الإسلام دين الحاضر والمستقبل
عبد العزيز كحيل/
الإسلام ليس دين الماضي الغابر ولا الصحراء والبداوة كما يصفه خصومه والخائفون منه، بل هو دين الحاضر والمستقبل، وكل من درس نصوصه المرجعية يتأكد أنه دين يحمل عوامل البقاء والتجدد والامتداد كما تشهد التجربة التاريخية والواقع، وكما يشهد المنصفون من المفكرين والعلماء الراسخين العارفين بالقوانين التي تحكم التاريخ والأديان والمجتمعات، وهذا ما يعبّر عنه الدعاة بقولهم «الإسلام هو الحلّ»، وإخفاق العلمانية في تسيير شؤون الدول المسلمة حقيقة تُرى بالعين وتُلمس باليد، فلا هي انتهت من قضية الهوية ولا هي تقدمت في مجال التنمية، ولا حتى نجحت في إرساء حياة ديمقراطية سليمة، بل انتقلت من مهام التحرير والازدهار الاقتصادي إلى محاربة هوية الأمة لإدخالها «عالم الحداثة» رغم أنفها.
الإسلام نظام رباني يتناول حياة الإنسان طولا وعرضا وعمقا، هو نظام الفرد والجماعة، والعبادة والسياسة، والموعظة والمال، نظام ينطلق من إنسانية الإنسان فيقيم العدل للجميع والمساواة للجميع، هو دين الرجل والمرأة، والروح والجسد، والجد والترفيه، والدنيا والاخرة، ينشئ عبر التربية الشاملة المتكاملة الإنسان الحر العزيز والحاكم الصالح الكفء، ويقيم حضارة العلم والإيمان، وكل هذا توثقه شهادة التاريخ على مدى القرون…لقد تمّ هذا في الماضي فهل يمكن ان يحدث مثله في المستقبل؟ لا يتم ذلك إلا بإقامة شريعة الله في دنيا الناس، وهذا لا يقتصر كما يضوّره أصحاب الرؤية الجامدة والمرجفون على إقامة الحدود وتطبيق العقوبات الجسدية فهي – وإن كانت من صلب الشريعة – إلا أنها لا تحتل موقع الصدارة في سلم الأولويات، ولا تُقام إلا بعد بسط سلطان التربية الإيمانية وتحقيق العدل والتنمية والحكم الراشد، وكما تجسد النموذج الأول عبر ثروة فكرية وفقهية هائلة فإن المسلمين يمكنهم تجسيد التجربة مرة أخرى عبر الاجتهاد والتجديد الذي يتولاه العلماء الراسخون والمدارس الأصيلة التي تفهم العصر وثقافه الواقع وتحسن التنزيل.
إن النظام الإسلامي لا ينطلق الآن أو غدا من فراغ، فهو يملك رصيد التجربة ورصيد الثروة العلمية التي لا نظير لها عند أمة من الأمم، وهو أهل ليس فقط لرفع تحديات العولمة بل لإعطاء البديل الاجتماعي والحضاري للبشرية كما أعطاه من قبل حين أقام المجتمع على القيم الراسخة ابتداء بإنشاء الأسرة المستقرة، والقضاء على عادة السكر والإدمان، وتحرير الاقتصاد من الربا والمرابين، والتكافل الاجتماعي الشامل، والتسامح مع الثقافات والأديان والأجناس، ومحاربة الجريمة بصرامة، واستقلالية القضاء استقلالية حقيقية، والتمكين للعلماء الفحول المستقلين الذين يواجهون الحكام والمحكومين لا يخافون إلا الله.
كل هذا ممكن لكن بشروط يجب توفرها هي بالأساس العودة إلى الإسلام كله لا إلى بعض الإسلام لأنه لا يقبل التجزئة والمقاربة الانتقائية (كأن تجبي الدولة – لحسابات سياسية معروفة – الزكاة ولا تعير اهتماما لأي ركن أو فرض ديني آخر)، فهو بناء متكامل يقوم على التوازن والتناسق على جميع المستويات وليس هو مجرد قوانين تطبق فوقيا، إلى جانب هذا الشرط الأول لا بد على المسلمين وقياداتهم الروحية والتربوية والفكرية والسياسية من التحرر من ضغط الواقع، وهذا لا يعني القفز عليه أو تجاهله بل يعني حسن فهمه وعدم الإذعان لإكراهاته، فهو زمان صنعته الثقافة الغربية الوافدة بأدوات محلية لا تؤمن بمرجعيتنا الإسلامية، والعولمة مرحلة في حياة البشرية وليست نهاية التاريخ فلا نخضع لها كما يريد التغريبيون بل نقاومها بثقافتنا وثوابتنا وبالأساليب المناسبة، وهذا يسْلمنا إلى الشرط الثالث وهو التحرر من التبعية للغرب على أساس أن لدينا مقومات ذاتية كفيلة بتحقيق الاستفاقة والرقي وتأسيس الحضارة من جديد، كل هذا ضروري لكنه ليس كافيا إلا بتوفر عنصر جوهري رئيس في نسيج الأمة هو القيادة المؤمنة التي تعتز بانتمائها فلا تخضع للمعوقين ولا للمخذلين، تلتزم بالإسلام وقيمه وشريعته وأحكامه وأخلاقه وضوابطه وتصوّره للإنسان والحياة والكون والعلاقات الاجتماعية والدولية بلا خجل ولا وجل ولا تردد، تعمل على ازدهار الأمة اقتصاديا وعلميا وإيمانيا لينتهي بها المطاف إلى إقامة الخلافة لأنها الأمة الشاهدة أي الأمة المعيار.
إن الإسلام دين الحاضر والمستقبل لأنه يعمل على تغيير الأنفس قبل الأنظمة السياسية، ويعتمد على التربية قبل الجهاد، القلم عنده أولى من السلاح، والإنسان – كإنسان – أرفع من الآلة مهما كانت دقيقة.