إشكالية تلقّي واستقبال المنجز الحضاري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عند أجيال الاستقلال
أد.عمر أحمد بوقرورة*/
تأسيسات منهجية ومعرفية
التأسيسات نأتي بها تمهيدا أوليا نجعله أصلا معرفيا ومنهجيا للموضوع الذي نود طرحه هنا بمسؤولية علمية وأخلاقية نستجلي بها حقيقة العلاقة بين زمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست في الخامس من مايو عام 1931م وبين زمن أجيال الاستقلال، والتأسيسات نوردها في الآتي معتمدين المقاربة الحضارية المؤيدة بوعي بالمسار الحضاري للزمانين (زمن الجمعية وزمن أجيال الاستقلال):
1- إن أي منجز حضاري لا يمكنه أن يتحقق في واقع الأمة وفي راهنها الحضاري إلا إذا تأيد بتواصل قائم بين أجيال ومتلقين واعين مدركين لأهمية العلاقة الضامنة لفاعلية المنجز الحضاري ولاستمراريته ولمدى مشروعية حضوره في الراهن الحضاري للأمة، فبهذا يأتي موضوعنا الذي يتعلق بإشكالية تلقي واستقبال المنجز الحضاري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عند أجيال الاستقلال، والموضوع رأينا أن نسِمَه بالإشكالية لأنه يحمل تعقيدات ماهية العلاقة بين جمعية العلماء التي أنجزت المشروع الحضاري وبين أجيال الاستقلال التي يفترض فيها وينتظر منها أن تكون قد استقبلت المنجز وعملت على تفعيله في راهنها الحضاري بوعي معرفي ومنهجي وبإدراك سنني للثوابت والمتغيرات الحضارية من حولها.
2- إن اختيارنا للتلقي الخاضع لأجيال الاستقلال دال على أن الذي نريده في هذا الموضوع وبهذا العنوان بالذات إنما يتعلق بالبحث في المنجز المذكور عبر مسارين يفترض فيهما أن يضمنا حالة الوجود وحالة الفاعلية والاستمرار للمنجز الحضاري للجمعية: الأول ويتعلق بمسار الإنجاز (وهو ما قامت به جمعية العلماء) أما المسار الثاني فأساسه المتلقي (أجيال الاستقلال) التي يفترض فيها أن تمنح للمنجز فاعليته ومشروعية استمراره عبر وعي معرفي ومنهجي ووطني يضمن التواصل السليم القائم على الموضوعية وعلى الأمانة العلمية مع زمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومع منجزها الحضاري.
3- المفروض أن يكون السؤال الزمني في عنوان الموضوع (تلقي المنجز الحضاري للجمعية بعد (موت ابن باديس عليه رحمة الله عام 1940م) (وليس بعد الاستقلال) لأن سؤال تلقي واستقبال المنجز الحضاري للجمعية تأصيلا قد حضر مباشرة بعد موت ابن باديس فرحيل ابن باديس قد أحدث إرباكا في المسار الحضاري للجمعية وفي ماهية حضورها في الواقع الوطني المعقد المشمول بزمن الاستدمار الفرنسي، إن قراءتنا للمشهد التاريخي والسياسي والحضاري والدعوي والإصلاحي الذي ساد بعد زمن ابن باديس قد بين لنا أن إرهاصات الخلل قد حصلت في مسيرة الجمعية، وبعض الخلل ما يتعلق بإشكالية (نموذج الاقتداء) حيث لم يستطع بعض من عاصر ابن باديس من أصحابه وتلاميذه تجاوز مرحلة ابن باديس التي أوقفتهم عند الانبهار الذي تجسد فعلا في حياة كثير من هؤلاء الذين عاشوا بعد الاستقلال بصفة خاصة اغترابا حقيقيا أبعدهم عن الواقع، وجعلهم لا يحيون إلا من خلال الماضي (النموذج الرائع).
