روبورتاج

المخيم الصيفي العائلي لجمعية العلماء سيدي عبد الرحمن – تــنس

تغطية : كمال بن عطاء الله/

من أهم ركائز الإصلاح المجتمعي، التفكير في إنجاز مشاريع تجمع بين التربية المبتغاة وتلبية الحاجات العقلية والنفسية للأفراد والعائلات للتوسيع عليهم بإيجاد فضاءات مناسبة بضوابط مرعيّة، ولن يتأتى إلاّ وفق مؤسسات مزوّدة بتخطيط واضح ومُشرفين واعين بما عليهم وبواقعهم، إنّ الأمر ليس هيّنا على من حاول ويحاول، لكن توفيق الله والتعاون بين المخلصين يُصهِر الجهود ويسهِّلها ويُجَوِّدها، إنّ هذا ما رأيناه وعِشناه في مخيمنا الصيفي كنموذج يُحتذى به.

منذ قرابة 17 سنة تشرف شعبة القصبة (الجزائر العاصمة) على المخيم الصيفي العائلي المتميز من سنة إلى أخرى، الذي يُجرى على دفعات مدة كل واحدة من 08 إلى 10 أيام، بداية شهر جويلية ليختتم في نهاية شهر أوت، وهؤلاء المشرفون السّاهرون بجهودهم المُضنية صنعوا النموذج الأمثل المأمول الذي يتمنّاه المرء الرّسالي الذي يسعى جاهدا لصُنع الفارق بكل إيجابية، مجاهدا نفسه متعاونا مع إخوانه الذين يشاطرونه الغاية في هِمّة عالية، فكان الأمر في بدايته قبل «الكورونا» استغلال الشاطىء والتعامل مع البلدية مباشرة وكان التعامل أيسر، لكن مع مرور الوقت واكتساب الموقع صِيتا وسُمعة، عرضته الجهة الوصية للمزاد العلني، ومنذ 3 سنوات وهو تحت تسيير هيئة خاصة جزاها الله خيرا وهي بدورها اكترته لشعبة «القصبة»، ورغم ما أحدثه إخواننا من مرافق عديدة بجهودهم الخاصّة وتطوّعهم مثل إنجاز مدخل لائق وجناح إداري وسكنات ذات غرفة واحدة مزوّدة بالماء(24/24)، أفرشة، فرن للطبخ، ثلاجة صغيرة، مروحة وقسم خاص بعدد من المخيمات(به المستلزمات)، وجناحين صحيين أحدهما للرجال (به العديد من المراحيض والمرشات) وآخر للنساء، مطعم لطهي الوجبات الغذائية، محل لبيع المواد الغذائية، ملعب، سلّم إسمنتي يوصل للشاطىء المشكّل طبيعيا على شكل خليج (مقوّس طوله حوالي 1 كيلومتر أو أكثر ومياهه غير عميقة مناسبة للأطفال والعائلات نظيفة جدا) مقسم جزء على اليمين للنّـساء وآخر للرجال به مراقب ويفتح الباب الموصل إليه صباحا على الساعة 9 بعد فطور الصباح ويُغلق ظهرا ليفتح بعد صلاة العصر مرة أخرى، وبعد المغرب يغلق أيضا، نشير إلى أنّ الشاطىء منخفض بحوالي 10م عن أرضية المخيم، كما يوجد ملعب يُمارس فيه الشباب كرة القدم كل مساء، وبجواره مساحة للكرة الحديدية، هناك خيمة كبيرة واسعة رائعة (8×12م) بها جناح للنساء وأفرشة وكتب للقرآن الكريم ومكبّر الصوت تقام به الصلوات الخمس جماعة ولقربه من المساكن يغشاه النساء والبنات…، يُلقى مباشرة بعد كل صلاة صبح حديث أو تذكرة حول عنوان الدورة (بلغوا عني ولو آية)، هناك خيمتان صغيرتان للإذاعة يُؤذّن فيها للصلوات وتُعلن الإعلانات حول المسابقات وجلسات السّمر الأخوية ويقوم عليها شباب متطوع، في كل صباح ومساء تسمع القرآن الكريم وأذكار الصباح والمساء لمدة نصف ساعة وكذا إقامة الصلاة، وبعد كل صلاة مغرب تلقى كلمة ممزوجة بموعظة من أستاذ متطوع في نفس عنوان دورة المخيم (الدعوة إلى الله)، أما البحر فتذهب إليه العائلات في جو محترم رائع تُحِسّ فيه بوجود المفقود من الفضيلة والحِشمة فالأبناء والصغار إمّا مع أمّهاتهم جهة النِّسوة أو مع آبائهم جهة الرجال أمّا الشباب المنشّطون فمهتمون بتسيير الألعاب والمسابقات بين الأطفال والتمتع بماء البحر، كما يحتوي المخيم على غابة مطلة على البحر بها طاولات وألعاب للأطفال الصغار، ولا ننسى التعارف بين العائلات المخيمة التي أتت من ولايات عدّة (الجزائر العاصمة، قسنطينة، بسكرة، الجلفة، المسيلة، عين الدفلة، البليدة ….) وحتى من المهجر لتلتقي في البحر أو الغابة أو بعد الصلوات أو عند الطاولات المطلّة على نسائم البحر الرائق الذي تظهر زرقته وامتزاجه بالخضرة لأشجار الجبال المقابلة وحقول العنب المنتشرة وخلو المنطقة من منغِّصات الرطوبة أو الحشرات المؤذية، روعة المكان وسعادة العائلات وخاصة براءة الأطفال وسهرهم قرب أوليائهم حتى لوقت متأخر من الليل تُدخل في نفسك السّرور والغِبطة، يجعلك تتمنى هذا لجميع العائلات التي تبحث لأبنائها عن مثل هذه الأجواء التربوية الترفيهية التي يدعونا ديننا للاهتمام بها لنوجد فضاءات بديلة مُكمّلة للرّاحة والاستجمام وفق ضوابط الحشمة والحياء لنمارس شعائرنا في وحدة وانسجام، منعكسة على الفرد والعائلة المخيّمة بسعة الأفق من المعارف والتجارب الشخصية والجماعية وتُضفي عليهم مع تراكم التجارب والمشاهد نفسيات مشرئبة للأخوة وللعمل الإيجابي الرسالي الذي تربت عليه من عام لآخر وهو مكمل ولا شك لما انفطم عليه في بيته مع والديه وما تناوله في المدرسة والمتوسطة والثانوية من نصائح وإرشادات، إنّ التقاء العائلات من مستويات ومناطق مختلفة من الوطن وانصهارها في برنامج تربوي موحد ومتنوع يمكن به أن نتجاوز ذلك الانقسام المناطقي الذي أراد ترسيخه الإعلام الممسوخ في كثير من خرجاته، إنّي أرى تبادل الآراء من الأستاذ الجامعي إلى الطبيب إلى الشاب الجامعي فالمهني والحرفي والموظف والمتقاعد …، يُنشيء وسطا مثاليا للتكامل المجتمعي الدعوي الذي يتمناه كل وطني غيور على أمّته وشبابها فهم حرّاس الحصون ولهم تتجه سهام الأعداء من الداخل والخارج.


الأهم في هذا المخيم النموذج، أنّنا ندعو الجميع ضمن دائرة «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» إلى السّعي والتخطيط لإنجاز مخيمات تربوية ترفيهية هادفة مخطط لها بإحكام منوّها بتجربة إخواننا بشعبة «القصبة» فهي تجربة رائدة ونحثّ «المكتب الوطني» بلجانه الثلاث[التربية والتعليم التكوين – الشباب والطلبة – الدعوة والإرشاد] للتوافق على خِطّة عملية لتجسيدها واقعيا من خلال التوأمة بين الشُعب الولائية بل والبلدية لنبدأ المرحلة الأولى جهويا (ولايات الجنوب والشرق يتفقون مع ولايات الشرق الساحلية) وهكذا الوسط ونفس الأمر مع الجهة الغربية، أعتقد لو تجتمع الإرادات في إخلاص لله وتوفيق منه يمكننا أن نحقق آمال العائلات الجزائرية المحافظة ونحافظ على أبنائنا من التيه، وبهذا العمل الجاد نكون امتدادا لعمل الروّاد من علماء الجمعية السابقين، إنّنا في أمسّ الحاجة لنكون عمليين لأحلامنا وأمانينا ونكون مع الصادقين وهكذا ترجع الثقة أكثر متانة .
وفي يوم التاسع- الثلاثاء السابق- ما قبل الأخير من الدورة؛ بعد صلاة العشاء أقيمت ندوة فكرية بعنوان(الأسرة العربية المسلمة وتحديات الواقع) حضرها الرجال وخاصة النساء بعدد كبير نشّطها الأساتذة الفضلاء:
– الأستاذ بشير قادرة بالتعليم العالي للعلوم الاجتماعية بجامعة باتنة مرّ بتدريس مراحل التعليم الثلاث وصولا للجامعة وإمام ومدرس بمسجد الإمام مالك عين البنيان بالجزائر العاصمة؛ مفتش بالتعليم المسجدي بمديرية الشؤون الدينية بولاية تيبازة، منتج برامج بإذاعة القرآن الكريم .
– الأستاذ لعرابي محمد بعلوم التربية جامعة البليدة2 (العفرون)، تقلّد وظائف كثيرة منها أستاذ بمعهد تكوين أساتذة التعليم ومفتش للتعليم الابتدائي.
– الأستاذ كمال الدين العون أستاذ بجامعة البليدة 2 (العفرون).
– الأستاذ الطبيب خليل مراد بمستشفى رويبة.
قدّم الاستاذ بشير في عشر دقائق تعريفا للأسرة الجزائرية المسلمة (ارتباط امرأة برجل على سنّة الله ورسوله بعقد شرعي) للحفاظ على النوع الإنساني وحماية الفضيلة في ودّ واستقرار والعمل على تربية الأبناء وذكر شروط ذلك مبينا العوائق التي تُهدّد الأسرة من خارجها، مقدما نصائح قيّمة لحماية الأطفال والأسرة المسلمة أمام الهجمات من الإعلام وغيرهم من شياطين الإنس والجن وذكر تجارب ناجحة وركّز على الدور الأساسي للوالدين …
أمّا الأستاذ كمال الدين في 10 دقائق أخرى فذكر المناهج الغربية التي تريد نقل الفوضى والفساد الأخلاقي الذي وصل إليه الغرب بنشر الرذيلة من مثلية وحرية مطلقة وعِلاقات رضائية بين الجنسين بل وإلغاء مفهوم الجنس تحت مسمى (الجندر) وهذا بضغط من المؤسسات الدولية[معاهدات الأمم المتحدة، منظمة التجارة الدولية، البنك الدولي …..] وأشار للأمانة هناك ضغوطات تمارس على الدول العربية والإسلامية ومنها الجزائر التي لديها تحفظات على هذه الاشتراطات، وهنا تبرز أهمية ودور الفعاليات المجتمعية من أساتذة ودعاة وعلماء وتربويين وآباء وأمهات لنشر الثقافة الدفاعية عن قيم الأمّة ومنها مفهوم الأسرة.


