عن الجمعية …عود على بدء هذه نقائصـــــــــنا
يكتبه: حسن خليفة/
سبق نشر مقال مختصرٍ (شعاع) عن الجمعية، وذلك في أفق الإعداد للجمعية العامة الخامسة (المؤتمر الخامس) وقد ذُكرت فيه بشيء من الاختصار غير المخلّ عدد من المزايا والايجابيات والمنجزات التي تحققت خلال السنوات الماضية. وهو أمر لا يختلف فيه عاقلان فيما أتصور.
وحيث إنه في مجال التقويم والتقييم والتصويب وتسجيل الملاحظات لابد من إيجاب وسلب؛ فإنني سأشير هنا في عجالة وفي اختصار غير مخل أيضا إلى عدد من السلبيات والنقائص التي تلاحظ في الجمعية، وذلك لتكتمل الصورة، وهذا يسمـح بالمضي قُدما، لمن يريد الإصلاح والتصويب والتطوير…
وأتصوّر أنه من الجيد الإلمام بكل ذلك، والتقارب في التشخيص حتى يمكن الاجتهاد في تحقيق الأهداف والإعلاء من بنيان الجمعية وتحسين آدائها في كل مرحلة وفي كل طور:
1ـ لعل الإشكال الأكثر بروزا يتصل بالتنظيم، بالمعنى العلمي الدقيق لكلمة “التنظيم” الذي هو يُسر في الإدارة والتسيير، ويُسر أيضا في الأداء، وتفاعل كلّي بين جميع أجزاء الجسم التنظيمي (الجمعية، أو الهيئة، أو المؤسسة أوا لشركة).
فالملاحظ عند عموم أبناء الجمعية هو ضعف الصلـة بين مكونات الجمعية، وتعذّر التواصل المرن السلس، وهناك شكوى متبادلة بين مختلف الأطراف في هذا الخصوص : بين الشعب البلدية والشعب الولائية، بل بين الفروع والشعب البلدية، وبين الشعب الولائية والمكتب الوطني…والناتج عن ذلك هو “بطء” في حركة التواصل الذي ينعكس في شكل تأخر في العمل والإنجاز.
ويتصل بهذا الأمر هنا تداخل الصلاحيات، وعدم احترامها أحيانا، حيث يُتصل بالمكتب الوطني دون المرور عـلى المكتب الولائي، ودون التنسيق أيضا بين أعضاء المكتب الولائي ـ فيما بينهم ـ وهذا يثير حساسيات ومشاحنات ..ولذلك تبعات بطبيعة الحال.
إذن وجب النظر إلى هذا الأمر بالجدية الكاملة، وإيجاد حلول جذرية له لتجاوز ما يحدث على هذا الصعيد. يضاف إلى ذلك ما يمكن أن يُقال بشان التنظيم: وهو عدم توفر الاحصاءات الدقيقة والمعلومات اللازمة عن مختلف مُكوّنات الجمعية، وهيئاتها العاملة، وأعضائها ـ بأصنافهم المتعددة.
2ـ ضعف التعاون مع المحيط (الإدارة) بمخلتف هيئاتها، ونعني هنا الشعب الولائية خاصة؛ حيث قلّ أن نجد ذلك الاهتمام المشروع واللازم بتمتين العلاقات مع المحيط المحلّي المتمثل في الإدارات المحلية في كل ولاية كالمديريات: التربية، الشؤون الدينية، الشباب، الثقافة، الشؤون الاجتماعية، الخ ..بالطبع هناك استثناءات، ولكن المطلوب هو تعميم صيغة التعاون الأخوي الجاد المثمر،لأن العمل الإصلاحي يستوجب هذا، وأيضا فهم طبيعة عمل الجمعية: إصلاحية، تهذيبية، تربوية، علمية، دينية، الخ يقتضي ذلك، فلا يمكن تحقيق أي هدف إصلاحي إلا من خلال العلاقات الطيبة التعاونية بين الجمعية وغيرها من المؤسسات والهيئات.
3ـ لعل الأمرين السابقين يتصلان بشأن مهم وهو أيضا منقصة تتمثّل في ضعف التكوين لدى قطاعات عريضة من أبناء الجمعية وبناتها؛ ويتعلق الأمر هنا بأكثر من جانب:
أـ الجانب القانوني: وهو مايستوجب استيعاب وهضم وفهم قوانين الجمعية (القانون الأساسي والنظام الداخلي ووثيقة السياسة العامة)، وقبل ذلك قوانين الجمهورية التي تحكم عمل الجمعيات والهيئات، وذلك ييسّر على كل عضو العمل بمنظور واضح ودقيق، يتيح لــه تحقيق الأداء الأفضل في ظل فهمه لكل المتطلبات، ويحجزه عن الوقوع في الخطأ الذي قد يجرّ عليه مسؤوليات وأعباء هو والجمعية في غنى عنها.
