدرسة في التطبيع الاجتماعي، حيث يذكر أن التربية والتعليم عصب التصحيح وتحقيق أهداف أي مشروع اجتماعي؛ فهي السبيل للتفاهم والتصالح حول هندسة المجتمع ومؤسساته وتحدياته التي يعيشها ..
ويذكر أنه جلي الوقوف كذلك على معنى الثقافة كحركة وتفاعل لا سكون في ذات الفرد، كما أضحى جليا بنا أن نقف على التغير الثقافي وتحديات الثقافة ولماذا نتغير ثقافيا، وهل المجتمع والمجتمع في دول الساحل محصن في بنيته الثقافية حيث يذكر أن هذه الأخيرة مكسب في المجتمع؛ بنية ثقافية وجب التحصن بها نظرا للتاريخ العريق الذي مر به أي مجتمع، حتى يذكر أن البنية الثقافية لا تتغير وما يتغير هو المعايير التي تعبر عن نتاج عوامل ودوافع بعيدة عن البنية الثقافية لأن هذه الأخيرة هي الأساس في ذات الفرد وليس الاستثناء…
كل هذا يعني أن الثقافة والتثاقف يؤسس على عوامل انثروبولوجية وقيمية لابد أن تتكامل في المجتمع ومجتمعات دول الساحل لتضفي على المجتمع والتربية جانبا من الاحتواء المحبب في تحقيق الاستقرار…ولنا أن نتصور لو يتشارك الباحث في التربية والانتروبولوجي والباحث في علم الاجتماع لتحديد احتياجات المشروع الاجتماعي في دول الساحل في ظل التحديات المعاصرة؛ وما يمكن أن يلج من مخرجات تعزز ذاتية الفرد في إطار مشروع اجتماعي محبب ومقنع، كل ذلك يعد حصنا فعليا لما يعيشه ويتعايش به المجتمع إقليميا ودوليا في العصر الحديث…
وعليه فالتحليل الاجتماعي والفكري لما نعيشه في دول الساحل من شأنه أن يقدم فهما ووصفا لمؤسسات المجتمع وثقافة التعايش فيه كما يسهم في تخطيط وهندسة مشروع يعنى بتاريخ المجتمع الثقافي والحضاري ويحتوي تحديات العصر ويقنن مبادىء لمواجهة التحديات بخطى سلمية واعية تتجاوز اللاتفاهم تلي أساليب التحاور والتفاهم المحبب..
التحليل الاجتماعي يؤمن بأن أصل الحياة أفكار ويوفر النظرة النسقية التشاركية بين مجالات العلوم المختلفة وهي دعوة للتحاور العلمي الميسر لوضع التحديات الاجتماعية أمام الخبراء والباحثين لضبط المشروع الثقافي والحضاري في إفريقيا ..

 

إفريقيا أو بؤرة التنافس الدولي؟!

