ملف

ظاهـــرة اختطــاف الأطفــال: تراجع في القيم أم خلل في إدارة المجتمع!

إعداد: عبد القادر قلاتي/

ظاهرة تشكل اختراقا كبيرا لمنظومة القيم المجتمعية في بلادنا، ونصفها بالظاهرة التزاما بمصطلحات علم الاجتماع، وإلاّ فالتوصيف الحقيقي لها؛ أنّها جريمة بشعة، تسربت إلى واقعنا الاجتماعي في ظلّ تراجع سافر للقيم، وفي ظلّ خلل واضح في لغة الضبط وإدارة المجتمع، حيث تكرّر الفعل وتعددت أشكاله وتفاصيلة شرقا وغربا في ربوع وطننا الكبير، ولسائل أن يسأل: أيعقل أن تتوسع دائرة هذا الفعل البشع المشين، ويتكرّر في مجتمع محكوم بمنظومة قيم شديدة الفعّالية والتأثير، وبقوانين شديدة الرّدع والحسم عندما يتعلق الأمر بإزهاق الأرواح، وقتل البراءة؟ حقاً إنّها ظاهرة خطيرة يستحيل معها التراخي والاستهتار، بل يجب تقديم العزم والحزم، من الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء، وأن تتضافر جهود الجميع للقضاء عليها، في ظلّ تكثيف الإحساس بالمسؤولية وخطورة التراخي في تقدير حجم الآثار الوخيمة على سلامة وأمن المجتمع.
في هذا الملف الذي خصصناه لهذه الظاهرة نحاول توضيح جملة من الأسباب التي تدفع إلى تكرار هذا النوع من الجرائم، في مجتمع أكثر ما تصان فيه، الأرواح والأعراض، كما نحاول فهم سبب هذه الانتكاسة وهذا التراجع الخطيرفي سلم الأولويات في بلادنا؟

الإسلام … وعنايته بالأطفال

د. يوسف جمعة سلامة
خطيب المسجد الأقصى المبارك وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق

مِنْ نِعَمِ الله سبحانه وتعالى على الإنسان أَنْ يُكرمه بالذّريّة الصّالحة، فالأبناء هِبَةٌ من الله عزَّ وجلَّ، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى :{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
لقد عُني ديننا الإسلامي الحنيف عناية كبيرة بالأبناء بصفة عامة من المهد إلى اللحد، فهم فلذات الأكباد وَسَنَدُ السّواعد، كما عُني بمرحلة الطفولة بصفة خاصة ، وقد حَرَّم الإسلام الزّنا؛ لأنّ فيه ضياعاً للنسل وخَلْطاً للأنساب، كما اعتبره فاحشةً وَمَقْتاً وساءَ سبيلاً، وأوجد البديل ألا وهو الزواج؛ لذلك دعا رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- إلى بذل الجهد في اختيار الزّوجة الصّالحة، كما حثَّ على تحصين الولد عند وضع النّطفة في الرّحم.
ومن المعلوم أَنَّ الأطفال هم شباب الغد وأمل المستقبل ، وعلى عاتقهم تقع مسئولية حماية الأُمم والشّعوب، وكلّما ارتقينا بالاهتمام بالطّفولة، كان ذلك اهتماماً بمُسْتقبل الأُمَّة، وذلك بتوفير الرّعاية الصّحيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة للأطفال؛ لأنَّهم الثّروة التي تجب مُراعاتها والمُحافظة عليها، ولا يجوز إهمالها أو التّقصير فيها بأيِّ حال من الأحوال، فإِنَّهم بَعْضُ الحاضر وكلُّ المستقبل.
ومِمّا يُؤسف له تَعرُّض بعض الأطفال في بعض المجتمعات للخَطْفِ والقتل، وهذه الجريمة تُعدّ من أسوأ الظّواهر وأخطرها، حيث إنّها تُهَدّد المجتمع وتُزلزل أمنه واستقراره.

رَبَّنَا هَبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُن
إِنّ من أهمّ مقاصد الزّواج في ديننا الإسلامي الحنيف هو المُحافظة على النّوع الإنساني؛ لأنّ الإنسان مجبولٌ على حُبّ البقاء، ولا يكون ذلك إلاّ من خلال نسله المنسوب إليه الذي يُنْجبه عن طريق الزّواج الشّرعي، والذي يُعَدّ نعمة على الإنسان وآية من آيات الله سبحانه وتعالى.
ولنا في الأنبياء والمُرسلين- عليهم الصّلاة والسّلام- وعباد الله الصالحين الأسوة الحسنة، حيث إِنّهم دعوا الله سبحانه وتعالى أَنْ يرزقهم الذّرية الصّالحة.
* فهذا سيّدنا إبراهيم – عليه الصّلاة والسّلام- يتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى بالدّعاء أَنْ يهبه الذّريّة الصّالحة كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ}.
* وكذلك عباد الرّحمن الذين يتضرّعون إلى الله سبحانه وتعالى بالدّعاء أَنْ يهبهم من أزواجهم وذرياتهم قُرَّةَ أَعْيُن ، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} .
والإنسان بطعبه مُحِبٌّ للذّرية الصّالحة من البنين والبنات؛ لأنّ الأبناء يكونون قُرّة أَعْيُن لآبائهم وأمهاتهم إذا عاشوا على الطريق المُستقيم، فالأبناء هم فَلِذات الأكباد وَسَنَد السّواعد.
وبهذا يتمّ التّناغم بين الأبُوّة والبُنُوَّة ؛ لأنّ الأُبوّة والأُمومة الصّالحة تكون سبباً رئيساً في صلاح الطّفل كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا }، كما أنَّ البُنُوّة الصّالحة هي امتداد طبيعي لعمل الأبوين الصّالح في الحياة الدّنيا ، كما جاء في قول نبيّنا – صلّى الله عليه وسلّم –: ( إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ).

حماية حقوق الطفل من مقاصد الشريعة الإسلامية
إنَّ كلَّ دارسٍ للشريعة الإسلامية يعلم أنَّ لها مقاصد تتمثّل في حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأُسرته، فمن أول مقاصد الشّريعة الإسلاميّة صيانة الأركان الضروريَّة للحياة البشرية، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وقد بيَّن الإسلام الأحكام الفقهية التفصيليّة التي تُمَثِّل سياجًا لصيانة هذه الضّرورات وكيفيّة حمايتها والمُحافظة عليها، حيث ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه : (المُستصفى) أنَّ حُرمة الضّرورات الخمس لم تُبَحْ في مِلَّة قط، وقال بذلك الإمام أبو اسحق الشاطبي في كتابه: (الموافقات في أصول الشريعة)، ومن المعلوم أنَّ هذه الأمور لابُدَّ منها لإقامة الحياة الصّالحة، فإذا فُقِدَ بعضها انهارت الحياة الإنسانيّة أو اختلّت وفسدت.
لقد اعتبر الفقهاء المعاصرون اختطاف الأطفال وقتلهم من أخطر الجرائم وأشنعها؛ لأنّ الاعتداء فيها يقع على طفلٍ قاصرٍ لا يستطيع الدّفاع عن نفسه، وقد ذهبوا إلى أنّ هذه الجريمة تستوجب أقصى العُقوبات في حقِّ مُرْتكبيها.
والإسلام -عبر تاريخه المُشرق- حرص أشدّ الحرص على مُراعاة حقوق الطّفل وضرورة صيانتها، وستبقى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وخصائص شريعتنا الغرّاء ثابتة كالطَّوْد الأَشَمّ، لن تهزّها عواصف هوجاء ولا رياح عاتية.
هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف الذي يهتمّ بالطّفل ويرعى حقوقه، وَيُوصِي به خيراً؛ لينشأ نشأة صالحة، ويكون له دور إيجابي وفاعل في مُجتمعه ووطنه.

