العـمل الخيري… واقع وآفاق

أبو ياسين/
تحت هذا العنوان الكبير أقامت شعبة أم البواقي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين لقاء هو الأول من نوعه في مجاله؛ حيث التقت أكثر من خمس وعشرين جمعية خيرية بين بلدية وولائية ووطنية، بدعوة من شعبة أم البواقي البلدية ولجنة الإغاثة في الولاية.
وتم اللقاء في رحاب قاعة فسيحة تابعة للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية (نشكر بالمناسبة مديرها الكريم على حسن الاستقبال وتهيئة الأجواء المناسبة لهذا اللقاء النوعي الرائع).
وقد كان تنظيم اللقاء الذي سمّاه الإخوة المنظمون «الملتقى البلدي الأول» لمدارسة شؤون العمل الخيري في بلادنا، مع أخذ بلدية أم البواقي (وولايتها) كنموذج حيّ من الواقع.
كان تنظيم اللقاء منقسما إلى شقين:
الشق الأول: المتحدثون الرئيسيون: وكانت الكلمة لكل من الإخوة الأفاضل الأساتذة: سليم روّار، رئيس شعبة أم البواقي الولائية السابق، والأستاذ الجامعي المعروف.وتحدث عن «التآلف» في العمل الخيري، وتعزيز روح الربانية في صفوف العاملين في هذا الحقل الخيري العظيم.
كما تحدث الشيخ الأستاذ عمار بوزير الإمام والداعية المعروف في المنطقة عن «البعد الإيماني ـ الرباني في العمل الخيري» مع تركيزه على الإخلاص الذي هو سرّ الأسرار في قبول الأعمال، عند الله تعالى، وسبب من أهم أسباب ثباتها وانتشارها وقوتها في أرض الواقع.
مؤكد على أنه لا بد من استحضار هذا البعد دائما وأبدا، وانتهاج النهج الإيماني في كل عمل نقوم به، بما يعني تجديد النية وتأكيدها في كل وقت.
المتحدث الثالث الدكتور دمّان دبيح المتخصص في القانون، واستعرض المحاضر عددا من القضايات ذات الصلة بالعمل الجمعوي، وبيان الأصول القانونية التي تحكمه، وأنه من الضروري أن يأخذ العاملون في الحسبان هذا المعطى (القوانين) في كل أعمالهم؛ حتى لاتتعرض تلك الأعمال للتعطيل أولأي إشكال يمكن أن يعوق حركتهم في الميدان .وبالطبع لا عذر لجاهل بالقانون في هذا المجال كما في أي مجال آخر، فضوابط أي قطاع أو ميدان عمل هي القوانين أساسا، ثمّ تأتي بعد ذلك الأمور الاجرائية.
آخر المتحدثين في مفتتح هذا الملتقى الأول الرائع الذي جمع صفوة ممثلي الجمعية المحلية وغير المحلية في أم البواقي كان الأستاذ حسن خليفة أستاذ جامعي وعضو المكتب الوطني مراقب الشرق؛ حيث أكد في كلمته على أهمية إعادة صياغة «منظور «العمل الخيري، وأيضا إعادة ضبط عقارب البوصلة في مجال العمل الإنساني الخيري، الذي لا ينبغي فهمه فقط في الإطار التقليدي (المساعدات، القفة، الحملات الإغاثية الموسمية وغير الموسمية، المساعدات في الدخول الاجتماعي/المدرسي إلخ..)..
إذ إنه بالرغم من أهمية ذلك بطبيعة الحال، فإن هناك ميادين أخرى تحتاج إلى اقتحامها ودخولها، وهي أيضا ميادين مهمة وعظيمة الأثر والنفع في مجال العمل الخيري الإنساني، ومنها:
ـ المرافقة النفسية والعاطفية للأفراد والمجموعات
ـ تعميق بيداغوجيا التواصل الإنساني بالمواساة، والتفقد، والرعاية والكلام الجميل المؤثر.
ـ الولوج إلى عالم الشباب المأزوم (مختلف الأزمات) ومساعدته على الخروج من دوائر «التأزم» بأشكال مختلفة، والأخذ بيده إلى عوالم الأمل والراحة والطمأنينة.