د.وليد بوعديلة
أستاذ جامعي

لا يمكن أن نحلل ونبحث في الشأن الإفريقي الداخلي، دون النظر في طبيعة التنافس الدولي بين القوى الكبرى في العالم، وربما يحتاج الباحث إلى العودة إلى كتب التاريخ السياسي وما فيها من تأملات وقراءات في الحروب والصراعات التي وقعت أزمنة في عالم ما بعد 1900. حتى لا نقول إلى أزمنة قديمة بعيدة في أوراق الاقتصاد والاجتماع والدين وصراعات الجغرافية وثروات الأرض.
وهنا نشير إلى أن اليد الصهيونية وأذنابها لا تغيب في التحليل والدراسة لأمور إفريقيا والانقلابات والحروب الأهلية والعرقية فيها، وكذلك ملف انتشار الحركات الإرهابية التي تستعمل الخطاب الديني (السينغال، نيجريا،…).
وإني افتح دروب القلق والشك والخوف عندما اقرأ عن دعم عسكري كبير من الإمارات لدولة التشاد، انسجاما مع قلقي من التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني..، ولا يمتد الخوف إلى التهديد العسكري فحسب، بل ربما كان تهديد الأمن المائي والغذائي والصحي هو الأكثر ترددا في فكري، دون نسيان الأمن التربوي والاجتماعي وتحولات علاقة التكنولوجيا بالمجتمع (الطفولة، الشباب، المرأة، الأسرة…).
فالمنطقة الإفريقية معروفة بثرواتها، وتنشط فيها الكثير من الشركات الأوربية والعالمية، وهي شركات تحقق نوعا من الرفاه لدولها عبر الاستثمارات والعملة الصعبة وتوظيف الخبرات التكنولوجية، وتشجيع القوة التجارية والاقتصادية في الدول الكبرى، في مقابل استمرار النزاع السياسي والديني والعرقي، وانتشار الفقر والمجاعة وأزمات نقص التغذية والماء والكوارث الطبيعية في الدول الإفريقية.
ويعجز العقل عن استيعاب تلك المعادلة، بين شعوب فقيرة وأراض خصبة في باطنها الثروات العديدة، وهي ثروات تحرك الآلة الاقتصادية الغربية؟!..
ولذلك نجد الدبلوماسية الفرنسية والأمريكية في تحرك متواصل مع انقلاب العسكر على الرئيس في دولة النيجر، والخوف من حضور اليد الروسية، بعد الانسحاب الفرنسي من دول إفريقية مثل مالي وبوركينافاسو..
أقول باختصار: إن الجزائر مهددة في إقليمها كثيرا، وعلى الدولة والشعب الانتباه ونشر خطاب الاتحاد والوحدة والوطنية، وفتح مجال الحريات وحقوق الإنسان والعدالة ومحاربة الفساد السياسي ونشر قيم الأخلاق السياسية والإعلامية وطنيا ومحليا.
وهو أمر يتعلق بكل الدول الإفريقية، لأن المعادلة تقول بأن حضور المصالحة والحوار والتدافع الفكري السياسي، يشكل لحمة داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية قوية، لمواجهة كل خطر خارجي، في ظل حروب التكنولوجيا والإلكترونية السيبرانية، وأخطار شح الماء وانتشار الاحتباس الحراري والأوبئة والكوارث المختلفة.
أخيرا… على دول إفريقية(ونقصد جزائرنا الغالية تحديدا) أن تفتح نقاشا استراتيجيا عن الأمن الطاقوي،الأمن الديني، الأمن الثقافي، الأمن الصحي، الأمن العسكري، الأمن الغذائي… فهو سبيل البقاء والاستمرارية والقوة.

لماذا أيدت غالبية الشعب الانقلاب العسكري في النيجر؟!