دور الأسرة في تربية الأطفال
إِنَّ للأسرة دوراً رئيساً في تربية الأطفال، كما جاء في الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما- قال سمعتُ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يقول :(كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، … وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وََمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، …) ، فهذا الحديث الشريف يشتمل على تكليف من رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- لِكُلِّ أبٍ وأُمٍّ، فقوله – عليه الصَّلاة والسَّلام- : (كُلُّكُمْ رَاعٍ) يُحَمّلُنا مسئولية التّربية والرّعاية والإشراف والمُتابعة؛ لأنّ الأطفال ثروةٌ ينبغي أَنْ نُحافظ عليها، ونعمةٌ يجب أَنْ تُشكر، ومن المعلوم أَنّ تربية الأطفال تشمل: التّربية الدّينيّة، والأخلاقيّة، والبدنيّة، والصّحيّة، والعقليّة…الخ.
إِنََّ مُهِمّةَ تربيةِ الأطفال مُهِمّةٌ جليلة، خصوصًا في هذه الأوقات، فليس دوركم أيُّها الآباء هو توفير الأمور الماديّة فقط، بل هذا واجبٌ عليكم تجاه أطفالكم، ولكن أيُّها الآباء الكرام عليكم واجبٌ أعظم من ذلك، وهو تحمُّل المسؤولية الكُبرى في تربية أطفالكم وتعليمهم ومُتابعة دراساتهم، ومعرفة زملائهم وأصدقائهم، وغرس القِيَمِ والآداب والأخلاق الإسلاميّة في نفوسهم.
أخي القارئ الكريم : ابنك أمانةٌ في عُنُقِكَ، جعله الله سبحانه وتعالى عندك أمانة، وقد خلقه الله عزَّ وجلَّ لعبادته، وما عليك إلاّ أَنْ تَصِلَهُ بِخَالِقِهِ سبحانه وتعالى؛ لقوله عزَّ وجلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ، وقوله – صلّى الله عليه وسلّم-: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) ، وقوله – صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً : (أَدِّبُوا أَوْلادَكُمْ على ثَلاثِ خصالٍ: حُبِّ نَبِيِّكُمْ، وحُبِّ آلِ بَيْتِهِ، وتِلاوةِ القُرانِ، فإنَّ حَملةَ القُرانِ في ظِلِّ عرشِ اللهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ مَعَ أنبيائِه وأصْفيَائِهِ) ، فأساس التّربية في الإسلام هو القرآن الكريم الذي يجب علينا أنْ نُحَفّظه لأطفالنا، فيهذّب أخلاقهم ويُصَفّي نفوسهم، ويتعوّدون من خلاله على مكارم الأخلاق، فمن شّبَّ على شيء شابَ عليه، وكما قال الشاعر :
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا  عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوْهُ
فتربية الأبناء مسئوليةٌ كُبرى وأمانةٌ عُظمى حَمَّلنا إيَّاها ديننا الإسلاميّ الحنيف، يجب علينا أن نقوم بها ونُؤَديها على أكمل وجه.
هدمُ الأسرة … ضياع للأطفال
يُعَدُّ هَدْم الأُسرة وتفكّكها أعظم فتنة وأشدّ خطراً على الأطفال والمجتمع؛ لأنَّ الأسرة هي الحِصْن والمَلْجأ والأمان لكلا الزّوجين، وهي المدرسة الأساسية التي يتربَّى فيها الأطفال، فإذا ما حدث شرْخ في الأسرة وتفكّكت أدّى ذلك إلى ضياع الأطفال وتشرّدهم وهَدْمِ المُجتمع بأَسْرِه؛ لأنَّ الأسرة هي نواته الأساسية؛ لذلك فإِنّ مسؤولية حماية الأسرة وصيانتها وحفظها من كلّ ما يُفْسدها ويُضَيِّعها من أعظم المسؤوليات التي يتحمّلها ربّ الأسرة، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، وقد حذّر رسولنا الكريم – صلّى الله عليه وسلّم- السّاعين لإفساد الأُسرة من عواقب ذلك العمل كما جاء في قوله – صلّى الله عليه وسلّم- : ( ليسَ منَّا مَنْ خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها …).
وختاماً لا بُدَّ من الاهتمام ببناء الأسرة وصلاحها وقيامها على أُسُسٍ سليمة ومتينه؛ لأنّها قوامُ المجتمع المُسلم وأهمّ أركانه، فهي التي تمدّه بأبنائه الصالحين القادرين على القيام بأعبائه والإسهام في بنائه وتقدّمه وتطوّره وازدهاره، فبصلاح الأُسرة يكون صلاح الأطفال والمجتمع كلّه.

رَدع الجَانِي عن قَتْلِ الذَراريِّ

الشيخ نــور الدين رزيق
عضو المكتب الوطني جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

يعيش الناس هذه الأيام حالة من القلق والحيرة مع عودة ظاهرة غريبة عن مجتمعنا المسلم، ألا وهي خطف الأطفال وقتلهم.
رغم أن النصوص الشرعية واضحة في بيان حكم الله تعالى فيمن اقترف هذا الجرم لكن يوجد فينا من لا تَأْخُذْهمْ بِهِ رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ والخالق يقول في هذا الموقف {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحد.
بل نقول إن ما يجلب الويلات والكوارث على المجتمع الجزائري أن يغيب في دستور الأمة التأكيد على أن «الشريعة الإسلامية مصدر التشريع» وعليه ما نراه اليوم من خطف واغتصاب وقتل للأطفال، ناتج عن إلغاء الحدود الشرعية والقصاص الرباني الرادع لمثل هذه الأفعال المشينة بدعوى الحق في الحياة وأن حكم الإعدام استغل سياسيا لتصفية المعارض وأن هذه همجية وغيرها من الاتهامات والتهكمات، نترك سماحة(لقبه المفضل)
الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين-رحمه الله تعالى بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه يَرُّد:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة وهداية للعالمين
(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ…) [يوسف 108].
أما بعد؛ فلقد طالعت باهتمام ما نشرته بعض عناوين الصحافة الوطنية الصادرة يوم الخميس 18 محرم 1430 الموافق 15 جانفي 2009، وخصوصا جريدة «الخبر» و«الشروق اليومي» و«ليكسبريسيون» من ردود رؤساء منظمات حقوقية جزائرية، مؤيدين لإلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجزائري- على تصريحاتي في وسائل الإعلام.
وإذا كنت لا أصادر حقهم في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم، إلا أنني اختلف معهم في ما ذهبوا إليه من تبريرات وأحكام وذرائع لإلغاء عقوبة الإعدام، أو بتعبير أدق إلغاء حد القتل (قصاصا) من القاتل من منظومة التشريع الجزائرية، مستندا في موقفي هذا إلى نصوص صريحة وأحكام قطعية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، أما إدعاء البعض بأن موقفي هذا ليس موقف رجل حوار وإقناع، فأنا اعتبر أن الدعوة إلى تغيير المنكر هو من صميم الحوار لأنه استجابة للتوجيه النبوي في الحديث الشريف الذي أورده الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه رواية عن أبي سعيد الخذري -رضي الله عنه- أنه قال: «سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم- يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» وفي تغيير المنكر فائدة للذي ارتكبه وللمجتمع الذي يعيش فيه.