4- الحديث هنا عن المنجز الحضاري الذي يفترض فيه أن يكون لبنة من لبنات الفعل الحضاري الممتد المتراكم الذي تشكلت به أسس الوطن وهويته عبر أزمنة الاستقلال، والذي يؤول في نتائجه إلى التمكين والريادة والسيادة في إطار السنن المحرِّكة الدَّافعة الفاعلة في مسيرة البناء الحضاري، إن الحديث لايتعلق هنا بسرد تاريخي يتم به حصر منجز الجمعية في زمن راكد مملّ تحكمه الذكرى المؤيدة بشيء من الحنين الذي يتحول عند البعض إلى نوستالجيا فاقدة للوعي وللقراءات الاعتبارية، فالحذر كل الحذر من تحول الذكرى أو الحدث أو الفعل التاريخي إلى العبث حيث يغدو التعامل مع الذاكرة حركات وطقوسا آنية تحكمها مناسبات بلا منهج وبلا مبدأ وبلا هدف، وهي المناسبات التي يغيب فيها الوعي حيث لا يتحقق بها أدنى شروط التعامل الإيجابي مع الفعل التاريخي وهو المقصد المحكوم بالسؤال: (لماذا المناسبة؟وماذا بعد المناسبة؟).
5- الموضوع قائم أساسا على منهج نقدي حضاري بنيته المقاربة النقدية الواقعية التي تفرضها قراءتنا للراهن المعرفي والحضاري في الجزائر بصفة خاصة، هذا الراهن الذي نؤكد به أن علاقتنا بتاريخنا بصفة عامة وبالمنجز الحضاري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بصفة خاصة يجب ألا تخفي واقع الحال الذي يدل حقيقة على خلل منهجي ومعرفي آل في كلياته إلى خلل في التلقي والاستقبال، والسبب يكمن أساسا في عجز النخب الثقافية عن إنتاج قراءات بآليات معرفية ومنهجية قادرة على التواصل والتفاعل والتجاور والتحاور مع التاريخ ومع أزمنة الحضارة التي سادت وطننا !! ذلك التفاعل الذي يفترض فيه أن ينتج ما يقوِّي عناصر الخصوصية الحضارية، ويجعلها قادرة على صنع أسئلة العلاقة الإيجابية بين زماننا وزمن جمعية العلماء .
زمن الجمعية (التأسيس للثابت الوطني والحضاري في مواجهة الاندماج والتغريب)
لقد كانت هذه الجمعية في حقيقة أمرها-وكما نقرأ تاريخها دائما – منحة ربانية وهبها الله للجزائريين في زمن صعب راهن فيه الاحتلال الفرنسي الصليبي على تنصيرهم، لقد تأسست هذه الجمعية في الخامس من مايو عام 1931م لتضع حدا للنسق الفرنسي التغريبي العابث، يقول محمد البشير الإبراهيمي في شأن هذه الجـمعية: «إن هذه الجمعية كالسحاب ساقه الله إلى بلد ميت، فلا يقلع حتى يحـييه وإذا كان إحياء المطر للأرض معنى فوق التجديد فكـذلك معنى هذه الجمعية، وأن سائق المطر للبـلد الميت هو سائق هذه الجمعـية لهذا الوطن المشرف على الموت…».
إشكالية التلقي والاستقبال للمنجز الحضاري لجمعية العلماء عند أجيال الاستقبال
الحديث في إشكالية التلقي مرهون بالتأسيسات السابقة، فبها نأتي إلى الموضوع، وبها نجلِّي ماهية وحقيقة ومستوى التلقي والاستقبال، وبدايته العنوان الذي يبدو أنه يطرح إشكالية معقدة خاضعة لسؤال التواصل بين زمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبين أجيال الاستقلال، فهل حضر التواصل بين الزمانين، أم أن خللا معرفيا ومنهجيا وسلوكيا قد أصاب العلاقة بين الزمانين، وأن التلقي والاستقبال قد أصابه إعصار التغيير الذي ألقى به في مشهد القطيعة الذي نظرت به أجيال الاستقلال إلى المنجز الحضاري للجمعية على أنه منجز عارض، تأسس بأفعال وبردود أفعال متفرقة تلاشى صداها عبر الأزمنة؟.
