مقالات

قراءة في كتاب: (فرنسا والولايات المتحدة وحرب الجزائر)

قراءة وتقديم سعدى بزيان/

لقد بذل الكاتب جهودا معتبرة لنقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية من الإنجليزية خدمة للثقافة التاريخية، وهو مرجع لا غنى عنه للباحثين والمؤرخين، وأنا أثمن هذه الجهود للكاتب والمترجم .د. تابليت الذي ما انفك يثري المكتبة التاريخية بكتبه وترجماته من اللغة الإنجليزية إلى لغة الضاد لمعرفة ما كتبه المؤرخون الأمريكيون عن ثورة الجزائر من منظار آخر بعيدا عن ما كتبه المؤرخون الفرنسيون، وهم جلهم بعيدون عن الحق والحقيقة في كل ما يتعلق بثورة الجزائر. ومع الأسف فالكتاب لم يوزع، ولم يطلع عليه القارئ الجزائري في الجزائر وهو موجود في مكتبة المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954. وقد سبق للكاتب أن قدم للمكتبة الجزائرية عدة كتب هامة تصب كلها في خدمة الذاكرة الوطنية، ومن كتبه القضية الجزائرية أمام الأمم المتحدة 1957-1958، و”الأسرى الأمريكان في الجزائر 1785-1797″، “16 أفريل يوم العلم عبد الحميد بن باديس والهوية الجزائرية”، “اتحادية فرنسا لجبهة التحرير الولاية السابعة 1959″، “مختصر في تاريخ الجزائر” وصاحب الكتاب هو Irwin M. Wall أستاذ متميز ومحاضر بمركز الدراسات الأوروبية بجامعة كولومبيا، بنيويورك، له إسهامات قيمة في تاريخ أوروبا وخاصة فرنسا ومستعمراتها، أما المترجم .د. علي تابليت، فهو معروف بأبحاثه وترجماته العديدة من الإنجليزية إلى العربية، وهو مهتم بالدرجة الأولى بموضوع العلاقات الجزائرية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وكانت أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان “العلاقات الجزائرية الأمريكية 1776-1830” نشرها في الجزائر في كتاب في جزأين، وهو من أهم المصادر التي نشرت في الجزائر لحد الآن حسب علمنا، وقد أشرف على هذه الأطروحة الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني رائد الدراسات العثمانية وصاحب التآليف العديدة التي نشرت في الجزائر، وفي المشرق العربي، وقد كتب مقدمة لهذا الكتاب الذي نقدمه للقراء، وكنت قد قدمت قراءة لكتابه “العلاقات الجزائرية الأمريكية” لقراء “جريدة البصائر” وها أنا أقدم هنا قراءة أخرى لكتابه الصادر مؤخرا وهو بعنوان “فرنسا والولايات المتحدة وحرب الجزائر” بقلم الأستاذ اروين .م وول. وهو يتضمن 8 فصول على الشكل التالي:


من التمرد إلى الحرب، وينتهي بالفصل الثامن إلى السلام، واستقلال الجزائر عبر سنين من الدماء والدموع، في حرب مدمرة أتت على الحرث والنسل، لكنها توجت بالنصر، وعلى العموم فتقديمي لهذه الترجمة لا يعني أنني أشاطر الكاتب الأمريكي اروين وول في كل ما ورد في كتابه، فهو كاتب أمريكي له قراءته لحرب الجزائر من منظار كاتب أمريكي يملك معلومات قيمة عن ماضي الاستعمار الفرنسي في الجزائر وفي الفيتنام وهو كذلك ليس مؤيدا لسياسة الولايات المتحدة التي دعمت على الإطلاق سياسة فرنسا في الجزائر باستثناء الرئيس كينيدي يخص بتقدير كامل من الوطنيين الجزائريين بسبب مؤازرته لاستقلال الجزائر في حين نجد الولايات المتحدة تقدم دعما ماليا وأسلحة حربية لفرنسا ضد الثورة الجزائرية، اعترف الكاتب بأن الحرب التي كانت تدور في الجزائر بأسلحة يأتي قسم كبير منها من الولايات المتحدة الأمريكية!! والأهم في هذه الدراسة هو أن الكاتب قدم للقارئ في الولايات المتحدة معلومات قيمة عن الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر وتفقير الشعب الجزائري بمصادرة أراضيه وتقديم هذه الأراضي للوافدين من أوروبا، وتحدث عن وحشية ديغول في مجزرة ماي 1945 دون أن ينسى أن طراداً أمريكيا قام بقنبلة قرى الجزائريين، واعتمد في إحصائيات ضحايا هذه المجزرة على مصادر فرنسية، وقال إن المسلمين تحدثوا عن مقتل 45 ألف قتيل، ولم يشر إلى نيويورك تايمز New York Times” الأمريكية التي تحدثت عن 80 ألف قتيل من المسلمين، واعتبر أن ما تم كان من وحشية ديغول، وتحدث عن تلاعب الإدارة الاستعمارية في الانتخابات لفائدة أوروبيي الجزائر ولاحظنا من خلال قراءتنا لهذا الكتاب أن المؤلف لا يتحدث عن جيش التحرير بل يستعمل كلمة “المتمردين”( تركت عن قصد ما ورد في الكتاب – المترجم) وكان على المترجم ألا يترك هذا المصطلح يمر بدون تعليق، كما نراه يقول “حافظ دبلوماسيو الخارجية الأمريكية على علاقات مع قادة المتمردين” وفي مكان آخر يقول: سعت شركات النفط الأمريكية للحصول على امتيازات من “المتمردين الجزائريين ويعني بذلك جبهة التحرير “تحسبا لانتصارهم” في حين كما يقول أيدت نقابات العمال الأمريكيين استقلال للجزائر، وقدمت مساعدات لنقابات العمال الجزائريين، ولعل أهم ما في هذا الكتاب هو تقديم معلومات موثقة على سياسة قادة فرنسا إزاء ثورة الجزائر ومناوراتهم التي أدت إلى استمرار الحرب في الجزائر، وتحدث مؤلف هذا الكتاب على زيارة الفيلسوف الفرنسي اليهودي الأصل، ريمون ارون Raymond Aron للولايات المتحدة واستقبل من طرف أبرز الشخصيات وعبر أمام هذه الشخصيات عن ضرورة البحث عن حل للقضية الجزائرية، ذلك أن بقاء الوضع على ما عليه حاليا يهدد بظهور فاشية في فرنسا، والجدير بالذكر أن ريمون أرون كان قد صدر له كتاب قيم بعنوان:”المأساة الجزائرية” وانتهى في تحليله في هذا الكتاب أن الحل هو الاعتراف باستقلال الجزائر. ويورد مؤلف هذا الكتاب معلومة هامة هو أن وزارة الخارجية الأمريكية قد سجلت بارتياح تحسن العلاقات الفرنسية التونسية ذلك أن الأمريكيين يعتبرون بورقيبة ورقة رابحة للغرب، وأنه مفيد لمنع وقوع جبهة التحرير الوطني تحت “النفوذ المصري”.
قلق فرنسي بل غضب شديد ضد أمريكا التي تركت ممثلي جبهة التحرير الوطني في الولايات المتحدة يقومون بنشاط سياسي واسع النطاق إلى درجة أنهم يستقبلون في الخارجية الأمريكية، فقد استطاع ممثلو جبهة التحرير في أمريكا كسب الرأي العام الأمريكي، إلى جانب المعونات الإنسانية التي يقدمها الأمريكيون إلى اللاجئين الجزائريين الثلاثة ملايين وثلاثمائة دولار ، وهي أموال قالت عنها وزارة الخارجية الفرنسية أنها تذهب مباشرة إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وفعلا كانت فرنسا كثيرا ما عبرت عن قلقها من نشاط جبهة التحرير في ألمانيا الاتحادية، والولايات المتحدة، حيث أنها التجأت إلى تصفيات جسدية ضد الوطنيين الجزائريين قامت بها اليد الحمراء، وطالت هذه التصفيات عدة شخصيات وطنية بل حتى ألمانية، وفي الولايات المتحدة تعدت استقبالات ممثلي جبهة التحرير في الولايات المتحدة من طرف الخارجية الأمريكية. ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تصغي لاحتجاجات الفرنسيين لأنها تحضر للمستقبل وتدرك جيدا أنه في النهاية الجزائر سوف تستقل وأن الولايات المتحدة لها مصالح مع جزائر الغد.
وفي الفصل السابع من هذا الكتاب يرحل بنا المؤلف عبر مواقف ديغول من الجزائر منذ وصوله إلى الحكم في 1958 وإلى تقرير المصير.

ديغول بين مواقفه العلنية – وقناعته الشخصية
يبدو أن ديغول بعد أن جرب كل الوسائل للاحتفاظ بالجزائر منذ وصوله إلى الحكم، وقد صرح في سعيدة في زيارة خاصة له”بأن ديغول ما دام حيا لن يرفرف علم جبهة التحرير فوق الجزائر أبدا، وأن فرنسا وجدت في الجزائر لتبقى” والأقوال كثيرة من هذا النوع، في حين يقول IRWIN M. WALL في كتابه الذي نقدمه للقراء قائلا “أننا نتوفر على عدة أسرار قالها شخصيات فرنسية عديدة ومنها نستخلص أن فرنسا في رأيه لم يكن في إمكانها أن تحتفظ بالجزائر، وأنه فات الأوان، وأن استقلالها لا مفر منه، وأنه لا يوجد أمامه خيار آخر بخصوص الجزائر سوى تقرير المصير” ويعتقد Jean la Couture من كبار صحافي فرنسا وكاتب سير شخصيات فرنسية ومنها سيرة ديغول يؤكد هذا القول، كما نقل هذا الكاتب عن المؤرخ Benjamin Stora والقائل من السهل التنبؤ منذ 1957، بأن ديغول كان ينوي قيادة الجزائر إلى الاستقلال الذاتي، ثم تقرير المصير وهذا كلام يتناقض في تصريحاته العلنية.
وعلى العموم فالمؤرخ الأمريكي يضع أمامنا حقائق تاريخية عن حرب الجزائر في قراءة أمريكية أقرب منها إلى ما كتبه المؤرخون الفرنسيون حول هذه الحرب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com