أما الزعم بأن تطبيق حد القتل قصاصا من القاتل هو تشجيع لإراقة الدماء وتمسك بثقافة الدم، فأنا أرى أن هذه العقوبة التي شرعها الخالق تبارك وتعالى جاءت للحفاظ على الحياة، وردع الجناة القتلة لقوله عز وجل في الآية 179 من سورة البقرة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ولا يخفى على المتابعين لما كتبته، وصرحت به خلال مرحلة المأساة الوطنية، أنني كنت من المنددين بأصحاب الفكر التكفيري، وآرائي في هذا الخصوص منشورة وموثقة لمن أراد الاطلاع عليها، فليرجع إلى السلسلة الثالثة من البصائر، لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولكن هذا لا يتعارض مع تمسكي بما صرحت به، بأنّ من يرى أنّ حكما بشريّا هو أفضل وأصلح من حكم الله هو كافر، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يرى بأن الحكم القطعي في القرآن قد تجاوزه الزمن، أو أنه كان صالحا لفترة معينة، ولم يعد صالحا في الحاضر والمستقبل.
وقد ذهب البعض- في معرض الرد على تصريحاتي- إلى الاستشهاد بما جرى للعقيد المرحوم «محمد شعباني» الذي ذهب ضحية تعسف سياسي وقضائي، وقد آلمني حقا، وحز في نفسي كثيرا ما جرى لهذا المجاهد، وهو أحد تلاميذ معهد عبد الحميد بن باديس، ولكن يجب التفريق بين التشريع وتطبيق التشريع؛ والمفروض أن يكون التشريع واضحا، ويكون التطبيق أمينا لروح التشريع، وإذا ألغينا التشريع بحجة وجود خطأ في التطبيق، فينبغي في هذه الحالة إلغاء جميع الأحكام مخافة وقوع الخطأ في تطبيقها، وتكون عقوبة السجن- أيضا- مشمولة بشبهة حدوث الظلم، والتعسف في تطبيقها.
وقد اعتبر من ردّوا على تصريحي، من الحقوقيين في منظمات حقوق الإنسان، أنّ ما أدليت به كان تهجما عنيفا عليهم، والحقيقة أن الهجوم ليس مني، ولكنه كان إيرادا لتحذير القرآن الشديد لمن لا يلتزمون بأحكام الشرع القطعية، ولمن ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
والأدهى: أن يكتب البعض بأن حكم الإعدام هو تصرف همجي لا يشرّف المجتمعات الحديثة، وهذا الرأي ما هو إلا دليل على جهلهم الشرعي، واستيلابهم الفكري، لأن الحكم بحدّ القتل (قصاصا) من القاتل هو عين العدل ونفي للجاهلية، أما التعاطف مع الجاني على حساب الضحية فهو الهمجية…» انتهى.

ولكم في القصاص حياة ..

عبد المحسن رحماني

قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}[سورة التكوير: 8 – 9] وإذ نقرأ هاته الآية الكريمة ونحن نرى ما يجري على الساحة الوطنية والإقليمية من جرائم وفضائع في حق الطفولة والبراءة، نعلم يقينا أنه لازال ـ بين أظهرنا ـ من فيه بقية من الجاهلية الأولى بل وأبشع منها، دون رادع أو ضمير رغم أن دين الإسلام العظيم قد جاء ليخرج الناس من غياهبها إلى نور التوحيد وسعة الشريعة السمحاء فأنارت به البشرية وبتعاليمه التي ظهرت جليا بأنها الأنموذج العملي المتكامل في السمو بالإنسان من كل الجوانب تنشئة ًورعاية ومآلا وحرمت عليه الظلم بكل أشكاله كيف لا ورب العزة هو من قال في الحديث القدسي: {يا عبادي إني حرمت الظلم على نفس، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا..} ومن الظلم ما باتت تهتز له أسماعنا من كثرة جرائم القتل والاختطاف وما شابهها ـ وللأسف ـ في ظاهرة تدل على قمة الاستهتار والاسترخاص للنفس البشرية وهي الظاهرة التي وُضعت لها عدة حُلول جذرية وعلاجات وروادع في الشريعة السمحاء ومن كل الجوانب سواء كأفراد أو كمجتمعات أو كسلطات في صورة أساليب راشدة متكاملة ولم تتركها للأهواء أو لمذاهب العقول تتقاذفها كيف شاءت أو كمجال للمزايدات بل كانت واضحة جلية في ذلك {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}[الأحزاب:36].
لماذا نتناول هذا الموضوع من هاته الزاوية
من الطبيعي أن نتناول هذا الموضوع من هاته الزاوية التي لطالما تهربت منها أغلب الأنظمة القضائية للدول الإسلامية المعاصرة تنظيرا وتطبيقا ـ إذا ما استثنينا بعضها التي لا تتجاوز أصابع الكف الواحدة ـ وذلك تماشيا مع الاتفاقيات الدولية والمنظمات الحقوقية الغربية التي تتماشى مع الاتجاه الحقوقي السائد اليوم القائم على القوة والغلبة الذي لا مكان فيه للضعيف ولا حق للضحية، بل يصبح المجرم محل عطف فتوضع القوانين وتؤول لحمايته، حتى يكون الشذوذ مقبولا والإعدام ممنوعا…ويقوم هذا التصور على معنى ضمني يتمثل في أن الحق والبقاء للأقوى ولو كان مجرما..وهكذا تصبح حقوق الإنسان هي حقوق القوي على خلاف المنظومة الذي يقوم على رعاية حقوق الناس بصرف النظر عن نسبهم وقوتهم ومكانتهم، لذا كان مطلب القصاص مطلبا واجبا طال انتظار تفعيله في حق مستحقيه بعدل وإنصاف كما دلنا على ذلك ديننا الحنيف، ولا علينا بعد ذلك من الحجج التي يقدمها بعضهم حول تجريم عقوبة الإعدام والتي تدع الحليم حيرانا حقا، ففضلا أنها تصادم مسلمات الدين الإسلامي وتتبنى وجهات نظر معادية له إلا أنها إضافة إلى ذلك تقدم التبرير للمجرم في أن يتفنن في إجرامه وتقف في مواجهة المجتمع وبكل وما يؤمن به وفي مواجهة للعائلة المكلومة التي راح ابنها أو ابنتها ضحية الجريمة، بل ولم تقتصر هاته الأصوات على المطالبة بإلغاء هذا العلاج الرادع بل وصورت المجرم كضحية وباتت تلقي اللوم كله على المنظومة المجتمعية والسلطات الحاكمة ودخلت في نقاش ـ وهو عَـارٌ في حد ذاته ـ جَعل من الفعل الإجرامي الذي قام به المجرم مجرد ضعف إنساني أو ضغوطا ـ مجتمعية ـ أو إكراهٌ تولد عنه هذه البشاعة وأن لهذا المجرم الحق في الحياة ـ رغم أنه استحل حق غيره ولايزال ـ وليذهب بعد ذلك دم الضحية هدرا وظلما ولتنسف في سبيل منظومة فكرية غربية نظم المجتمعات ولتضرب مرتكزاتها وليذهب حق أهل الضحية إلى البحر حتى إذا لم يجدوا منفذا لتنفيذه سيق المجتمع إلى الانفلات واللاأمن من المنحرفين الذين باتوا يجدون المبررات اللازمة لجريمتهم ومن المجتمع الذي بات يرى أن حقه مهضوما وحقه في أن يتحاكم لمنظومته الخاصة حلما جميلا.

بلغة الأرقام
تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع نسبة الجريمة في الجزائر خلال النصف الأول من العام 2020، فقد سُجِّل نحو ربع مليون جريمة، بمعدل 693 حادثاً يوميّاً تورط فيها أكثر من 220 ألف شخص، ويبدو جليا لمتتبع هاته الأرقام تحول جريمة القتل إلى ظاهرة خطيرة باتت تنخر المجتمع وإن لم نتداركها بتفعيل القَصاص كحل قاعـدي ـ ذي أرضية موجودة ومتكاملة ـ ستؤول إلى انعكاسات عميقة وعلى جميع الأصعدة ـ لا قدر الله ـ

دول ودلالات
والأمر الغريب أن عدة دول ـ لا تمت لمنظومتنا بأي صلة قد أخذت بأحكام بالإعدام ولازالت تعمل بها ومفكروها ومؤسساتها السياسية على دراية تامة بالحجج التي يتبناها مناهضو عملية الإعدام وهم ماضون في تنفيذها بل والدفاع عنها ولعل من أشهر الدول التي لازالت تقوم بتنفيذ عمليات الإعدام كل من: الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وسنغافورة والعديد من الدول الأخرى، ونحن هنا لا نقارن بين عملية الإعدام بين الأنظمة الوضعية التي تعاني النقصان في أصلها وبين القصاص في الشريعة الإسلامية الكاملة ـ فشتان بينهما ـ حيث يقوم ـ القصاص ـ على أسس ربانية ذات بعد متميز تختلف اختلافا جوهريا في منطلقاتها ومرتكزاتها وأساليبها عن أسس تنفيذ عقوبة الإعدام في القوانين الوضعية الموجودة في العالم فالقصاص في الإسلام يختلف جذريا عن ما هو معمول به في الدول الأخرى في كيفية الإحاطة بالموضوع وإثباته وتناوله وتطبيقه فهو قصاص وليس إعداما بل فرصة وحياة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:179}.

الأديان والأعراف على اختلافها تحرم قطعا التحرش وسفك دماء الأبرياء!!

أ. محمد مصطفى حابس – جنيف/سويسرا

ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم وخاصة البنات منهم، أسالت الكثير من اللعاب والحبر من طرف المختصين في بلاد الشرق كما في الغرب، وأولت لها الدول اهتماما كبيرا، كما اهتمت بها الجمعيات والهيئات الدولية والإنسانية، وسخرت لها ميزانيات وفضاءات اجتماعية وترسانات قانونية وندوات ومحاضرات، كما تعتبر من الجرائم المعروفة عبر التاريخ، التي تعاني من آثارها وسلبياتها النفسية والاجتماعية والقانونية، فالكثير من الدول الغربية اليوم، نظرا لضعف الوازع الديني في الغرب تدفع ثمن ذلك باهضا، أما في دولنا النامية فهو راجع لعدة أغراض مشبوهة وغير مشروعة، كالمتاجرة بالأعضاء البشرية، والسحر والشعوذة والاستغلال الجنسي..
وفعلا فقد أصبحت هذه الظاهرة تخيف اليوم جل العائلات المسلمة، وتستغل من طرف البعض لكهربة الأجواء بين أبناء البلد الواحد، مع أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق العائلات ذاتها، التي يجب أن تتحلى بروح المسؤولية وتقوم بمراقبة فلذات أكبادها، ومتابعتهم حتى في المراحل الجامعية وعدم السماح لأطفالهم بالخروج دون متابعة ورعاية، ورصد حركاتهم وعدم إرسالهم للتسوق أو اللعب في الأماكن المشبوهة و في أوقات غير مناسبة. إنها مسؤولية ثقيلة والكل معني بها من العائلة الى المحيط، فالمدرسة فالدولة فالمجتمع برمته !!..
وقد شرحنا بإطناب لمن أراد الاستزادة، في مقال مطول سابق بالفرنسية بجريدة «الشاب المسلم» الجزائرية بالفرنسية ( مارس/ أفريل 2021 / رقم41 – ص: 26-31)، تحت عنوان:
« Les femmes et le phénomène du célibat dans nos sociétés », paru dans Le Jeune Musulman, N°41, p. 26-31
و كذا مقالنا في البصائر و يومية « العمق المغربي» بتاريخ 14 مارس 2017 بعنوان: «اليوم العالمي للمرأة و واقع العنوسة في مجتمعاتنا ..أرقام مفزعة و بالملايين؟؟

إن الله يزَع بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن:
وقد جاءت الشرائع السماوية بالحفاظ على الضرورات الخمس: وهي الدين والعقل والنفس والعرض والمال، ومما يحفظها إقامة العقوبات الشرعية في حق الجناة والبغاة، ممن خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من أتاكم وأمرُكُم جَمِيْعٌ على رجل واحد، يُريد أن يَشُقَّ عَصَاكُم، أو يُفَرِّقَ جَمَاَعَتَكُم، فاقتُلُوهُ»؛ رواه مسلم.
وإن من وظائف الدولة الإسلامية ومهماتها وواجبات الولاة ومسؤولياتهم إقامة حدود الله وحفظ الأمن: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزَع بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمر، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات)؛ (الحسبة: 45).
وإذا أُقيمت الحدود الشرعية، فإن لذلك أثره الإيجابي على المجتمع، فيَسْتَتِبُّ الأمن، ويأمن الناس على أنفسهم، وأعراضهم وأموالهم.

الفضائح الجنسية لكبار مسؤولي الدولة والكنيسة في الغرب:
المثل العربي المعروف «حاميها حراميها»، قد يكون أبلغ لما يكون، الراعي والقدوة والمثل، هو صاحب الجريمة، وقد عايشنا وسمعنا في المدة الأخيرة، الفضائح الجنسية لكبار مسؤولي الدولة الفرنسيين، التي اهتزت بعدها الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية بفضائح الاستغلال الجنسي المقرف للأطفال داخل الكنيسة الفرنسية، نعم داخل «بيت الله»، كما يقولها بالفرنسية بعض الأولياء والضحايا، حيث اعتدى رجال الدين الفرنسيون على الأطفال جنسيا منذ عام 1950، الى يوم الناس هذا!!
ولحد الساعة، تزداد الدراما سوءًا، لأن الكنيسة الكاثوليكية هي في قلب الفضيحة، وحتى الوزير المسؤول (جيرار موسى دارمانين، وزير الداخلية والدين) من أصول جزائرية، يُحاكم بتهمة الاغتصاب.. كما تشير الإحصاءات العامة إلى أن ما بين 2900 و 3200 من أعضاء الكنيسة مدانون بالتحرش في هذه المؤسسة الدينية منذ 70 عامًا، وفقًا للهيئة المستقلة المعنية بالاعتداء الجنسي في الكنيسة بفرنسا.
Aujourd’hui le drame s’aggrave, vu que l’Eglise catholique est au cœur du scandale et même le ministre de tutelle (Gérard Moussa Darmanin, Ministre de l’Intérieur et des Cultes), est poursuivi pour viol. Des statistiques publiques disent qu’entre 2900 et 3200 pédocriminels membres de l’église ont sévi en 70 ans dans l’institution, selon la Commission indépendante sur les abus sexuels dans l’Eglise (Ciase) (3), depuis 1950.

فضائح كبار المسؤولين في أوساط اليهود المتدينين في إسرائيل ؟؟
في نفس الفترة، اهتزت أيضا في أوساط اليهود المتدينين في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة لعام 2021 أخبار فضائح واعتداءات جنسية غير مسبوقة تواجه بحملة شجب ورفض مشابهة لحملة «مي تو» (أنا أيضا) العالمية، وشعارها «لن تسكت؟». وقد انتحر كاتب قصص الأطفال المشهور حاييم والدر في ديسمبر قبل الماضي، الذي كان أيضا حاخاما بارزا في إسرائيل، بعد أن نشرت صحيفة «هآرتس» اليسارية مقالا اتهمته فيه بالاعتداء الجنسي على حوالي عشرين شخصا بينهم أطفال.. ونفى والدر ذلك، وانتحر في وقت لاحق. وكانت الصحيفة ذاتها أفادت في مارس بأن مؤسس جمعية «زكا» الخيرية يهودا ميشي- زحاف الفائز بـ «جائزة إسرائيل» التي تعتبر أرفع جائزة فخرية في البلاد، اعتدى جنسيا على فتية وفتيات ونساء.. وحاول ميشي- زحاف الذي رفض هذه المزاعم واعتبرها حملة «أكاذيب».. لكنه لم يستطع المقاومة بالمراوغة، فجعل نهاية لنفسه بالانتحار شنقا في شقته في أبريل قبل الماضي قبل بث قناة «إن 12» الإسرائيلية اتهامات جديدة ضده..

قضية «الجنس مقابل النقاط» تدنس الحرم الجامعي
أما في العالم الإسلامي فقد أثارت، خلال السنة الماضية قضية اعتداءات أخرى على الأبرياء، ظاهرة غريبة على المجتمعات المسلمة وجامعاتها، قضية ما بات يعرف اليوم في بـ«الجنس مقابل النقاط» لدى الرأي العام في المغرب الشقيق والجالية المغاربية في أوروبا، بعد التفاصيل المثيرة في إحدى الجامعات المغربية وتم الحكم على أستاذ جامعي بالسجن سنتين في ابتزاز طالباته جنسيا، لتظهر بعدها تفاصيل جديدة وروايات عديدة أخرى من طالبات أخريات في جامعات مغربية أخرى تعرضن لنفس الموقف ليستمر اشتعال فتيل الأزمة..
وفي شهادات أخرى مماثلة لإحدى الطالبات، كانت بداية التحرش، عند إجراء الامتحان، حيث وجدت نفسها في مواجهة مع أستاذها الذي اتهمها بالغش وأخرجها رفقة زميلة لها من القاعة، بعد سحب ورقة الامتحان وبطاقة الطالب منهما، بدعوى أنهما لا يتابعان الدراسة في فصله
ومع تزايد الشكاوى من هذا النوع في العديد من الجامعات المغربية، قررت «وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار» المعنية، اعتماد لجنة ثابتة للتحقيق في مثل هذه الملفات المشينة، كما خصصت الجامعات رقما هاتفيا وبريداً إلكترونياً قصد التواصل والإبلاغ عن مثل هذه الحالات الشاذة، بحسب وصفها!! لا لشيء إلا لأن الجامعة والمدرسة بصفة عامة لها قدسيتها، كقدسية المسجد ومكان العبادة،

نهضة المجتمع تمر عبر الجامعة
و تبقى كل هذه الاجتهادات الردعية الشكلية لطواقم الجامعات شبه مسكنات فقط لوباء مستشر في الحرم الجامعي المغربي والعربي منذ سنوات، ولم يطف الى السطح الا أخيرا، إذا لم يكن هنالك وازع ديني وعقابي صارم، «يتمثل أضعفه في الطرد النهائي للأستاذ الجاني من سلك التعليم مهما كان وزنه و «معارفه» ويأخذ حقه بالسجن سنوات، إذا ثبت عنه ذلك»، على حد تعبير أحد الأولياء المغاربة، وهنا يعجبني ما كتبه في صفحته أستاذنا البروفيسور عبد الحميد الشريف من جامعة باتنة، مبينا قيمة الجامعة وقدسيتها، تحت عنوان :» نهضة المجتمع تمر عبر الجامعة «، حيث كتب يقول – حفظه الله – : حُرمة الجامعة لا تُمنح بمراسيم بل تُكتسب باستحقاق، مبينا أن حُرمة الجامعة بعيدة كل البعد أن تختصر فقط على قوانين وضعية قابلة للتغيير تمنع دخول الشرطة أو قوات الأمن لمحيط الجامعة، بل هناك شروط أساسية ومفاهيم أولية مرتبطة بجوهر رسالة الجامعة، إذ أن حرمة الجامعة هي على وجه الخصوص ذِمّتها ومحترميتها، أي جَدارتها على كسب ونيل الإحترام وتتعدى هذه الذمة والمحترمية أسوار وجدران الجامعة بل وحتى حدود الوطن .. لأن مصداقية الجامعة من مصداقية الوطن وصورة الجامعة لدى المواطن تنعكس مباشرة على احترامه وحبه لوطنه وإتقانه لعمله وأداءه للأمانة على أحسن وجه، فالجامعة المُحترَمة هي تبجيل للعلم وأهله وهي دعوة للفضيلة و لأخلقة الحياة السياسية وأخلقة الإدارة ومن ثم هي منصة للنهضة الحضارية. وهذه الدعوات تكون كلها مستجابة من طرف الجميع إذا توفرت شروطها. والصورة المشرقة للجامعة ضرورة حتمية لبناء جسور التواصل البناء مع القطاع الاقتصادي لأنها تُقوِّي وتدعِّم ثقة المجتمع في نفسه وتحفزه على رفع التحديات. تماما كالثقات الفردية لا تكفي لبناء الثقة الجماعية بينما غياب هذه الأخيرة يؤثر سلبا على معنويات الفرد وأدائه مهما كانت مهاراته الفردية. وبالإيمان بقدرات شعوبها طلبة وأساتذة وبمنظومتها التربوية تمكنت دول بقيادات راشدة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا بالنهوض بمجتمعاتها كما فعلت ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.. و( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد11.

 