إن المفروض في المنجز الحضاري لجمعية العلماء أن يستمر في إطار رافد حضاري ممتد متواصل مع الجهد الحضاري الوطني المبذول بعد الاستقلال لكن المشكلة تكمن في أن هذا المنجز قد تم تحويله بفعل تحولات تاريخية وثقافية ودينية وسلوكية وحضارية عامة إلى إشكالية بسؤال مربك مفاده التشكيك أو التقليل من شأن المنجز الحضاري للجمعية، وقد يحدث أحيانا التواصل معه لكن بنمذجة بلغت حد النوستالجيا الفاقدة للقراءات الواعية لهذا المنجز …
يذكر الدّكتور أبو القاسم سعد الله -رحمة الله عليه- ذلك الإرباك في قوله: «ليس هناك منظّمة جزائريّة كثُر حولها الاستفسار والتّساؤل مثلما حدث مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين؛ فمن سائل عن موقفها من السّياسة وقضية الاستقلال الوطني، ومن سائل عن موقفها من الطّرقية ومسألة الإصلاح، ومن سائل عن دورها في الثّورة التّحريرية، ومن مستفسر عن علاقتها بالمنظّمات والحركات الإسلامية الأخرى في العالم الإسلامي…» وأضاف قائلا: «والحقّ إنّه لا تكاد توجد منظّمةٌ وطنيةٌ تركت بصماتها على الحياة الجزائرية، وأثّرت على عقلية أهلها تأثيرا واضحا مثلما فعلت جمعية العلماء». وللذكر فإن المنجز الحضاري للجمعية شأنه شأن المنجزات الوطنية الأخرى التي حوّلها المتغير الحضاري في زمن الاستقلال إلى إشكاليات معقدة بأسئلة مربكة، ومن هذه المنجزات وأكبرها وأخطرها زمن نوفمبر نفسه.
الخلل حاصل في ماهية التلقي والاستقبال للمنجز الحضاري لجمعية العلماء
المؤكد أن الخلل حاصل في ماهية تلقي واستقبال المنجز الحضاري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عند أجيال الاستقلال، وأن الخلل أساسه التأسيسات المذكورة آنفا تضاف إليها الأسباب التي نوردها مختصرة في الآتي:
1- يكمن السبب الأول والأساس هنا في الخلل الحاصل في مفاهيم المنجزات الوطنية والحضارية الكبرى ومنها مفهوم الاستقلال نفسه حيث لم يتم التعامل معه منجزا حضاريا كليا شاملا فاعلا في مسيرة الوطن حاضنا لكل المنجزات الوطنية وفيها المنجز الحضاري لجمعية العلماء، وبذلك حضر السؤال الوجودي المحرج الذي ظل يلاحق الأجيال عبر أزمنة الاستقلال، والذي يتعلق بمدى فاعلية المنجزات الوطنية والتاريخية والثقافية والحضارية العامة وفيها المنجز الأكبر المتعلق بالاستقلال نفسه، ويمكننا أن نشير في هذا المجال إلى نصين لمحمد البشير الإبراهيمي أنجزهما بعد
الاستقلال مباشرة:
أولهما: نص ناصح ومحذر من الوقوع في خلل في فهم ووعي معنى الاستقلال يتجلى ذلك بخطبة الجمعة الأولى بمسجد «كتشاوة» بالجزائر العاصمة التي ألقيت أمام أركان الدولة ووفـود غفيرة من مختلف الدول الإسلامية يوم الجمعة 5 جمادى الثانية 1382 هـ الموافق للثاني نوفمبر 1962م، وفي النص قوله:»… يا إخواني، إنكم خارجون من ثورة التهمت الأخضر واليابس، وإنكم اشتريتم حريتكم بالثمن الغالي، وقدمتم في سبيلها من الضحايا ما لم يقدمه شعب من شعوب الأرض قديما ولا حديثا، وحزتم من إعجاب العالم بكم ما لم يحزه شعب ثائر، فاحذروا أن يركبكم الغرور ويستزلّكم الشيطان، فتشوهوا بسوء تدبيركم محاسن هذه الثورة، أو تقضوا على هذه السمعة العاطرة…». فبنية الأسطر دالة على متغيرات حضارية خطيرة بدأت تحدث في الجزائر.
