رفـــــع الرايــــة فــي إدراك الــغــايــــــــة
الشيخ نــور الدين رزيق/
لا تمكين لهذا الدين ولا ترفع راية الإسلام إلا إذا أدركنا الغاية التي وجدنا لأجلها، ومنها انطلق أساس بناء دولة الإسلام مع نزول المصطفى صلى الله عليه وسلم بـ«يثرب» المدينة النبوية، من يحدد لنا هذه الغاية إذن؟.
الأصل أن العبد يتعلّق بالغاية التي يريدها الله لنا، الغاية التي خلقنا من أجل الوصول إليها، الغاية التي سنحاسب على أساسها، وليس بحثنا عن الغايات المختلفة التي يضعها الناس لأنفسهم.
إنّ جميع البشر لا يمكن أن يعيشوا بدون غايةٍ ما، مهما كانت وضيعةً أو سخيفة. فهذا يريد المنصب الفلانيّ، ولأجله يفعل أيّ شيء، وقد يبذل كلّ غالٍ ورخيصٍ ويضحّي في سبيله بآلاف الأشخاص. وآخر يرى غايته القصوى وسعادته النهائيّة في راحة البال والاستقرار أو في كثرة الأموال والأولاد، وهكذا…
إن الله جل في علاه خلق الخلق لمهمة جسيمة ولغاية عظيمة، وقد جمعها في قوله جل في علاه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، وقال جل في علاه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وقال جل من قائل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]
قال ابن كثير رحمه الله:
«أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون، أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: إلا ليعبدون، أي: إلا للعبادة «انتهى» تفسير ابن كثير» (4/239).
الصحابة الكرام فهموا هذه الغاية ولذلك تحقق على أيديهم التغيير الرسالي المطلوب، تفكيرهم، انشغالهم، هموم الدنيا لا تنسيهم هذه الغاية حتى في حال الفتن، بينّ ذلك الحديث الذي رواه مسلم وغيره، عن النواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنّه شاب قطط، عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنّه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا». قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم». قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له قدره»، لهول الموقف وهذه الفتنة العظيمة لم تنسهم الصلاة و عبادة الله التي لأجلها خلقوا.
هل المهندس المعماري أو الهيئة التي وضعت مخططا سكنيا لـ300 أو 400 مسكن وهيئت كل المرافق: التربوية والترفيهية من مدرسة وسوق ومركز بريد وغيرها من مستلزمات الحياة وهي ضرورية، لماذا لم تضع مساحة يبنى فيها مسجد لعبادة الله عزوجل؟! ومرجعيتك هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بناء مسجده قبل بناء بيته بالمدينة النبوية المنورة بعد الهجرة.
إن هذا المسؤول غير رسالي ولم يفهم غاية وجوده في هذا الكون، كان شيخنا أحمد سحنون عليه رحمة الله يقول:
حي دون حي (المسجد) ما هو حي (ميت) تقضي عليه الآفات والحشرات البشرية.
تدخل غرفة الفندق في بلد مسلم لا دليل يرشدك الى جهة القبلة، وكذلك الحال في المدرسة والمصنع، وقس على ذلك سائر الإدارات، منطلق التغيير لواقع الأمة أن تبني الفرد الرسالي وليس إنسانا آليا لا روح فيه.
هذا هو سر نجاح الصحابة -رضي الله عنهم – الذين تغير حالهم فغيّروا بعد ذلك العالم من حولهم في عشر سنين.