اختطاف الطفل جرم وعدوان واضطراب نفسي يتعلق بنمط الشخصية

د. خالد شنون / جامعة الجزائر 2

ظاهرة اختطاف الأطفال والمزايدة بحياتهم والتهديد ضد أسر المختطفين يعد من أبشع السلوكات التي تعبر عن أنانية الذات وعدوانيتها تجاه الطفل والمجتمع، ولا يمارس هذا العدوان إلا من يمتلك نمط شخصية يحمل دافع الإجرام. حتى إن الفعل جريمة مصنفة في القوانين والتشريعات الوطنية والدولية.
ويذكر في علم النفس أن لكل سلوك دافعا وعوامل تتعلق بالفرد في حد ذاته، كما قد تتعلق بالمجتمع والمحيط، إلا أن الفعل الإجرامي المرتبط باختطاف الطفل هذا لا يبرر عقلانيا ولا نفسيا ولا اجتماعيا إلا من خلال تجريم الفاعل كونه يرتبط بنوازع ذاتية ويؤذي الآخر لتحقيق مآرب آنية ومادية بغض النظر عن الأثر المترتب نفسيا وماديا وأمنيا من الفعل الإجرامي سواء على أسرة المختطف أو على المجتمع والرعب في نفوس الآخرين من رفقاء الضحية والمحيط ككل مما يجعل الأثر بليغا ولا يغتفر لمرتكبه.
وفي تحليل الظاهرة نجد أن نظريات نفسية عدة تطرقت إلى هذا الجرم على غرار التحليل النفسي، حيث يعزى هذا التصرف إلى نوازع ذاتية وأمراض نفسية مستواها عال لدى الفرد المجرم (قد تكون لا شعورية وغير واعية أحيانا) حيث يسعى هذا الأخير إلى تحقيق لذة بإذاية الآخر أو إلحاق الأذى في المجتمع، بل قد تكون خطوة لإثبات الذات في نظر المجرم. هذا على المستوى الفردي، واجتماعيا تفسر الظاهرة على أساس أنه جرما منظما وتسيره جماعات مارقة خارجة عن الأخلاق والقانون، وتمارس هذا الفعل لتحقيق مآرب مالية وإلا انتقامية ومساومات غير مبررة تماما. جماعات تعتقد أنه صعب اكتشافها وتمارس جرم منظم وتعتقد أن زرع الرعب في المجتمع من خلال هذا السلوك وسلوكات أخرى كالسرقة والجرم الالكتروني ..الخ هو مجال للحياة لدى هذه الفئة، وهي أفكار وتصورات لم تعد تلبي الغرض مؤخرا في ظل تطور وسائل المشف عن الجريمة.
أما سلوكيا فيفسر الفعل على أنه مثير واستجابة، حيث يتعلق الأمر بمثيرات انتقامية من المجرم تجاه أسر الضحايا نظرا لمساومات أو أسباب مادية تعزى إلى الحاجة للمال غير المشروع البعيد عن القيم الأخلاقية في اكتساب المال وغيره .. كما يمكن تفسير الظاهرة معرفيا من خلال التصورات التي يحملها المجرم حول الفعل وحول مآلات السلوك، مما يجعله يفسر الأمر بأنه هين وصعب اكتشاف المجرم فيه. كل هذا يجعل من الفعل الإجرامي المتعلق بالاختطاف يقوى بقوة التصورات الخاطئة، مما يجع الكل في المجتمع من أفراد ومؤسسات مسؤولون عن ضرورة نشر ثقافة الوقاية والتبليغ عن الفعل الإجرامي المتعلق باختطاف الأطفال. ومن الضروري أن تخضع هذه الظاهرة إلى مشاركة مجالات وقطاعات عدة في وضع خطة محكمة تمكن من الحد والقضاء على هذا السلوك المشين والمهدد للفرد والمجتمع .. ولعل الحصانة والوقاية بخصوص الظاهرة تتطلب مشاركة الجميع بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأمنية، إضافة إلى خلق وتطوير سياق اجتماعي يضبط ويكبح السلوكات المشينة التي تستبق الاختطاف، كنتيجة لتراكمات واضطرابات نفسية يعيشها الفرد في المجتمع فتتطور لينتقم الفرد من نفسه ومن الفرد الآخر بممارسة الإجرام المتعلق بالاختطاف.
وعليه فموضوع اختطاف الطفل موضوع متعدد الأبعاد، سهل وصف نتيجته وصعب أحيانا معرفة أسبابه، إلا أنه يحمل بعدا نفسيا كبيرا في ذات المجرم، ويعبر عن اضطراب ومرض سلوكي خطير وإجرام لا يغتفر. ويوصى بأن نخطو خطوات التنبؤ بهذا السلوك من خلال القياس وتاريخ الضحية في السلوكات المعادية للمجتمع، ولنا من المخابر والدراسات في علم النفس المرضي وعلم النفس الجريمة ..الخ من المعرفة العلمية المنيرة التي من شأنها أن تسهم في تحديد أنماط الشخصية الإجرامية الممارسة للاختطاف.

تعرية الجاني القاتل للأطفال

أ. كمال بن عطاء الله
عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين / بسكرة

من سُنن الله الكونية والشرعية التي لا تُحابي أحدا، أنّ انتشار الجرائم والظواهر السلبية الهدّامة عند الأفراد والمجتمعات مُنْبِئة عن تهاوي الأمم وسقوطها و تتزايد بمقدار بُعد النّاس عن منهج ربّهم المبني على الفطرة السليمة وحفظ الأنفس والأموال والعقول وهدي نبيّه محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا، ومن هذه الظواهر الناخرة لمجتمعنا جريمة اغتصاب واختطاف وقتل الأطفال والتي لم نكن نسمع بها أو تحدث منذ سنوات، لكن في هذه الأعوام الأخيرة توالت الأخبار تترى بحدوثها وفي مناطق حضرية وريفية في بلدنا الحبيب، ما تعريفها؟، ما سبب حدوثها؟،كيف ظهرت بهذه القسوة؟، لماذا فئة الأطفال بالضبط؟، كيف نعالج هذه الظاهرة الإجرامية؟، ما حكم الشرع الحنيف للحد من هذه الجريمة ومثيلاتها؟.
أعتقد أنّ أهم تعريف جامع لظاهرة اختطاف الأطفال أو سرقتهم يمكن إجماله في ما يلي : هو انتزاع قاصر (طفل لم يبلغ سن الرشد) من حضانة الوالدين الشرعيين للطفل أو الأوصياء عليه الموكّلين قانونا برعايته دون وجه حق. والخطف أو الاختطاف هو الذي يقوم به الغرباء(من خارج الأوصياء الشرعيين أو القانونيين) بأساليب مختلفة.
من أهم الأسباب التي أدّت إلى تفشي هذه الظاهرة هو استشراء الشرك بالله والاستهانة بالأرواح والأنفس المعصومة والانحلال الخُلقي والتحلّل الأسري الذي أنتج لنا جُناة من الجنسين من الشباب ومن مختلف الأعمار يعبدون المال والشهوة ويسلكون في سبيل تحصيلهم كل سهل ووعر وزادت المخدرات والمهلوسات اتساع رقعة الانتشار وظهرت العُقد النفسية والحالات الانتقامية وكذا الشعوذة التي تُعدّ من أهم الدوافع للاتجار بالأعضاء وكما علمنا مما صدر من التحقيقات إنّ البعض يتاجر طبيا بالأعضاء البشرية .
ظهرت هذه النتائج والحوادث الوخيمة حينما ابتعد الفرد ابتداءً عن الهدف الذي خُلق من أجله قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} سورة الذاريات ، والعبادة المذكورة هنا في الآية الكريمة هي اسم جامع لكل عمل أو قول أو سلوك ظاهر أو باطن معروف مقبول شرعا وعقلا وعرفا يحبه الله و يرضاه والابتعاد عما ينافي ذلك كله، فتجد هؤلاء الذين اقترفوا مثل هذه الجرائم قد تعدّوا حدود الله وخالفوا بأفعالهم الشنيعة ما خُلقوا من أجله وهي شاهدة على تصوراتهم الفاسدة ومفاهيمهم الكاسدة عن الكون والحياة وهم طبقات ففيهم المتعلم وصاحب الشهادة والجاهل والفقير والغني والذكر والأنثى، قد تكون التنشئة الأسرية الفجّة أو الناتجة عن التربية العنيفة أو طلاق الأبوين أو فسادهما أخلاقيا أو العوز المادي ساهم في بروزها لكن للأسف هناك الملايين من الأفراد عاشوا مثل هذه الظروف ولم ينحرفوا ولذلك ليس معيارا ومؤشرا وحيدا ، لكن الأكثر تأثيرا في نظري وحتى الإحصائيات العالمية والمحلية تُشير إلى الآثار المدمرة للمخدرات والمهلوسات التي انتشرت وأصبح أصحابها والمدمنون عليها لا يهابون شيئا من أجل الحصول عليها ومن ثم الإدمان عليها الذي يكلفهم كل مستحيل وعويص، ومنها انتهاك الحرمات وقتل الوالدين والأشقاء فما بالك بالأطفال القصّر العاجزين، ومن تحليلات الراصدين لهذه الظاهرة من متخصصين نفسانيين وصحافيين ودعاة وأئمة مساجد أنّ مقترفي هذه الجريمة يسعون لخدمة شهوة نفسية مرضية يتلذّذون فيها بعذابات الآخرين عندما يرون الأهل يبكون ويبحثون عن المختطف المقتول بعدما اغتصبه عُنوة وقطّعه إربًا أو خنقه بسلك أو خيط (واعتقد أنّ هؤلاء شواذ بأفعالهم)، وفيهم من هدفه الابتزاز للحصول على المال وعندما ينكشف يتخلص من الضحية بالطرق السابقة، والأمّر رغم قِدم هذا الدّاعي إلا أنّه ظهر بشكل قوي وهو استيقاظ أعمال الشعوذة واستعمال أعضاء الموتى في الأعمال السّحرية وهذا منتشر مع أخبار انتهاك المقابر والقُبور وخاصة من طرف النِسوة المشعوذات وحتى بعض الرجال حتى وإن تلبّسوا بتجارة الرقية (ولا أتّهم الرقاة الشرعيين)، والذي يحز في النّفس أننا نسمع الاتجار بأعضاء البشر بيعا وشِراءً فهل هناك عيادات؟، أم كهوف يتم فيها هذا الأمر؟، ومن يديرها أطباء أم من؟، هذا جزء يسير من أسباب هذه الظاهرة التي تٌدمي القلب وأصابت أطفالنا وأكبادنا ومستقبلنا الزّاهر وأعتقد أنّ استهداف هذه الفئة لضعفها وقصورها في الدفاع عن نفسها وسهولة الاختلاء بها وحملها وتنفيذ ما ذكرناه لنحالة أجسامهم وربّـما لأنها مطلوبة طبيا وعند المشعوذين دون غيرها ….. وللقضاء على هذه الجرائم خاصّة يجب علينا الأخذ بهذه التوصيات:
من باب الوقاية والاستشعار والترقب والتعقب يجب تكاتف الجميع كل في مجاله، المتخصص النفساني في عيادته والمعلم المربي في قسمه وساحات تأثيره والإمام في منبره والداعية في مواعظه ودروسه والصحافي في صحيفته والكتّاب الرساليون من خلال ما يكتبون والمؤثرون من أصحاب صُنّاع الرأي على المنصّات الاجتماعية، لأجل قضّ مضاجع مُفسدي المجتمع من مُشعوذين ومروجي المخدرات ومحاولة معالجة هذه الظاهرة باحتواء الشباب ومحاورتهم واحتوائهم والرحمة بهم ليتوبوا إلى الله ويرجعوا عن غيّهم ويبتعدوا عن طرق الغِواية والانحراف.
من واجبات الأولياء احتضان أبنائهم وحراستهم ومرافقتهم في المدارس وأثناء اللّعب في السّاحات وفي المتنزهات وعلى الشواطئ وفي المناسبات (الأفراح، العزاء) وتدريبهم على التعامل مع الغريب.