النص الثاني: (نص التحذير) وهو النص الذي أصدره في 16 أفريل 1964م، وفيه قول محمد البشير الإبراهيمي: «كتب الله لي أن أعيش حتى استقلال الجزائر، ويومئذ كنت أستطيع أن أواجه المنية مرتاح الضمير، إذ تراءى لي أني سلمت مشعل الجهاد في سبيل الدفاع عن الإسلام الحق، والنهوض باللغة العربية- ذلك الجهاد الذي كنت أعيش من أجله- إلى الذين أخذوا زمام الحكم في الوطن، ولذلك قررت أن ألتزم الصمت، غير أني أشعر أمام خطورة الساعة، وفي هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله- أنه يجب علي أن أقطع ذلك الصمت، إن وطننا يتدحرج نحو حرب أهلية طاحنة، ويتخبط في أزمة روحية لا نظير لها، ويواجه مشكلات اقتصادية عسيرة الحل، ولكن المسؤولين- في ما يبدو – لا يدركون أن شعبنا يطمح قبل كل شيء إلى الوحدة والسلام والرفاهية، وأن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم، يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية».
2- الاشتغال بالمختلف في كل ما يتعلق بالوطني .. (دينيا وتاريخيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا) وقد أدى تأجيج ذلك المختلف إلى إغراق الأجيال بأسئلة المختلف المبني على التشكيك، وبالمختلف تحول التاريخ ومعه زمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وزمن الشهداء نفسه إلى أسئلة معقدة باتت تحرج الوجود الحضاري لأجيال الاستقلال أصلا، هذا الوجود القلق الذي يبدو أنه يغرق باستمرار في المختلف المعرفي والمنهجي والسلوكي المركب الذي يبدو أنه لا ينتهي.
وللعلم فإن المختلف قد أججته المرجعيات المؤسِّسة للكليات الحضارية العامة في وطننا (مرجعيات الصدام)، تلك المرجعيات التي يبدو أنها لم تملك الوعي المعرفي والحضاري والوطني الكافي الذي يجعلها تقوم على الحوار والتكامل والتواصل بين أزمنة الوطن وبين مراحل تاريخه وبين مقاصده السامية التي تدفع نحو المستقبل.
وفي شأن المرجعيات نذكر أن الجزائر قد حكمتها طيلة القرن العشرين وفي بدايات القرن الواحد والعشرين مرجعيات مفككة متناقضة ومتصارعة ومتصادمة في أحيان كثيرة، ويكفي أن نذكر أن هذه المرجعيات قد امتدت في سياقاتها التأسيسية وحتى التأصيلية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ففي الجزائر ندّيات سياسية وثقافية ودينية وسلوكية، وهي في طبيعتها محكومة بالضد الخفي الذي يطفو إلى السطح كلما حل نقاش أو حوار أو سجال جديد في شأن ماهية وجوهر أي مسار من مسارات بناء الوطن.
3- العمل على إحداث خلل في أسس الانتماء: وفي ذلك تأسيس تاريخي سيئ يمتد إلى زمن ما قبل الاستقلال حيث عمل بعض الجزائريين على إحداث خلل في الانتماء الوطني والحضاري نفسه، ولعل في مقال ابن باديس «كلمة مرة لأنها صريح الحق ولباب الواقع» فصل الخطاب في ماهية العمل الذي اختارته الجمعية في مجال التعريف بالآخر الذي يشمل فرنسا وأذنابها الذين شكلوا ـ ولا يزالون ـ الخطر على فاعلية الخطاب الحضاري الوطني الشامل، يقول ابن باديس: «نعرف كثيرا من أبنائنا الذين تعلموا في غير أحضاننا ينكرون ـ وربما عن سوء قصد ـ تاريخنا ومقوماتنا ويودون لو خلعنا ذلك كله واندمجنا في غيرنا».