أ. عبد الحميد عبدوس

بعد فشل عملية التدخل العسكري الفرنسي في مالي باعتراف عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي، وبدلا من أن تستخلص فرنسا أسباب الفشل وتقوم بتصحيح أخطائها وسحب قواتها المسلحة وإغلاق قواعدها العسكرية في دول إفريقية، واللجوء إلى سياسة جديدة عادلة مع الدول الإفريقية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، أصرت السلطات الفرنسية على التوغل في المكابرة والخطأ، فنقلت قواتها المطرودة من دولة مالي إلى دولة النيجر لإعادة نشرها هناك، مما أثار نقمة الشعب النيجيري ،وغضب قواته المسلحة التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم الذي اتهمته بأنه مجرد دمية في يد فرنسا تسخره لخدمة مصالحها وخدمة أهدافها الاستعمارية وقوبل تصرف المجلس العسكري النيجيري بتأييد شعبي داخلي لا ريب فيه.
كان موقف فرنسا غريبا ومريبا من الانقلاب الذي وقع في دولة النيجر في 26 جويليه 2023، وأدى إلى الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، واحتجازه مع عائلته من طرف قادة عسكريين أسسوا المجلس العسكري الانتقالي (المجلس الوطني لحماية الوطن) بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني. لقد كانت فرنسا أشد الدول رفضا للانقلاب وأسرعهم دعوة للتدخل في النيجر واستعمال القوة العسكرية لإفشال الانقلاب، رغم أن هذا الانقلاب لم يكن هو الأول في إفريقيا، ولا في النيجر، فقد سبقته 4 انقلابات في النيجر، وحوالي 200 انقلاب أو محاولة انقلاب في 27 دولة إفريقية مختلفة، منذ ستينيات القرن الماضي عندما نالت أغلب دول إفريقيا استقلالها عن القوى الغربية المستعمرة. كانت فرنسا وراء أغلب تلك الانقلابات أو الانقلابات المضادة، تشير الإحصائيات إلى أن نسبة 78% من الانقلابات، التي حصلت في أفريقيا جنوب الصحراء، حصلت في دول فرانكوفونية، فقد تدخلت فرنسا عسكريا في أفريقيا أكثر من 50 مرة منذ 1960 واغتالت أو أطاحت بما يقارب من 22 رئيسا.
في جانفي 1963، قامت المخابرات الفرنسية بتدبير الانقلاب على رئيس توغو، سيلفانوس أولمبيو، لأنه تجرأ على التخلي عن عملة الفرنك الإفريقي، وإصدار عملة توغو الوطنية. وفي دولة الغابون تعرض في سنة 1964 الرئيس ليون أمبا لمحاولة انقلاب من ضباط صغار لأنه كان يعمل لصالح فرنسا وتخلى عن 70 بالمائة من عائدات البترول الغابونية لصالح شركة (ألف أكيتان) الفرنسية التي أصبحت تحمل اسم شركة (توتال)، وبعد يومين فقط من الإطاحة بالرئيس ليون أمبا، قامت القوات الفرنسية بعملية إنزال في عاصمة الغابون، وأعادت عميلها أمبا إلى منصبه. وفي سنة 1966، قادَ جان بيديل بوكاسا، وهو ملازم سابق في الفيلق الفرنسي، انقلابًا ضد الرئيس ديفيد داكو أول رئيس منتخب لجمهورية إفريقيا الوسطى، وكذلك كان الشأن في جمهورية فولتا العليا التي تسمى اليوم بوركينا فاسو، حيث قام في سنة 1966 عبد القادر سنغولى لاميزانا، وهو ملازم سابق في الفيلق الفرنسي، قاتل مع القوات الفرنسية في الجزائر ضد الثوار المطالبين بالاستقلال، بانقلاب ضد الرئيس موريس ياميوغو، أول رئيس منتخب في جمهورية فولتا العليا، وفي عام 1968 دبرت فرنسا انقلابا في مالي ضد الزعيم الإفريقي موديبو كايتا الذي قرر التخلص من عملة الاستعمار الفرنسي (الفرنك الإفريقي). وفي سنة 1987 دبرت فرنسا انقلابا عسكريا انتهى بمقتل الرئيس توماس سانكارا رئيس بوركينا فاسو الذي وضع حدا لامتيازات فرنسا في بلده، ونفذ هذا الانقلاب ضابط مقرب من فرنسا يسمى بليز كامباوري، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في 2014. وفي 2011، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي قادت فرنسا حملة التدخل العسكري في إطار حلف شمال الأطلسي، للإطاحة بالرئيس الليبي العقيد معمر القذافي. وفي السنة نفسها (2011)، لعبت فرنسا دورا حاسما في وصول الرئيس الحالي لدولة كوت ديفوار (ساحل العاج) الحسن واتارا إلى السلطة، بعد تدخل القوات الفرنسية ضد غريمه لوران غباغبو. ولم ينس الحسن واتارا هذا الصنيع لفرنسا، فهو من أشد مؤيديها ومن أكثر رؤساء دول الإيكواس إتباعا لتوجيهاتها باعتماد التدخل العسكري في النيجر كوسيلة مفضلة لحل الأزمة، فقد أعلن الحسن واتارا أنه جهز كتيبة عسكرية تتكون من أكثر من ألف جندي قصد المشاركة في عملية التدخل العسكري في النيجر، وأصبح بذلك يتقدم على رئيس نيجيريا بولا أحمد تينبو (وهو من عرقية اليوروبا من جنوب غرب نيجيريا) الذي سارع إلى التهديد بالتدخل العسكري في النيجر، وأمهل بصفته رئيسا لمجموعة الإيكواس، قادة المجلس العسكري في النيجر أسبوعا واحدا لإعادة الرئيس المطاح به إلى منصبه، ولكن تصويت البرلمان النايجيري على تفضيل الحل الدبلوماسي في النيجر جعله يتحين الفرص للتراجع عن تصريحه السابق. فالمزاج الشعبي في النيجر لا يميل إلى توريط قوات نيجيريا في مقاتلة إخوانهم في النيجر لتحقيق مصالح فرنسية خالصة. وفي فيفري2019 تدخلت فرنسا لمنع انقلاب قوى المعارضة التشادية ضد الرئيس إدريس ديبي، بعد أسبوع من التدخل الفرنسي، قال وزير الخارجية ـ آنذاك ـ جان إيف لودريان: «وجه الرئيس إدريس ديبي إلينا رسالة خطية، طالبا التدخل لوقف الانقلاب الآتي من الجنوب الليبي، ولحماية بلده».. فعلى مدى قرابة ستين سنة ظلت الانقلابات في إفريقيا صناعة فرنسية تمارسها في السر والعلن للحفاظ على نفوذها، وتبعية مستعمراتها السابقة لتوجيهاتها.
فمنذ 1958 تاريخ صعود الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية الخامسة، اعتمدت فرنسا سياسة إدارة إفريقيا من خلال شبكة « Afrique ـFrance» (فرانس ـ أفريك) التي قادها رجل المخابرات الفرنسي جاك فوكار، ووضع الرئيس ديغول تحت تصرفه موارد بشرية ومالية كبيرة، وحدد له مهمة متابعة ومراقبة أنظمة الحكم في دول إفريقيا وتثبيت الحكام أو الإطاحة بهم بما يتلاءم مع مصالح فرنسا.
دام الاستعمار الفرنسي المباشر للنيجر38 سنة (1922ـ1960)، لكن استعمارها غير المباشر استمر لقرابة 63 سنة (1960ـ2023)، وكان استعمارها عسكريا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا، فقد تعمد الفرنسيون منذ بداية استعمارهم للنيجر إلى خلق التوترات العرقية، فقاموا بإبعاد عرقية «الهوسا» الذين يشكلون غالبية سكان النيجر خوفا من أن يتحالفوا مع إخوانهم في نيجيريا لطرد المحتل الفرنسي. و«الهوسا» هم من أكبر قبائل في الكثير من الدول الإفريقية وتنتشر في أوساطهم اللغة العربية والدين الإسلامي إذ ينتمي 98 %منهم إلى الدين الإسلامي، وفي هذا الإطار نقل الفرنسيون في سنة 1926 عاصمة النيجر من زيندر (عاصمة سلطنة دماكرم الإسلامية منذ عام 1736) إلى نيامي موطن قومية «الزرما» التي صعدت إلى السلطة منذ الاستقلال أصبح أفرادها أول القادة السياسيين في النيجر، وقبل ذلك قامت فرنسا الاستعمارية بقتل الآلاف من مدرسي اللغة العربية لتحويل المواد الأولية من النيجر إلى فرنسا وبالتالي السيطرة على التجارة التي كانت اللغة العربية تقوم بدور الوسيط بين الأقطار الإفريقية كما يؤكد ذلك الكاتب والصحفي البلجيكي ميشيل كولون.
