التغيير واجب وضرورة
أ. مرزوق خنشالي /
الخاطرة الأولى:
يقول مالك بن نبي – رحمه الله – التاريخ هو التغير. والزمن الذي لا يحصل فيه تغيير لا يضر حذفه، لأنه زمن ميت.. والحياة تفقد معناها إذا فقدت تاريخها ونحن لا نفهم بدون تاريخ، بدون زمن ولذلك فإن فقدان القدرة على التكيف الصحيح، وفهم الجديد في العالم هو الذي أوقع الأمة في محذور التخلف؛ وأقعدها عن النهوض.
يعتبر التغيير والتطوير المستمر في الجمعيات والمنظمات والجماعات مَهْمَا كان نوعها أساس استمرارها وازدهارها، فهو يمثل تحديًا كبيرا في كيفية المحافظة على بقائها ومن ثم نموها وتطورها، خصوصا في ظل تعقد المعارف التكنولوجية والثقافية؛ كالتقدم التقني، والصناعي، والتشريعي، والاقتصادي… وغيرها، فالمجتمع في حالة تغير مستمر… هذا بغض النظر على التنافسية المحتدمة بين مثل تلك المؤسسات والمنظمات سواء على المستوى المحلي أم على المستوى العالمي؛ ولذلك فإن تهميش التغيير وعدم الاكتراث به يعني بدأ النهاية الحتمية والتعرض بالتالي إلى التلاشي والاضمحلال…
كل ذلك وغيره يقتضي من الجمعية أو المنظمة أن تُطوِّر مشروعًا يتناسب مع بيئتها تنظيمًا وتشريعًا وتخطيطًا وتسييرًا، لتتواكب مع متطلبات العصر وتحدياته، فقد أصبح التغيير مطلباً ضرورياً وحتمياً ولم يعد كمالياً…
وتشكل المشروعات التطويرية تحدِّياً لرواد التغيير والتطوير، خصوصًا وأنها مسؤولية كبرى لها ما بعدها؛ ذلك أن فشل المشروع التغييري تكون له عواقبُه السلبية في المال والجهد والوقت، ولاسيَّما أن أغلب المشروعاتِ التغييريةَ تحتاج إلى سنوات من التخطيط والتنفيذ…
• نجاح التغيير:
إن نجاح أيِّ مشروعٍ تغييريٍّ في جمعيةٍ أو منظمةٍ ما لهدفِ تطويرِها يعتمد أساسًا على إدارته.
كما يعتمد على معرفة نوع التغيير الذي نريد إحداثه في الجمعية أو المنظمة…
التغيير الطفيف:
ويكون موضوعه عبارة عن عملية إصلاحية ترقيعية تصحيحية لبعض ما طرأ على الجمعية أو المنظمة من خلل لا يتطرق بشكل كبير إلى جوهرها ومشروعها.
التغيير العميق:
والمقصود به التغيير الجذري الذي يتطلب إعادة النظر في جوهر الجمعية أو المنظمة ومراجعة مشروعها من حيث الإستراتيجية والهيكلة والتسيير وتوزيع القوى وتنظيم الموارد البشرية والمادية…
• أركان التغيير:
يقوم التغيير الناجح على ثلاثة أركان أساس وهي:
عملية التغيير، مضمون التغيير، ومراقبة التغيير.
وكل عنصر من هذه العناصر يحتاج إلى أن يُعطى حقَّه من العمل والاهتمام، تبعًا لنوع التغيير المراد تحقيقُه…
1. عملية التغيير:
تُعنى بالتركيز على التعامل مع الذين لهم علاقة بالجمعية أو ما يسمى (stakeholders) ويشمل جميع من له علاقة بالتغيير سواء أكان يعمل في المنظمة كالقوى العاملة أو يشرف عليها من داخلها كالهيئات التنفيذية أو خارجها كالهيئات الاستشارية وغيرها، وتندرج تحت هذا العنصر أربع مهام فرعية وهي كالتالي:
أولاً: تكوين رؤية لمستقبل الجمعية أو المنظمة والتطلعات التي يُراد تحقيقُها.
ثانياً: تحديد مواطن الخلل ومكامن الضعف التي يجب أن تستهدف بالتغيير.
ثالثاً: تشكيل فرق عمل وتوزيع الأدوار بين العاملين والمستقبلين للتغيير.
رابعاً: التواصل مع كل من له علاقة بالتغيير وتزويدهم بالمستجدات وهو الأمر المهمٌّ جداً؛ ذلك أنَّ أحدَ أبرز أسباب مقاومة المستقبلين للتغيير هو ضعف فهمهم لأهداف المشروع بسبب ضعف التواصل مع جميع من له علاقة بالتغيير.
خامسًا: إيجاد إستراتيجيات للتغلب على المقاومة، وبالذات في مشروعات التغيير الجذري والتي من أهمها التعريف بأهمية التغيير وضرورته.
مضمون التغيير:
يتطلب مشاركة خبراء في جوهر المشروع نفسه لتحديد رؤية الجمعية ومنهجها، فمثلاً المشروعات التربوية تحتاج إلى إشراف تربويين مختصين، ومشروعات الدعوة تتطلب مشاركة أئمة ودعاة وعلماء في الشريعة والدعوة…، ومشروعات تشكيل الأنظمة القانونية ومراجعتها يتطلب تعاون مع خبراء قانونيين، وهكذا… والتغيير لا يجب أن يحدث لمجرد أن نصنع تغييراً ونُحدث أي فرق لا على التعيين؛ بل يجب أن يكون مدروساً ومخططاً وممنهجًا؛ بحيث يتم بعد قراءة متأنية للماضي واعية للحاضر مستشرفة للمستقبل آخذة كل ذلك في الاعتبار.
المراقبة:
وتشبه إلى حد كبير الدور التقليدي الذي تقوم به هيئة رقابية من متابعة جودة المشروع وتكلفته وترتيب الجدول الزمني لمراحل المشروع، ومدى سيره وتقدمه…
هذه عناصر ثلاثة لازمة وتعتبر رئيسة ومهمة لإدارة مشروع التغيير والتطوير في الجمعية بنجاح، ويتطلب كل عنصر أن يُعطى حقه وأن لا يُهمل عنصر على حساب الآخر.