4- العمل على هدم نموذج الاقتداء: المشكلة تبدو هنا بمأساوية أساسها أن يتجاوز الدراسون والباحثون وكل من يرتاد عالم الثقافة مرحلة القطيعة مع عالم النموذج وعالم الاقتداء ليبلغوا مرحلة أخرى أكثر خطورة وأشد إيلاما، إنها مرحلة هدم نموذج الاقتداء، وبه يتم هدم أسس وعناصر الذاكرة نفسها، لقد أمسينا – في الدرس التاريخي والثقافي والحضاري العام في الجزائر على خطاب الهدم الذي يعني التشكيك في كل فكرة إيجابية، وفي كل فعل بطولي أنجزه أسلافنا، وفي كل شخصية وطنية، وفي كل عالم من علماء الأمة الماسكين بأسباب العزة فيها، المدافعين عن كيانها…
لقد غدت هذه الظاهرة المرَضِية سلوكا عاما في المشهد الحياتي العام في الجزائر، فالنموذج أو القدوة غالبا ما يكون منسيا أو مُتجاوَزا أو مُدانا، وقد بلغت الظاهرة خطورتها حين الخوض في العلاقة بين أزمنة الاستعمار الفرنسي الذي احتل الجزائر من عام (1830م إلى عام 1962م) وبين أزمنة الاستقلال، فأكبر الهـدم هنـا ما يتعلق بهدم أسس البطولة نفسها بكل ما تحمله هذه البطولة من قيم حضارية وتاريخية وثقافية وأخلاقية… ودليل ذلك تلك المحاولات المريبة التي حاول بها بعض من امتهن القطيعة مع مكونات الوطن إنجاز أسئلة الهدم والتشكيك، وما تبعها من الأسئلة التي تتعلق بهدم الذاكرة الوطنية نفسها، فبدلا من أن يقرأ أهل التاريخ والفكر والثقافة هذه الذاكرة قراءة نقدية واعية تتأسس بوعي وطني متزامن مع متغيرات الواقع الجزائري والعربي والعالمي من حولهم، راحوا يطبقون المنهج الإقصائي الأجوف الذي يعتمد صيغة نقض الغزل، إنها الصيغة السيئة التي نقلت التعامل مع التاريخ، ومع الذاكرة من الحوار والتفاعل والتواصل الإيجابي إلى الصدام المؤيد بالسؤال التاريخي والثقافي المختلف المتناقض أحيانا، ولعله الصدام الذي آل أخيرا إلى محاولة هدْم كل جليل وجميل بدا به المكون الوطني.
خاتمة الموضوع: الخاتمة نجملها في نصائح نأتي بها لنؤكد أهمية الموضوع وخطورته ومنها:
1- العمل على قراءة تاريخ الجزائر قراءة سننية وطنية حضارية واعية ومسؤولية، تلك القراءة التي يجب أن ينأى بها أهلها عن نرجسية وعن شخصانية أهل القراءات السلبية الخاضعة للتمزق والتشرذم، تلك النرجسية التي ألحقت الضرر بالكلية الوطنية والحضارية الشاملة، كما عملت على تغييب القراءة السننية الواعية، فكانت النتيجة انحطاطا وتشرذما وقطيعة مع كل منجز وطني وحضاري.
2- مراجعة الجوانب التاريخية والمعرفية والمنهجية التي تتحكم في تأطير منظومات التعليم في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ذلك لأن المنظومات الحالية – بمراجعها التاريخية والثقافية والدينية والسلوكية الخاضعة للمختلف المؤيد بأنانيات فردية وحزبية ومذهبية وجهوية …لا يمكن أن تؤصل للانتماء، بل الأدهى والأمرّ أن تعمل هذه المنظومات على تشويه وإقصاء كل ما يتعلق بالوطني وجعله محل شك ونكران، فالأجيال التي تتخرج في هذه المؤسسات التعليمية تصطدم مؤكدا بمجموعة من المعارف والأفكار التي تعمل على فقدان التوازن والتفاعل بينها وبين المجتمع، والنتيجة اغتراب أجيال بأكملها عن قيمها وتاريخها وعن الذات الحضارية التي يفترض فيها أن تكون مصدر إلهام في تأطير معارفها ومناهجها.
3- حضور المنظومة الأخلاقية في المنظومة الوطنية الشاملة المؤطرة لعناصر الحضارة الشاملة في الوطن ومنها: (التاريخ والثقافة والسياسة والسلوك) فلعل أقوى مؤشرات المنظومة الحضارية الدالة على أحقيتها في وجودها وفي التأثير في الواقع من حولها، إنما يكمن في مقدار ما تحظى به هذه الحضارة من تفاعل وتداخل وتجاور قوي مع المنظومة الأخلاقية المؤيدة بالمنظومة القيمية الشاملة في المجتمع، فذلك التداخل هو الذي يمنح العناصر الحضارية المذكورة قوتها ومتانتها في ذاتها وفي علاقتها بالمسيرة الحضارية الشاملة للوطن..
*باحث مهتم بالدراسات الفكرية والحضارية