ـ وقال المتحدث إن وسائل وأساليب العمل الخيري (المعنوي) كثيرة ومتعددة، وفي مختلف الشرائح والأعمار، وللجنسين معا (الرجال والنساء).. ولعل من سمات هذا الحقل في العمل الخيري قلة احتياجه.
إلى الموارد المالية التي هي عماد المساعدات الخيرية في المجال الأول المعروف (العمل الخيري الاجتماعي).. بل يكفي في هذا الميدان الثاني (العاطفي ـ المعنوي ـ النفسي) تجنّد أعداد من الاخصائيين والمهتمين وأصحاب الخبرة الانسانية والتربوية، وتوزّعهم على مختلف المؤسسات والميادين الاجتماعية (مؤسسات التربية والتكوين ـالجامعات ـالأسر والعائلات ـ المؤسسات الاستشفائية، بل حتى الإدارات والمؤسسات ذات الطابع العام.. الخ)… وبتوزّعهم ينشرون الخير والمعاني السامية، واللطف، ويدخلون على القلوب السرور والمودة والدفء.ومثل هذه الأعمال أجرها كبير عند الله تبارك وتعالى.
ثم أتيحت الفرصة للمتدخلين الممثلين لكل الجمعيات التي حضرت(25 جمعية) فكانت لهم تدخّلاتهم التي تمحورت حول عدد من المعاني المهمة نذكر ببعضها هنا:
1ـ الإنسان الجزائري في عمومه إنسان خيّر أو لنقل كائن خيري.
2ـ المجتمع الجزائري مجتمع خيّر، يُعرف في الملمّات والظروف الخاصة وهذا معطى مهم جدا.
3ـ يعرف العمل الخيري للأسف ( في الوطن كله) اختلالات كبيرة، تجعله يعيش فوضى كبيرة، ولا بد من إيجاد حل لهذه الفوضى، لتحريره من الضيق الذي يعاني منه ويخرجه إلى «الوسع» العام المفيد.
4ـ يوجد عدم تنسيق، أو فلنقل قلة تنسيق بين العاملين في الحقل الخيري، وهذا له أسبابه المختلفة.
ويجب السعي الحثيث ردم هذه الفجوة بين الجمعيات، والبعد عن التنافس السلبي، والدخول الى عالم التكامل والتواصل المنظم المفيد المثمر للمجتمع وأفراده.
5ـ هناك ثقل بيروقراطي غير مبرّر، يجده العاملون في بعض الإدارات ذات العلاقة بالعمل الخيري يتمثل في كثير من أساليب العرقلة والتهميش وربما الاحتقار.وقد طالب المتدخلون بتدخل الدولة ورئيس الدولة وكل المسؤولين الخيّرين لرفع هذا «الثقل» القاتل للبيروقراطية بكل أنواعها؛ خاصة بالنسبة للجمعيات العاملة الصادقة التي برهنت مرات كثيرة على مصداقيتها وجديتها.
6ـ ضرورة تدريب العاملين في مجال العمل الخيري وتكوينهم وتأهليهم قياديا، بما يجعلهم يقدمون أداء أحسن وأفضل، ويظهرون بمظهر إيجابي قوي أمام المجتمع وأمام السلطات.
7ـوقد ذكر المتدخلون أيضا نماذج من الاختلالات هنا وهناك آملين أن يجتهد الجميع (الحاضرون ) في سبيل تحرير العمل الخيري من كل السلبيات التي أُلصقت به، قصدا أودون قصد.
8ـ كما طالبوا باحترام التخصص في كل جمعية (فكافل اليتيم تهتم بما يجب الاهتمام به، والجمعيات ذات الطابع الطبي أو الصحي تهتم بما يجب، والجمعيات الثقافية التي تحسس وتقدم للمجتمع ثقافة تهتم بذلك دون أن تنزلق إلى أعمال لا تخصها..)
وقد لقيت التدخلات والتعليقات استحسانا كبيرا من الحضور، باعتبارهم معنيين جميعا بذلك.
وافترق الحضور بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة على أمل اللقاء مرة أخرى لتعزيز عرى التعاون والتنسيق، مع نشر للتوصيات والعمل على إصدار «ميثاق شرف للعمل الخيري» في ولاية أم البواقي وهو ما سيتم الإعلان عنه وتوقيعه في الأسابيع القليلة القادمة.