ما أشد ظلم ذوي القـــــــــــــــربى…/ محمد العلمي السائحي
إن ما تتعرض ويتعرض له قطاع غزة من فلسطين السليبة، يستدعي منا النظر إليه والتدقيق فيه، فالانقلاب على حكومة إسماعيل هنية مباشرة بعد الانتخابات، وما أعقبه من تشديد الحصار على غزة من قبل إسرائيل ومصر، وما تورطت فيه السلطة الفلسطينية ذاتها من تآمر عليها، مما اضطرها إلى فك الارتباط معها، والانفصال عنها، وإقامة سلطة موازية في غزة، وما تبع ذلك من تضييق السلطة الفلسطينية عليها، وما تبعه من امتناع عن دفع رواتب الموظفين، وقطع الكهرباء عن القطاع، يشي بوضوح بوجود تفاهمات بين إسرائيل وراعيتها أمريكا، وسلطة رام الله بضرورة القضاء على حركة حماس بكل وسيلة ممكنة، باعتبارها عنوانا إسلاميا يمكن أن يلهم سواها من الحركات النسج على منوالها، فتندلع نار المقاومة لا في فلسطين وحدها فحسب، بل في كل مكان يتعرض فيه المسلمون للحيف والظلم، فالحركة لا تعاني من التضييق الشديد عليها باعتبارها حركة سياسية فحسب، وإنما باعتبارها ترفع شعار الإسلام، وتستعين به في الحشد والتجنيد، ولذلك بات من الضروري القضاء عليها والتخلص منها، وذلك ما يفسر استهداف قياداتها السياسية، ورجال ذراعها العسكري، ومطاردة رجالها في غزة والضفة، وفي كل مكان، وهو ما يفسر كذلك إحباط جهودها الرامية لإنهاء حالة الانقسام، وإصلاح ذات البين، على الرغم من قبولها للكثير من التنازلات العديدة التي فرضت عليها، من قبل الوسيط المصري، لأسباب معلومة للجميع ولا تخفى على أحد من الناس في العالم العربي، فكيف بنا اليوم وقد أدرج رئيس حركة حماس في قائمة الإرهاب، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية راعية إسرائيل الكبرى، ولا يخفى أن ذلك تم بطلب من إسرائيل بسبب دعوته للفلسطينيين للتصدي لقرار ترامب الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل، بانتفاضة في كل فلسطين تعبيرا عن رفضهم لذلك القرار الجائر، وتعبيرا عن تمسكهم بالقدس عاصمة لفلسطين، والتي لاقت استجابة واسعة، أزعجت أمريكا وإسرائيل، كما أزعجت وأربكت سلطة رام الله، التي لم يكن ردها السياسي والدبلوماسي في مستوى الطموح الفلسطيني، وهذا ما جعلها في حرج كبير، وتخوفت من أن يسحب البساط من تحتها لصالح حركة حماس، وقد كانت من قبل تتعلل لإفشال المصالحة، حتى أنها طالبت حركة حماس بالتخلي عن ذراعها العسكري لإتمام المصالحة، وهو الطلب الذي قابلته حركة حماس بالرفض القاطع، فكان لابد من البحث عن أسباب أخرى أكثر قوة، وأقدر على إقناع الوسط الفلسطيني والعربي، بحجة سلطة رام الله في إبطال المصالحة، فلم يكن هناك أفضل من اتهام حركة حماس بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء ” رامي الحمد الله ” أثناء زيارته للقطاع، متناسية تماما أن الحركة ليست من الغباء حتى تعمد إلى تصفية الرجل على أرضها، فتتوجه أصابع الاتهام إليها مباشرة، مع العلم أنها لو فكرت في تصفية الرجل حقا، لأصدرت أوامرها لرجالها ليقوموا بتصفيته في رام الله دون سواها، وهي إذ لم تفعل فهذا يدل على أنها لم تفكر في ذلك أصلا، وأن ما جرى في القطاع عبارة عن تمثيلية محبوكة من السلطة ذاتها، تهدف من ورائها لإيجاد سبب قوي يخول لها إجبار حماس على الرضوخ إلى طلبها بالتخلي عن ذراعها العسكري، فإن تعذر ذلك عليها وفر لها مبررا مقبولا لوقف المصالحة التي لا تريدها، لا أقل ولا أكثر، ولو كانت محاولة الاغتيال حقيقية، لأسند تنفيذها إلى قناص يصيب ولا يخطئ، ولم يعتمد فيها على قنبلة تزرع على جانب من الطريق، لا يعلم إن كانت ستنفجر أم لا، أتصيب الشخص المطلوب أم تخطئه، إن حركة حماس بريئة من محاولة الاغتيال هذه كبراءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب عليهما السلام، وإن أخطأت هذه المحاولة رامي الحمد الله وكفاه الله شرها، فإنها قد أصابت المصالحة في الصميم، وعصفت بكل الآمال التي أنيطت بها، وعلقت عليها، وإنه ليحز في النفس ويؤلمها أشد الألم، أن الذي أطاح بها القريب لا البعيد، فلله درّ طرفة بن العبد إذ يقول:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند