أقلام القراء

بين “نادي برشلونة الإسباني” و”الغوطة الشرقية”…!؟ / جمال نصر الله

في الساعة التي تحين فيها مباريات الدوري الإسباني سواء تعلق الأمر بالنادي البرشلوني أو ريال مدريد، لا تصدق عيناك وهي ترى الآلاف، أو قل ملايين الشباب العربي والجزائري بالخصوص، مشدودا متكدسا في بطون المقاهي، يبحلق وبحماسة منقطعة النظير لأجل التمتع بانتصار هذا، وهزيمة ذاك…! بل وصلت الأمور كما ألفنا سماعه إلى مناوشات بين الأطراف، حتى وصلت إلى درجة الاقتتال بعد تصاعد المناوشات اللفظية..!

الجميع لا ينكر مدى حب وشغف شعوب العالم لكرة القدم إلى درجة أنه تم وصفها بـ”أفيون الشعوب”؛ ولكن الذي قال بهذا كان يقصد ولع الجماهير بأندية بلدانها وفرقها الوطنية، وما يشوب أبناءها من نزعات قومية، وليست أندية هي من صنيعة المال القاري الذي استطاع أن يحقق مجمعا لأفضل المواهب والنجوم.

ففي هذا العصر وأنت تشاهد هذا الاهتمام الزائد عن حده من طرف شبابنا لفائدة “نادي برشلونة” أو “ريال مدريد”، ما عساك أن تقول؟ هل هو الفراغ أم هو الاستمتاع؟

وأي نوع من الفراغ يا ترى؟ هل هو الروحي أم الفكري أم النفسي أم الثقافي؟ فقد وجب أن نشخصه أولا، ثم بمقدورنا تشريحه؛ فإنك لما تقترب من شاب تسأله عن هذا الفريق أو اللاعب يعطيك مباشرة ودون تردد كل التواريخ والمواصفات بدقة متناهية…! إلى درجة أنه يحفظ اسم ذاك اللاعب، ومتى يأكل وينام، واسم عائلته بالكامل وتواريخ سفره وتنقلاته، وحتى اسم كلبه…! ومتى يقضي حاجته – أعزكم الله- ولو حاولت اختباره مثلا وسألته في المقابل متى ولد أو توفي عبد الحميد بن باديس أو الأمير عبد القادر – مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة- لعجز صراحة عن الإجابة، وقد ينفر منك..!؟

وهذا ما ينطبق على الاهتمام الزائد والبهرجة، وكذا الهالة التي يعيشها شباب اليوم صوب هذه الظاهرة، وفي المقابل لا يعير أدنى اهتمام لقضايا أمته ومجتمعه؛ فعلى أقل تقدير ليس المطلوب منه أن يهتم بالسياسة سواء الخارجية أو الداخلية، لأن السياسة مملة وعابرة ولا منفعة فيها، ولها مريدها وأتباعها النخبويون. وقصدنا في ذلك قضايا مجتمعه ومحيطه، لذلك فقد صار تعاطيه مع “نادي برشلونة الإسباني” مثلا كتعاطيه للمخدر…! وهي فعلا مخدر بكل المواصفات، والغريب أن هذا لا ينطلي فقط على الشباب البطال، بل تجد معظمهم طلبة يمتهنون ثقافة الكيل بمكيالين، يوم يعطون اهتماما غير طبيعي لكل ما هو غربي. بينما هم مستحون جاحدون لبني جلدتهم أو بالأحرى لبضاعتهم المحلية.

هذا على الرغم أنهم شاهدوا مدلل “البارصا” (ميسي) وهو ينحني خاشعا على حائط المبكى اليهودي، ثم يهدي حذاءه لشعب إحدى الدول العربية، وسيأتي اليوم الذي يهدي فيه كلبه…!

ونتذكر جميعا ما قاله نجم “الراب” الأمريكي “مايكل جاكسون” يوم صرح مستهزئا (لو علمت أن العرب سوف يسمعونني لما غنيتُ في حياتي).

إننا نتباكى للحال التي وصل إليها شباب القرن الـ21 ومبالغته في تعامله مع الأمور والقضايا الهامة في )حياته الأسرية – المهنية – الدراسية – علاقاته مع أصدقائه(؛ فهناك عشرات المحن التي يعيشها وطننا العربي آخرها مأساة الغوطة الشرقية وما يتلقاه إخواننا السوريين هناك من بطش وإبادة جماعية، فهل هو مقدر ومكتوب على جبين الشعوب العربية أن تذوب وتنزاح بهذه الكيفية تجاه مسائل هي عند الأوربيين أنفسم من الدرجات السفلى، ولا يعيرونها أدنى اهتمام، بينما شبابنا يجعلها من أولويات حياته وحتى مستقبله.

والأكيد أن الأوروبي حينما يشاهد هذه الظاهرة فهو يؤكد لنفسه، وبثقة دامغة أن شعوب العالم الثالث ومنها الشعوب العربية، سهلة التطويع والسيطرة، وهيّنة بطريقة آلية عفوية، وليست مبرمجة. وقديما قال الشاعر:

يعيب الناس كلهم الزمان           وما لزماننا عيب سوانا

وإننا اليوم نعاني من ظاهرة مأساوية حقا كما وصفها مالك بن نبي رحمه الله “ظاهرة القابلية للاستعمار”؛ وهذا الذي نعيشه اليوم هو فعلا نوع من الاستعمار الفكري، والاستحواذ الذهني الذي يرضى بالخنوع والمروق سبيلا أوحدا، ويعتبر كل ما يأتي من وراء البحار مثله الأعلى في كل شيء، محتقرا ذاته، وماسكا بسوط لجلدها دون إكراه…!

لذلك ما دام المشكل نفسيا وفكريا، وبهذه الدرجات والكيفيات فأنت لا حق لك أن تندهش حين تشاهد المقاهي ممتلئة عن آخرها من أجل متابعة ومشاهدة المباريات الأوروبية، بينما هي شاغرة خاوية على عروشها إذا تعلق الأمر بمسألة عن الواقع اليومي والتثقيف الإعلامي.

djamilnacer@gmail.com

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com