بعد خروج الجيش الفرنسي من النيجر سنة 1960 ظلت فرنسا تمارس أبشع أنواع النهب والسيطرة على خيرات الشعب النيجيري، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما قامت وتقوم به شركة أريفا (Areva) الفرنسية التي تأسست سنة 2001 لاستخراج والسيطرة على مادة اليورانيوم في النيجر والتي تحولت في عام 2017 إلى شركة «أورانيو» بعد إعادة هيكلة وإعادة رسملة مجموعة «أريفا» وهي تضمن تزويد المفاعلات النووية الفرنسية التي تضمن إنارة فرنسا. ومع ذلك تبقى النيجر دولة فقيرة حيث أن 90% من سكانها يعيشون بدون كهرباء، وفي السنوات السابقة، لم تتجاوز مساهمة ثروة اليورانيوم في الميزانية الوطنية للنيجر إلا بواحد ونصف بالمائة، وكان الرئيس النيجيري السابق محمدو إيسوفو (وهو موظف سابق في «أريفا») غاضبا لكون عائدات اليورانيوم الذي تعد بلاده رابع أكبر منتج له في العالم، لا تشكل أكثر من خمسة بالمائة من إيرادات الميزانية الوطنية.
في سنة 2017 أكدت الأمم المتحدة وجود 9 دول من منطقة الفرنك الإفريقي من بينهم النيجر ضمن قائمة الدول الأقل نموا في العالم. والفرنك الإفريقي هو بدعة فرنسية يربط الدول الإفريقية بالهيمنة المالية والاقتصادية الفرنسية، لأنه يطبع في البنك المركزي الفرنسي، وكان يرتبط بالفرنك الفرنسي، ويرتبط حاليا بعملة اليورو. لقد اعترف الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بأن «جزءا كبيرا من الأموال الموجودة في خزائن فرنسا تأتي على وجه التحديد من الاستغلال مدة قرون لقارة أفريقيا».
لقد اتخذت السلطات الفرنسية من مبرر محاربة الإرهاب حجة للعودة العسكرية إلى دول الساحل الإفريقي، وإقامة قواعد عسكرية فيها، ولكن منذ تدخلها العسكري في مالي في بداية سنة 2013 فيما عرف بعملية «سرفال»، لم يتم القضاء على الإرهاب، ولم تشهد المنطقة تراجعا في نشاطه وحجم أضراره، مما فتح المجال لطرح أسئلة عن جدوى هذا التدخل، بل إن بعض دول الإفريقية لم تستبعد تورط فرنسا في الإبقاء على ورقة الإرهاب لترهيبها، وتبرير إبقاء قواعدها العسكرية مقامة على الأراضي الإفريقية إلى أمد غير محدد.
بعد أسبوعين من الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، وبعد ثلاثة أيام من إعلان النيجر عن إغلاق مجالها الجوي لمواجهة تهديدات بالتدخل العسكري بعد انتهاء مهلة مجموعة الإيكواس، أعلن يوم الأربعاء 9 أوت الجاري العقيد عبد الرحمن أمادو، الناطق باسم «المجلس العسكري لحماية الوطن»، إن القوات الفرنسية خرقت المجال الجوي للنيجر وأطلقت سراح إرهابيين، ما أسفر عن تعرض مواقع للحرس الوطني النيجيري لهجمات إرهابية. وفي العام الماضي (15 أوت 2022) بعث وزير خارجية جمهورية مالي عبد الله ديوب رسالة إلى مجلس الأمن اتهم فيها فرنسا بالقيام بانتهاكات كثيرة ومتكررة للمجال الجوي المالي من خلال تحليق الطائرات الفرنسية، وأكد أن السلطات المالية لديها: «عدة أدلة على أن هذه الانتهاكات الصارخة للمجال الجوي المالي قد استخدمت من قبل فرنسا لجمع معلومات استخبارية لصالح الجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل وإلقاء الأسلحة والذخيرة إليها». وقبل ذلك كانت القوات الجزائرية قد ألقت القبض في نوفمبر 2020 في مدينة تامنراست على عضو بالجماعات المسلحة كان من بين المستفيدين من الصفقة التي أبرمتها فرنسا مع الجماعات الإرهابية والسلطات المالية لإطلاق سراح أكثر من 200 إرهابي من بينهم سيدة فرنسية في شهر أكتوبر2020، زيادة على دفع فدية مالية معتبرة للجماعات الإرهابية، وفي شهر ديسمبر2020، وبعد عملية تمشيط في مدينة العنصر بولاية جيجل عثرت القوات الجزائرية بمخبأ لمجموعة إرهابية على مبلغ مالي قدر ب 80 ألف يورو كان جزء من الفدية التي قدمتها فرنسا لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي المقدرة ما بين 10 و30 مليون يورو.