من واجبات السلطات تكثيف الدوريات الأمنية ووضع الأشخاص المشبوهين تحت الرقابة الأمنية وتبني منهج الاستشعار الاستباقي لهذه الفئات التي لابد من التعامل معها بيد قوية .
من الناحية القانونية و المنظومة القضائية نحث ونؤكد على وجوب تفعيل القوانين الرادعة وبكل وضوح الخاصة بنشاطات المشعوذين وبائعي ومروجي المخدرات والمهلوسات، إعادة تفعيل قانون الإعدام للذين ثبت في حقهم هذا الجرم .
ولن نجد في التعامل مع هؤلاء المنحرفين المجرمين وأمثالهم أفضل مما افترضه الله في حقهم فهو عين الرحمة بهم وبالمجتمع والإنسانية و هو قمّة العدل للحفاظ على حقوق النّاس وحريّاتهم والإبقاء على النوع الإنساني، قال الله تعالى : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية: 179 سورة البقرة، تدبر هذه الآية في كلمة «القِصاص» ولم يقل «القتل»، والقصاص يكون كما كانت الجناية، من غير زيادة، ولا نقصان، بأن يُفعل بهذا الجاني كما فعل بالمجني عليه، فهذا من قصّ الأثر إذا تبعه، «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ» و هو من التقوى وهو يخاطب أولي الألباب العارفون بالمصالح والمفاسد وحقوق العباد فيما بينهم، فلم يقل: ولكم في القتل حياة يا أولي الألباب؛ لأن القتل بحد ذاته ليس فيه هذه المصالح المُشار إليها في هذه الآية. وقال ابن كثير – رحمه الله- في تفسير هذه الآية: ولكم في القِصاص حياة) يقول تعالى: وفي شرع القِصاص لكم وهو قتل القاتل حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء الـمُهج وصَونها; لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتل أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز ). ولكم في القِصاص حياة) قال أبو العالية: جعل الله القِصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل، فتمنعه مخافة أن يقتل. وكذا روي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان )، يا أولي الألباب لعلكم تتقون) يقول: يا أولي العقول والأفهام والنهى، لعلكم تنزجرون فتتركون محارم الله ومآثمه، والتقوى: اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات. أما علامتنا المجدد الشيخ عبد الحميد ابن باديس- رحمه الله- في شأن القِصاص يقول: [الردع عن العدوان بشرع القصاص] وفي موضع آخر يصرح: [لا يحفظ النفوس إلا العدل ] ويقول في القِصاص: “تسكين نفس الموتور” الموتور هو من قتل قريبه. (راجع الشّهاب م6 ص404و405 ربيع الأول 1349هـ / أوت1930م، [م6ص449و450 طبعة الغرب الإسلامي]).
إنّ الفساد العقدي والأخلاقي يؤدي إلى الفوضى و اللاأمن والتقاتل وبلدنا والحمد لله مازالت فيه بقية صالحة من ذوي الهمم العالية في المستويات المختلفة عليها أن تتحد وتتعاون لتحفظ كيان الأمّة من التشظي والتفتت الذي يسعى له أعداؤنا في مختلف الجهات وأصعب ما لا نريده فساد الأجيال فهلمّوا إلى الرشد والتطبيق العملي في إخلاص لله وحده وسعادة هذه الأمّة في الدّارين.

 

اختطاف الأطفال وقتلهم…
ظاهرة تحت المجهر

بلخيري محمد الناصر
عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين – تبسة