أما الأستاذ لعرابي فبيّن خصائص الأسرة الواعية بدورها في الحفاظ على هوية المجتمع وفهم متطلبات الواقع وذلك بالمتابعة والمرافقة للأبناء في جميع مراحل نمو الطفل.
أما الأستاذ الطبيب خليل فقد بيّن بوضوح بأسلوب علمي مبسط المخدرات تعريفا وأنواعا وتدرج في الوصف من التعاطي إلى الإدمان مظهرا علامات ذلك مفرّقا بينها وبين مظاهر الشاب المراهق وحاول التحذير بشدة من هذه الكوارث المهدمة للأمة مركزا على أهم حلّ وهو المتابعة والمرافقة للأبناء في كل دقائق حياتهم والتحاور معهم لبيان خطورة الأوساط الشبابية….
وبعد الإلقاء لهؤلاء الأساتذة فتح باب التساؤل والتعقيبات، كانت تدخلات مركّــزة كلها على الحلول وكيفية مواجهة المد الإعلامي الرهيب الذي يريد تفكيك أهم ركيزة للأمّة الواحدة الموحدة، وأثيرت الأدوار التكاملية بيّن الأم والأب بعقولهم وعواطفهم وحث الآخرين لاستعادة الأدوار المنوطة بهم من أقارب إلى المربين …. اكتملت الندوة بعد حوالي ساعتين وصبر من الحاضرين رغم برودة الجو بانطباع جيد بل ممتاز الكل راض على ما استمع إليه من معلومات قيّمة ساعيا لتطبيقها مرافقا لأبنائه وأحفاده.
ومن باب النقل الأمين لفعاليات المخيم نذكر مجملا ما تعرض له الأساتذة في الوصلات التذكيرية عقب صلاتي الصبح والمغرب من كل يوم من أيام المخيم تحت عنوان «الدعوة إلى الله – بلِّغوا عنّي ولو آية -»، إنَّ الدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء والرسل ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي الخاتمة، إنّ الآيات القرآنية وسيرة نبينا عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم والأئمة الأعلام تبين ذلك، وللدعوة أركان:
– على الداعي إلى الله أن يتسلّح بالإخلاص والعلم والحِلم والأناة والصبر والبصيرة.
– المدعو (يخاطب حسب وضعه ومستواه…).
– المادة العلمية (أن تدعو بما تعلم أي على علم وبالمقدار المحصل عليه).
– الوسائل يختار منها الأنسب زمانا ومكانا.
قال تعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[سورة يوسف الآية 108].
قال الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾ ومجملها لقد حكم الله بأنّ جنس الإنسان في خسران إلاّ من أتى بأربعة أشياء:
1 – الإيمان .
2 – العمل الصالح.
3 – التواصي بالحق.
4 – التواصي بالصبر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com