 

إفريقيا…البيان الأول!

يكتبه : د. محمــد قماري

إفريقيا…القارة السمراء…أرض الأوبئة المستوطنة، وأحد أضلاع مثلث (المثلث التجاري)، ففي القرن الثامن عشر ازدهر مثلث تجاري وفق (اتفاقية) عاهرة، تقضي بأسر أطفال وشباب من إفريقيا مقابل بعض السلع الأوربية، واعتبارهم عبيد ينقلون إلى أمريكا، ويباعون هنالك على أنهم (عبيد)، مقابل شحنات من (القهوة والسكر) تباع في أوربا.
وجاء في مشهد مؤثر من رواية (الجذور) التي كتبها (أليكس هيلي)، يحكي أحد أبطال الرواية لابنته: «لا تنسي هذا أبدا بنيتي! إن آباء آبائنا كانوا تجارا، ورحالة، وأناس طيبون، ومن سلالة عريقة أقدم من مئة موسم مطر، تمتد جذورها إلى تلك المملكة القديمة: مالي!
هل تفهمين عما أتحدث، بنيتي؟ قالت في إذعان: نعم أبي، وإن كانت تعلم أنها لم تفهم شيئًا».
إفريقيا أيضًا هي بلاد الخيرات، بلاد المنتجات الزراعية الاستوائية، وبلاد المعادن النادرة، هي بلاد الأورانيوم والذهب والألماس، وفيها ثروة حيوانية معتبرة، وغابات كثيفة، وفوق ذلك النسيج السكاني من الشباب، وقد سرى في قطاع واسع منه الوعي بتجاوز عقدة الدونية، والانتباه إلى قضية (الحرية والتنمية) التي يصنعها الإنسان…
ومع كل تلك المقدرات (الكامنة في إفريقيا)، فإن معظم مؤشرات التنمية البشرية، تؤشر إلى موقع قارة أفريقيا في آخر قوائم الترتيب الدولي، ومعها مؤشرات قياس الاستقرار السياسي، والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، وحقوق الإنسان وقبول تنوع الإثنيات والمعتقدات الدينية والثقافية.
فإفريقيا تعتبر على رأس قائمة الانقلابات العسكرية، حيث أعاد الانقلاب العسكري في النيجر ذلك المشهد الخشن، فمن السودان (أكتوبر 2021)، وتشاد (أفريل 2021)، وغينيا (سبتمبر 2021)، وبوركينا فاسو (جانفي وأكتوبر 2022)، ومالي (أوت 2020 وماي 2021) وأخيراً النيجر (جويلية 2023)، وهناك تشابه بين المشهد السياسي في معظم تلك البلدان، إذ خطى بعضها شوطا في مراحل انتقالية باتجاه الديمقراطية كالسودان ومالي، وبعضها أجرى انتخابات ديمقراطية مثل النيجر، لكنها عادت كلها إلى مربع الحكم العسكري الشمولي.
ولعل ما أعقب الانقلاب في النيجر من ردود فعل، دولية وإقليمية ومحلية غير مسبوق، وجدير بالتأمل، إذ بمنأى عن المصالح التقليدية لفرنسا، فإن الانقلاب فتح أبواب القلق والشك من جديد في قدرة إفريقيا على تخطى نزاعاتها وصراعاتها السياسية، ومن ثمَّ الوصول إلى مجتمعات مستقرة، تحتكم إلى سيادة دولة القانون والتداول السلمي على السلطة، وتشرع في جهود التنمية ومكافحة الفقر والمرض والجهل، وهي تحديات تواجه أقطار القارة وإن تفاوت حدته.
لقد أرهقت القارة بظاهرة (الإجهاض المتكرر)، فكلما برق أمل في الأفق في إحدى دول القارة، بالانفكاك من قيد الشمولية والحكم العسكري لساحة الديمقراطية والانتخابات الحرة، خيم الظلام من جديد بنذر ما يعيق ذلك الأمل، وتأخذ التوترات القبلية والإثنية والدينية مسارها، وتعيدها مرة أخرة للمربع القاتم الشرير، وعلى شاكلة تستنسخ ما كان ويطل المشهد الجديد ـــــ القديم انقلاب عسكري.
ويصبح الناس من جديد على (البيان الأول)، يصدح به صوت القافز الجديد إلى السلطة، يضمنه تلك الشعارات التي ألفها الناس، وهي تبشر بالحرية والعدالة، والقضاء على الظلم والفساد والديكتاتورية، وقطع حبل التبعية للاستعمار والإمبريالية، وكل تلك المعاني التي تستنسخ البيان الأول في انقلاب سابق…
لقد سخر أحد الشعراء من تلك (الدائرة الجهنمية)، على حد تعبير الروائي الروسي(ألكسندر سولجنيتسين)، إذ قال ساخرا:
أغاروا على الحُكم في ليلةٍ     فولى الصباحُ ولم يَعُد!
إنه بغض النظر على كل ما يمكن أن يكون في (البيان الأول) من بصيص صواب، فإن تاريخ الانقلابات العسكرية مؤلم محليًا وإقليميًا، فمحليا لم تنل الشعوب من البيانات الأولى ما يجعلها تأمل خيرا، وإقليميا فالمنقلبون يحتاجون في سبيل إرساء حكمهم للتحالف ولو مع الشيطان، في سبيل إرساء دعائم (العهد الجديد)، ويعرضون بالتالي جيرانهم إلى قلاقل هم في غنى عنها.
إن الأجيال الإفريقية الناشئة، وبعضها تلقى تعليمًا جيدا، سوف تخرج من شرنقة المناولة الدولية، والوقوع تحت وصاية هذه القوى أو تلك، وتبحث في (الجذور) الحضارية على حد تعبير بطل رواية (أليكس هيلي)، وتعي مفردات تلك (المملكة القديمة: مالي)، وتكتشف قدراتها الكامنة في ثرواتها المنهوبة، وأن (العقل أعدل قسمة بين البشر)، فتلتقي سواعد الشباب المفتولة مع عقول مدربة لتصنع ملحمة إفريقيا الجديدة…
ما أحوج أهل إفريقيا اليوم إلى استحضار ذلك الشعار الذي رفعه الملك النوميدي ماسينيسا: (إفريقيا للأفارقة)، وتكييفه مع تحديات العصر، والخروج من شرنقة الوصاية الأجنبية مهما كان لونها أو مذاقها أو رائحتها، ومن الأمثال الشعبيّة الجزائرية: (لا يبكي لك إلا شفرك، ولا يحك لك إلا ظفرك)!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com