رأي شارح لأوضاع الدخول المدرسي هذه السنة وتصحيح للوضع
د.عبد القادر فضيل/
إن الدخول المدرسي الذي تأخر هذه السنة عن موعده المعتاد عشنا معه لحظات هامة وعشنا بعض جوانب الأوضاع التي كنا ننتظر شرحها وتحديد جوانبها من قبل وزارة التربية. كنا ننتظر شرح الحقائق التي يجب ذكرها في هذا المجال وإبراز الجوانب والقرارات التي قررتها الدولة وجعلها المسؤولون جانبا من جوانب الاتجاه الوطني والسياسي، إن الجانب الذي عشناه وعاشه الميدان هو أن المدارس قد هيأتها الدولة رغم الظروف الصعبة ووجهتها لاستقبال الموسم، ففتحت أبوابها للجميع، للتلاميذ والمعلمين في 09/21/ 2022 تاريخها المحدد. وتوجه المعلمون الذين بدأوا يشعرون بأن هناك توجها جديدا ينتظرهم في هذا الموسم وهم مطالبون بتنفيذ ما يطلب منهم ومسايرة الظروف الجديدة والتلاميذ هم الآخرون أحسوا بوجود التغيير الذي سمعوا عنه ولكنهم لا يدركون حقيقة الجديد الذي يجب أن يعيشوه ويتمثلوه عمليا.
إن أهم ما وجد التلاميذ في انتظارهم في السنة الثالثة هو أنهم سيتعلمون لغة جديدة هي اللغة الإنجليزية، فالنظام يفرض عليهم في هذه السنة تعلم هذه اللغة التي قررتها الدولة وفكر المسؤولون في أن يجعلوها بديلا ومعوّضا للغة الفرنسية التي يرى المفكرون ضرورة تأجيلها إلى ما بعد الابتدائي، فاللغة الإنجليزية التي طرحها الرئيس وبين أهميتها في الحياة العلمية، تمكن أبناءنا من لغة لها مكانتها العلمية والحضارية وتجعلهم يسايرون ما يجري في العالم المتطور. هذا هو الأمر الذي تم إقراره وأصبح إجراء مطورا للواقع اللغوي الذي يوجه الاهتمام إلى الاكتفاء بلغة أجنبية واحدة في الابتدائي، ويزحزح الفرنسية من مكانها ويؤجل تدريسها إلى المتوسط، هذا هو الأمر الذي لم يتضح لدى المهتمين بالتعليم، فلم يعرف المديرون والمعلمون والمفتشون ما نوع التوجه الجديد، لم يعرفوا الصيغ المطلوبة في التنفيذ. ولم يتضح لديهم أن هذه اللغة الذي تم طرحها لا تزاحمها اللغة الفرنسية في السنة التي تنطلق منها لأن القرار المطبق لا يفرض تعلم لغتين أجنبيتين في السنة الثالثة، أو في السنة الرابعة لأن جمع لغتين في مستوى واحد يجعل التلاميذ يتلقون ثلاث لغات في سنة واحدة العربية، الإنجليزية والفرنسية وهذا لا نراه مقبولا. ولا نظن أن المسيرين لعملية التربية يسايرون هذا الاتجاه ويقبلون هذه الفكرة التي لا ندري من كان وراءها لأنها فكرة غريبة في طرحها، ومع الأسف أن الوزارة قبلتها وأعلنت عنها ووجهت الميدان إلى العمل بها، وهذا لم نكن نتصوره، والسبب في كل هذا هو غياب الهيئة التي توجه عمل الوزارة (المجلس الأعلى للتربية). كان من المفروض أن يتضح الموقف الرسمي بعد تحديد السنة التي تدرج فيها الإنجليزية الموقف الذي يفرض تأجيل الفرنسية وزحزحتها من مكانتها وتأجيلها ثلاث سنوات على الأقل. ولا تبقى في السنة الثالثة وهذا الموقف لم يتضح، وقد انتظر الناس توضيحه ولكن ما وصل إلى الميدان هو المعلومات الخاصة بالصيغة التي تنطلق منها الإنجليزية، هذه المعلومات قررت إبقاء الفرنسية في مكانها السنة الثالثة بحيث يتعلم تلاميذ هذه السنة لغتين أجنبيتين في وقت واحد، وهذا يعني أننا نحاول خنق أطفالنا حين نطالبهم بتعلم ثلاث لغات في مستوى واحد. إننا بهذا نجعلهم يواجهون إشكالية صعبة في النطق، فالصعوبة التي تواجههم في النطق بالحروف الإنجليزية وهي تختلف عن النطق بالأصوات الفرنسية، فما يقدم في الفرنسية يجعل الناطق بها يجد صعوبة حين يحاول أن يفرق بين ما ينطق في المجالين، فكيف يمكن للتلميذ أن يتعلم أساسيات لغتين منذ البداية.
وهناك إشكال آخر يواجه القائمين بتسيير أمور المدرسة يجعلهم مطالبين بمراقبة مستويات المعلمين الثلاثة وتجديد تكوينهم وتطوير معارفهم وتوجيههم في المجال الصوتي في النطق الصحيح وهذا نراه يدخل ضمن نطاق المستحيل عمليا.
وحَلا لهذا الإشكال يتعين أن يجعل المسؤولون السنة الثالثة سنة خاصة بتنفيذ القرار الهام الذي قررته الدولة وطرحه الرئيس وهو تخصيص وقت كاف لتعلم اللغة الإنجليزية تعلما مستوفيا كل الشروط الضرورية وإزاحة الفرنسية من السنة الثالثة وتأجيلها إلى مستوى آخر، لأنه لا يمكن جمع لغتين أجنبيتين في بداية التعلم، وفي سنة واحدة، ولا يعني هذا أن تأجيل الفرنسية يقلل من قيمتها أو يقلل من الاهتمام بها وبأهميتها، إنما يعني أن تسعى إلى استمرار الجهد الخاص بتعليم الإنجليزية. الجهد الذي يبذل في المتوسط والثانوي، وهو الجهد الذي له نتائج طيبة وبإضافة هذا الجهد في الابتدائي يُستكمل الجهد الوطني في المجالات المختلفة. هذا هو ما نسعى إليه ونطالب المسؤولين بأن يتبنوه ويسايروا هذا الموقف، لأن بقاء الوضع الذي تم الشروع فيه وتبنى العمل به هو الجمع بين تعليم اللغتين الأجنبيتين في بداية التعلم وفي سنة واحدة إجراء معقد للوضع اللغوي الذي يقدم للأطفال، ومرهق لهم وخنق لإرادتهم لهذا نريد أن يصحح الوضع في المدارس. وإذا لم تتمكن الوزارة من تنفيذ هذا التصحيح، فإن الحل الضروري الذي يمكن اللجوء إليه اضطرارا حتى ولو كان غير مفيد هو جعل تعليم الإنجليزية تعليما شفهيا وبساعات قليلة، ينفذ هذا كمرحلة ممهدة تتبع هذا العام وفي العام القادم يراجع الوضع. وبهذا الحل تضطر الوزارة إلى إبقاء الفرنسية هذه السنة في السنة الثالثة وهذا ما تفعله ولكن بصفة مؤقتة، ولكنها تعلن منذ الآن أن هذا الإجراء مؤقت. وخاص بهذه السنة، وينتهي العمل به مع نهاية السنة المدرسية الحالية، وفي السنة القادمة يعاد ترتيب الأمور بحيث يخصص الوقت الكامل للغة الإنجليزية وتعلم تعليما شاملا شفهيا وكتابيا، ووفق برامج محددة ومضبوطة ويعطى لها الوقت المطلوب، ويهيأ لها المعلمون تهيئة تامة، ويؤلف لها كتب يسهم في إعدادها من لهم خبرة تربوية ولغوية، هذا هو الحل المصحح، وهذا هو الاقتراح الموجه للحل والمشكلة التي طرحها التنظيم وبينا علاجها في السنة التي ينطلق منها تعلم اللغة الأجنبية الإنجليزية مع أن السنة الملائمة في السنة الرابعة وهي السنة التي كانت محددة في وقت التعليم الأساسي، وكانت مطبقة لأن بداية تعلم اللغة الأجنبية يفرض أن يسبقه تعلم اللغة الوطنية بثلاث سنوات، لأن تلاميذ السنة الثالثة تعلموا لغتهم في مدة سنتين فقط، وهذه المدة غير كافية والتلاميذ لا يكونون مهيئين لأنهم لا يزالون لم يتقنوا أساسيات لغتهم، وهذا كان مطبقا في التعليم الأساسي ولكن الوزارة في الألفية الثالثة نزلت تعليم اللغة الأجنبية من السنة الرابعة إلى الثانية ثم نقلتها إلى الثالثة، وهذا هو الذي اعتمدته الوزارة هذه السنة في تحديد السنة التي انطلقت منها الإنجليزية. وكان المفروض أن يتجه تفكير الوزارة إلى هذا الموضوع ويحدد السنة الملائمة وكان هذا ممكنا. هذا هو الخط الذي لم يوضح للعاملين في الميدان، لذا أردت بهذه المقالة أن أوضح المطلوب وأبين للقائمين على التربية وأدفعهم إلى الاقتناع بالوضع الذي نراه ويراه غيري من المربين، وبالموافقة على ما ذكر في هذا الخط، لأنه أمر ضروري. أمر يوضح السير الذي يتبع في الميدان، وإذا رفضت الوزارة هذا المنطق فمعنى ذلك أن المسؤولين فيها لا يسايرون الفكر التربوي الصحيح، ولا يحكمون عقولهم، ولا يستخدمون التحليل المنطقي، وحينئذ تكون نتائج ما يقومون به هو الفشل المبين والفشل لا يقبله أحد، ومن الجوانب التي تم الحديث عنها وأعلن عن الاهتمام بها هو تجهيز مدارس الابتدائية بالوسائل الرقمية باستعمال اللوحات الرقمية (هذا جانب آخر).
هذه الوسائل لم تشرحها الوزارة ولم توضح جوانبها الدقيقة، ولم تحدد الهدف من استعمالها، رغم أن السياق يوضح الجانب الأساسي من استعمالها ومعالجتها، هذا الجانب هو تخفيف المحفظة وهذا هو الهدف الذي قصدته الوزارة وهو الذي كتبتُ عنه وشرحته في مقال سابق، لأن الهدف الأساسي من استعمال هذه الوسائل هو المعالجة العلمية والتقنية ولكن ما ذكرته الوزارة في شروحها هو الإجراء الخاص بتخفيف المحفظة لأن اللوحات تعوض الكتب (وهي وسيلة تعليمية وهذا ما طرحه الوزير حين درس الموضوع مع مديري التربية في ندوة خاصة، ووجه الاهتمام إلى أن اللوحة وسيلة حديثة في التعلم وهي تعوض كثرة الكتب وتعالج ما يتضمنه الكتاب. وهذا تخفيف للمحفظة التي بدأ الاهتمام بها منذ سنتين. وقد كتبت حول الموضوع وأوضحت أن الهدف الذي ركزت عليه الوزارة هو تخفيف المحفظة، وليس المعالجة العلمية التي يجدها التلميذ في الحياة التي يعيشها وينبغي أن نشير هنا إلى أن المربين ينصحون بقلة استعمال هذه الوسائل وبعدم الإدمان في التعامل معها لأن لها تأثيرات نفسية تترك أثرها في شعور المتعلم وفي جوانب حياته النفسية، وتقلل من رغباته في تصفح الكتاب، وفي قراءته وتتبع ما فيه، ثم إن هذه الوسائل مكلفة ماديا ونخشى أننا لا نستطيع توفيرها لجميع التلاميذ وتدريبهم على التعامل بها والجانب الجديد الذي تمت إضافته في تنظيم التعليم هذه السنة في المرحلة الثانوية هو إنشاء شعبة الفنون في التعليم الثانوي وجعلها تهيأ التلاميذ لاجتياز امتحان خاص في مستوى البكالوريا، إن الحاجة لهذه الشعبة الفنية تجعلنا نحس بالحاجة إلى شعبة العلوم الإسلامية الشرعية التي تم إلغاؤها مسبقا وموضوع المحفظة طرحته من جوانب أخرى أهمها عمل الأساتذة، وهو سبب ثقل المحفظة، لأنهم يفرضون على التلاميذ إحضار جميع الكتب المقررة وهذا عمل مرهق للتلاميذ وسبب ثقل المحفظة. وكان المفروض أن يعالج هذا الموضوع توجهات الوزارة والمفتشين فالتوجهات ينبغي أن تطلب من المعلمين أن لا يفرضوا على التلاميذ أن يحملوا كل الكتب حين يتوجهون إلى المدرسة وما يطلب منهم هو إحضار الكتب الضرورية التي يحتاجون إليها في الحصة فقط. حين يشرع الأستاذ في شرح الدرس وتقديم التوضيحات وباقي الكتب تبقى في المنزل للاستعانة بها، والأستاذ يُطلب منه الاطلاع على ما في الكتب المخصصة لدروس ذلك اليوم، لأن هناك كتبا ليس من الضروري إحضارها لأن الأستاذ يلم بها ويسجل ما يجب أن يشرحه ويضاف إلى حمل الكتب ما يحرص عليه بعض الأساتذة حين يطلبون من التلاميذ شراء كراريس ضخمة وسجلات معينة وأدوات أخرى وهي أمور مكلفة وثقيلة، هذا جانب من الجوانب التي طرحت في مجال التجديد والتنظيم، وهو الجانب الذي يلائم التطور الذي تسعى إليه المدرسة ويحرص عليه النظام، هذا جانب من أوضاع الدخول المدرسي هو مسايرة التطور الحاصل في ميدان السياسة اللغوية، وهو ما اقترحت معالجته.
إن ما نريده هو أن يكون تعليم الإنجليزية الذي قررناه منفذا في جميع المدارس وبأسلوب تربوي ملائم، وهو ما شرحناه، وبمستوى معلمين أعدوا إعدادا شاملا. وتتمة لهذا التوجه الذي يسير عليه النظام يطلب من المسؤولين مراجعة الإجراء المعلن عنه وهو تعليم لغتين أجنبيتين للأطفال في سنة واحدة، لأنه خطأ تربوي كبير يجب أن يراجع ويصحح قبل تعميم العمل به أو يصحح في السنة القادمة لأن بقاءه كما ورد يشكل انحرافا تربويا يحط من قيمة النظام ويطعن في تفكير المسؤولين عن النظام وتطبيق هذا الاقتراح هو ما قصدته من خلال هذه المقالة.