ب ـ الجانب الفكري / التاريخي: وأقصد هنا ما يتعلق بجمعية العلماء وتاريخ الجزائر والحركة الوطنية، واستيعاب تفاصيل ذلك أمر في غاية الأهمية؛ لأنه يمدّه بثقافة تاريخية وشرعية، ويعينه بثروة فكرية وثقافية يحتاج إليها في العمل في صفوف الجمعية. ولا ريب أن استيعابه يغني ويثري عمل أي عضو ويرفده بما يحتاج إليه في مساره الإصلاحي الدعوي. والملاحظ ـ للأسف ـ أن لدينا ضحالة كبيرة في هذا الجانب (التكويني ـ المعرفي التاريخي ـ الفكري ـ إضافة إلى الجانب الشرعي) فوجب استدراك ذلك وإعداد صيغ التكوين المناسبة لكل الأعضاء دون استثناء. والقراءة الذاتية، والانكباب على الآثار مفيد جدا في هذا المجال؛ خاصة وأن المراجع كثيرة ومتنوعة.
ج ـ نقص التأهيل القيادي: الملاحظ أيضا في هذا المجال هو النقص ـ الفادح أحيانا ـ في طرائق التسيير والتدبير، بمعنى آخر نقص في مجال “التأهيل القيادي “إن صحّ التعبير، حيث إن العمل في الجمعية يتطلب من كل عضوـ دون استثناء ـ قدرا من الثقافة ذات الصلة بهذا المجال الهام والرائع “ثقافة القيادة “ في حدّها الأدنى، وهذا أمر تعمل له المنظمات والهيئات والشركات والجمعيات الجادة …تعمل له ألف حساب، وتضعه في موضع الصدارة في تأهيل أعضائها، وترصد له ميزانيات للتكوين والتدريب.
د ـ المجال الإيماني الأخروي: يتصل بجوانب النقص هنا أيضا الضعف في المجال الإيماني والأخلاقي، ولعل هـذا أجدر أن يكون في المقام الأول من مقامات المعايير والمواصفات المطلوبة في أعضاء الجمعية العاملين فالجمعية هيئة دعوية إصلاحية تـهذيبة، ومن أوكد الواجبات أن يكون أعضاؤها ـ رجالا ونساء ـ في المقام العليّ في الأخلاق، والسلوك، والــمعاملات والانضباط بضوابط الشرع، بل اكثر من ذلك أن يكونوا الأكثر قربا من الله تعالى، والأكثر زكاء ونقاء في نفوسهم وقلوبهم وأعمالهم .والتربية الروحية الإيمانية ملمح يجب تعزيزه باستمرار في حياتنا جميعا. وبالمختصر المفيد أن يكون أعضاء الجمعية محصّنين بثقافة الآخرة. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ….
4ـ من النقائص البارزة في أعمال الجمعية أيضا ما يتصل بجوانب التخطيط والاستشراف وترتيب الأمور حسب قواعد وضوابط العمل المنهجي العلمي الذي تسلم مقدماته إلى نتائج مؤكدة بعون الله. وأهم ما يجب في هذا المجال هو الانتقال من مجال الأنشطة والفعاليات إلى مجال البرامج والخطط بمنظور ورؤية علمية واضحة المعالم. فلو احتسبنا كمّ الأنشطة المنجز لوجدناه ضخما عظيما ولكن ما تحقق ـ للأسف ـ ليس مكافئا لتلك الجهود ومن ثم نقع في التكرار والاجترار والتكديس ..والأمثلة على ذلك كثيرة.
5ـ ولأن هذه المساحة لا تتسق لأكثر مما كُتب حتى الآن ..نذكر ما يتعلق بالجانب الإعلامي، والمقصود هنا حُسن تسويق ما تفعله وتنتجه الجمعية. أستطيع القول هنا: إن هناك أخفاقا كبيرا، والدليل على ذلك ضعف توزيع وتسويق مطبوعات الجمعية (أكثر من 7 مطبوعات) فضلا عن السندات التربوية .وهذه مسؤولية جماعة تحتاج إلى دراسة عميقة وإحاطة موضوعية منصفة، ينبغي أن نحدد لها ملتقى علميا متكاملا، يحضره الخبراء المحايدون، وأبناء الجمعية وقياداتها المختلفة في الولايات، وينبسط الكلام بصدق وصراحة لتشخيص الإشكال وإيجاد الحلول، ولعل ذلك يكون قريبا.