الطفولة من الدعائم المستقبلية للمجتمع والأمة ككل، لذلك تبقى أولوية قصوى في مرمى اهتماماتنا بكل أبعادها الأخلاقية والروحية والفكرية الحضارية، لتكون جاهزة لتحمل المسؤولية والقيادة، وتساهم في التنمية والبناء ورفع القدرة العلمية والفكرية والاقتصادية، في مواجهة التحديات التي تعترض مسيرة نهضة البلاد، إنّ الاهتمام بالأطفال هو ربط الحاضر بالمستقبل وبناء جسور تتلاقي في منتصفها الأجيال، لنشكل شعلة علمية تنير أركان أمتنا وتربط المشرق بالمغرب، ليتوهج وجودنا وتثبت أقدامنا في وقت صعب تُزّل فيه أقدام، وهذا باعتبار أن الطفولة من المراحل المهمة العمرية التي تُبنى فيها الشخصية وتظهر في مراحلها القدرات والمواهب وتتعزز بما لقن لها وما علق بها من قيم.
ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم، أسالت الكثير من الحبر من طرف المختصين، وأولت لها الدولة اهتماما كبيرا، كما اهتمت بها الجمعيات والهيئات الدولية والإنسانية,وسخرت لها فضاءات اجتماعية وقانونية وندوات ومحاضرات، كما تعتبر من الجرائم المعروفة، التي تعاني من آثارها وسلبياتها النفسية والاجتماعية والقانونية، الكثير من الدول وخاصة النامية منها، وهذا راجع لعدة أغراض مشبوهة وغير مشروعة، كالمتاجرة بالأعضاء البشرية، السحر والشعوذة والاستغلال الجنسي، وربما أجندات أجنبية القصد من ورائها زرع الفوضى في البلاد.
وقد وجهت كل تلك الاهتمامات من أجل تحليلها والوقوف على أسبابها ومعرفة العوامل المساعدة على انتشارها، والحد من مخاطرها، وهذا لا يتأتى إلا بتضافر كل الجهود، فالكل معني بهذه الظاهرة الخطيرة الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي الجزائري، أفرادا وجماعات، جمعيات ومؤسسات، كما يعتبر التنسيق الأمني ابتداء من اللجان الأمنية في المجالس الشعبية البلدية, إلى الدائرة, إلى الولاية، مرورا بوزارة الداخلية إلا أعلى هرم في السلطة، فالظاهرة إن اتسعت دائرتها، ستتعدى كونها اجتماعية لتصبح سياسية تتداعى لها كل المؤسسات والتكوينات الحزبية، لأنّ أمن واستقرار المجتمع من استقرار الدولة.
فترويع الأسرة باختطاف ابنها وقتله والتشهير بجثته، عمل إجرامي يزعزع المجتمع, وهذا عمل جبان يراد به العبث بأمن البلاد والعباد، وقد يكون عملا تقف وراءه أجندات أجنبية، فكلّ شيء جائز ومباح في عالم المصالح والماديات والتموقع الإستراتيجي والاقتصادي.
وفعلا فقد أصبحت هذه الظاهرة تخيف العائلات الجزائرية، وتستغل من طرف البعض لكهربة الأجواء، مع أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق العائلات، التي يجب أن تتحلى بروح المسؤولية وتقوم بمراقبة فلذات أكبادهم، ومتابعتهم وعدم السماح لأطفالهم بالخروج للعب في الفضاءات دون متابعة ورعاية، ورصد حركاتهم وعدم إرسالهم للتسوق. إنها مسؤولية ثقيلة والكل معني بها، والعمل على إيجاد أسبابها والقضاء عليها.

 

مكانة الرفق وإشكالية العنف في المجتمع الجزائري

عادل بن جغلولي
عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ـــ مسيلة

الرفق،،، تلك الكلمة الرقيقة اللطيفة التى ما حلت بمكان ولا بساحة إلا وأتت أكلها وأينعت ثمارها، فما كان في شيئ الا زانه كما اشار الى ذلك رسولنا الرفيق، فهو الذي نال وسام الرفق من الرحمان الرحيم ” ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” الاية ، ولو لم يعلم ذلك الجمل برفق الحبيب لما شكاه قسوة صاحبه،حتى الجذع حن الى رفقه صلى الله عليه وسلم، والرفق دائما مرفوق بالرحمة ” لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” الاية، والكلمة الطيبة رفق، واماطة الاذى رفق، اعانة الرجل على دابته رفق، ارشاد الضال رفق، مسح راس اليتيم رفق، مسح دمع الثكالى رفق، طاعة الوالدين رفق، زيارة اولى الارحام رفق، الاحسان الى الاهل رفق، الاحسان الى الجار رفق، توقير الكبير رفق، العطف على الضعيف والمسكين والفقير رفق، الابستامة رفق، وجه طلق تلقى به غيرك رفق…
وحتى الذبح الذي ظاهره القسوة امر رسولنا بالرفق فيه “فليحد احدكم شفيرته وليرح ذبيحته..” الحديث، لنتأمل حالنا ولنسأل عن مكانة هذه القيمة الراقية بيننا؟
لا نحتاج الى جهد كبير لنكتشف أن العنف والقسوة والغلظة قد أخذ حيزا شاسعا من محيطنا الاجتماعي فأحاديثنا النمطية المألوفة تعج فضاضة وغلظة فالزيارة مثلا يعبر عنها بالضرب “اضرب دورة !!” والضرب كذلك يعبر عن اقتناء شيئ ذي قيمة “ضرب فيها سيارة..!!” وعن استقبال شخص ما ” كي تكون رايح ادهمني للدار !!” وهي كلمة تقال في الوسط والشرق الجزائري …
وأما ممارساتنا العادية فحدث ولا حرج ، رفع الاصوات عنف وقسوة(واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ..) الاية سورة لقمان، السب والشتم قسوة،الغش والخديعة قسوة، الكلام البذيئ المنتشر كالنار في الهشيم في حواراتنا وحتى في الأحاديث العادية عنف وقسوة، رفع السكاكين والسيوف بين الاحياء عنف وقسوة، تربية الكلاب قصد الترويع عنف وقسوة، اذى الجار عنف وقسوة، سب الله بالفحشاء كفر وعنف وقسوة، النصب، الاحتيال عنف وقسوة…
حتى بعض المساجد وقد شاهدت أحد المصلين يريد أن ينصح الاولياء بعدم جلب اولادهم الى المسجد لتجنب الفوضي لكنه أحدث فوضى عارمة برفع صوته، فتساءلت متعجبا متى تتحول الموعظة الحسنة الى مبدأ لحواراتنا ونقاشاتنا بدل القسوة والعنف ؟! وهل صحيح ان الفرد الجزائري لا يحسن لغة الحوار؟؟ البعض منا يجمعنا المسجد الواحد حتى اذا خرجنا ولقيته لا يحييك واذ حييته لا يكاد يرد الا تمتمه، فهل نحن في عالم جمعتنا فيه الغلظة والصياح بدل الالفة وخفظ الجناح!؟
ترى أحد الدرسات الاجتماعية حول ظاهرة العنف في الجزائر وقد ربطها الباحث بالمكنونات التاريخية وما تعرض له الشعب الجزائري عبر تاريخه من القسوة ” لا مناص من التّسليم، بأنّ الصّدمات العنيفة التي تعرّض لها المجتمع الجزائريّ عبر مراحل تاريخيّة معيّنة تركت أثرها البالغ في العقل الباطن للمجتمع الجزائريّ وساهمت إلى حدّ كبير في هيكلة مختلف أبنيته وأنماط تفاعله مع الآخر. ومن ثمّ شكّل العنف العمليّة الاجتماعية الأكثر ممارسة والأداة المثلى في الخطاب وإنجاز التّغيير وتلبية الحاجات وتحقيق الوجود”. الاستاذ د. على سموك، إشكاليّة التّأريخ للفعل العنيف في المجتمع الجزائريّ، جامعة عنابة
العنف والقسوة والغلظة والفضاضة والبذاءه والتلفظ بالكفر الاكبر المستبين وقلة الادب، هل اصبح واقعا نعيشه في ظل عدم اكتراث الصالحين مع كثرتهم من جهة!! وقلة الناصح والمصلح من جهة اخرى، والأمن الذي يشعر به اولئك الرعاع أو الأوباش كما يحلو لصديقي جلول تسميتهم حتى اصبح لهم شأن ؟! هل اصبحت قيم ومعايير ابن ابي سلمى هي الحكم والفيصل في ممارساتنا اليومية:
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِـهِ  يُهَـدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَـمِ ؟!
ولعل آخر ما سمعناه وشاهدناه ولا نزال تحت الصدمة ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم والتنكيل بهم هذه الجريمة الشنعاء التى ترفضها كل الشرائع انما هي دليل ومؤشر خطير على انحدار مجتمعنا نحو الجريمة والعنف هذا السلوك الاثيم اذ لم تتحرك العدالة ومن ورائها المجتمع للضرب بيد من حديد وتفعيل القصاص ليعتبر كل مجرم تسول له نفسه العبث بأمن وسكينة المجتمع.
“ولكم في القصاص حياة ..” الاية، فعندما تغيب الشريعة تحل الفوضى لا محالة، وعندما تعطل الحدود تنتهك المحارم، ومن أمن العقوبة اساء الأدب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com