التغيير واجب وضرورة (2)

أ. مرزوق خنشالي /
الخاطرة الثانية: مبررات التغيير
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”، الرعد (11).
إن التغيير سنة إلهية ثابتة مستمرة، عبر العصور والأزمان لا تتخلف، وملمح من ملامح هذا الكون المتحرك، والتغيير ليس هدفا في حد ذاته بل هو وسيلةٌ للتجديد والتطوير لغايةٍ تجعل المستقبلَ أفضل، ولذلك يطلق عليه التغيير الإيجابي الهادف؛ فلا بد له من مبررات وأهداف تحكمه وإلا صار عشوائيًا شكليًا دون مخططٍ ولا غايةٍ…
مبررات التغيير:
1. مواجهة المشكلاتِ المعترضةَ طريقَ سيرِ الجمعية أو المنظمة وتقدمِها، اقتصاديًا واجتماعيًا وإداريًا…
2. استيعاب الكفاءاتِ والطاقاتِ واستغلالُ المواردِ والإمكاناتِ…
3. إثباتُ الذاتِ وإبرازُ القدراتِ والكفاءاتِ البشريةِ الكامنةِ التي تزخَرُ بها الجمعيةُ أو المنظمة؛ من علماءَ ودعاةٍ وإطاراتٍ والاستفادةُ منها في شتى المجالات…
4. تطوير الأداء وتحسين التفاعل وشحذ الفاعلية وتقويةُ روحِ التنافسيةِ والمحافظة على الإرث التاريخي الحضاري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين…
يقول مالك بن نبي– رحمه الله-: “من أول واجباتنا تصفية عاداتنا وتقاليدنا وإطارنا الخلفي والاجتماعي مما فيه من عواملَ قَتَّالةٍ ورِمَمٍ لا فائدة منها حتى يصفوَّ الجوُّ للعواملِ الحيةِ، والداعيةِ إلى الحياة.
ولن تتأتى هذه التصفية إلا بفكر جديد وهو وضع النهضة.
ونخلص من ذلك إلى ضرورة تجديد الأوضاع بطريقتين:
الأولى: سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي.
الثانية: إيجابية تصلنا بالحياة الإيجابية.”
وبالتالي لا بد من إعمال العقل تثقيفًا وتخطيطًا وفهمًا من أجل تغيير إيجابي على المستوى العام.
ويكون التحرك محصنًا من الدسِّ والتشويش الذي قد يمارس لتصنيع الأهداف المضادة.
فالبرمجة العلمية للأهداف أمر مهم…
معوقات التغيير:
قال الله تعالى: “ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” سورة: الأنفال، آية:53
لا يمكن الانتقال من وضع إلى وضع إلا بسبب، وقانونُ الله لا يحابي أحداً، فإذا غير الناسُ؛ غير اللهُ عليهم، ونفذت سنتُه فيهم، فحدوثُ التغيير من الله مترتِّب على حدوثِه من البشر، إن حسناً فحسن، وإن سوءًا فسوء… . والتغيير سنةٌ عامة في حياة البشر، ليست خاصة بأمة معينة…
وإنه من الأمور البالغة الأهمية في تطوير أعمالنا والارتقاء بمشاريعنا أن نتخلص من كثير من العادات والأفكارٍ السلبية التي تَحُدّ من حركية التغيير الإيجابي وقدرته على إحداث نقلة نوعية في سير الجمعية، حتى لا يصيبها الوهن والعجز الذاتي؛ وقد تعرضت رسالات الله جل وعلا لمقاومات شديدة، وقوبل أنبياء الله ورسله بنوع الاضطهاد والتعسف والعناد ليس إلا لأنهم جاؤوا من أجل التغيير؛ إنه ناموس الحياة…
ولعل تبياننا لبعض العلل والمعوقات التي قد تعترض لسنة الله في الحياة التغيير، سوف يزيدنا فهما لعملية التغيير ذاتها، وسوف نشير إلى أبرز هذه العلل:
1- ركود الحركة الاجتماعية وتهميش العمل الجمعوي الجاد، وسيادة النفط الخاوية بدل الرزم الحاوية ومن المعلوم أن الإبداعات والابتكارات إنما توجد حيث يتوفر المناخ المساعد، وأن العزلة تقتل الملكات…
2- إعراض المجتمع عن تقبل المتغيرات، لأن المجتمع الراكد الخلود إلى الموجود…
3- الاستفراد بالقرارات وإقصاء الطاقات وتجاهل الكفاءات…
4- طغيان النزعة الذَّرِّيَّةِ على التفكير: أي سيطرةُ العقليةِ التجزيئيةِ وغيابُ التحليلِ المتكاملِ، والنظرُ للمشكلة من زاويةٍ واحدةٍ دون استجماعٍ لكافة الأبعاد والأسباب، مما يؤدي إلى سطحية في إدراك عملية التغيير…
5- التمسك بالقديم لصعوبة تغيير العادات المتأصلة، والتقاليد المتجذرة…
6- الخوف من التغيير ومن الشيء الجديد الذي لم يجرب بعد، والخوف على الحقوق المكتسبة…
7- كلفة التغيير بما لا يسمح للجماعة من إمكانية تقبله…
فلا يمكن لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن تتسنَّمَ قمة الرسالة التي تبوّأ سُؤددَها الماهِدون الأُوَّل، وتقوم بالحفاظ على ثوابت الأمة الجزائرية في ركبِ الأمم الرقمية والحضارة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والجودة الرفيعة والتنمية الشاملة والرفاه الميسر؛ بمثل هكذا بضاعة مزجاة!..
ويخلص المفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله – إلى القول: “إن الطبيعة توجد النوع، ولكن التاريخ يصنع المجتمع؛ وهدف الطبيعة هو مجرد المحافظة على البقاء، بينما غاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من أشكال الحياة الراقية، هو ما نطلق عليه اسم الحضارة…”
ومع ذلك لا يمكن الجري وراء كل جديد وكيفما اتفق، فالثوابت من حقها الثبات كما المتغيرات من حقها التطور والتغيير الإيجابي…
قال تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”