قضايا و آراء

نهاية المجتمعات

أ. عبد القادر قلاتي/

هذا عنوان كتاب ألفه عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين الذي غادرنا الشهر الماضي، (نهاية المجتمعات، آلان تورين، ترجمة: الأستاذ عبد الرحيم حزل، دار الأمان للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى 2017) وتورين آخر العمالقة الكبار في المجال التداوي الغربي، الذين تركوا أفكاراً عميقة ظلّت تحرّك الواقع الثقافي والمعرفي الغربي خلال القرن الماضي، وهي أيضا من أحدث جملة من التحوّلات في السياسة والاجتماع، جعلت من حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية فضاء للهيمنة الفكرية، على مجمل الانتاج الفكري في العالم، وتورين في كتابه هذا لم يعتمد على المقولات السوسيولوجية، باعتباره ينتمي إلى حقل السوسيولوجيا، لكنه اعتمد على جملة من المجالات المعرفية والسياسية، التي تفسر بوضوح حالة المجتمع الحديث، الذي يعرف وضعا اقتصادياً شبيهاً بالأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية عام 1929م، فالأزمة الاقتصادية التي صنعت الفارق بين الرأسمالية في جانبها الاقتصادي، والرأسمالية «النموذج» الذي قام عليه الغرب المعاصر في التوصيفات الاجتماعية والطبقية، فهذا الاختلال بينهما هو من عجل -بحسب تورين – النهاية الموضوعية للمجتمعات الرأسمالية، والحق أنه يقصد المجتمعات الصناعية، التي تمثل النموذج الذي سعت إليه الرأسمالية التي طغت وتجبرت في الأرض، ودعت إلى نهاية التاريخ، باعتبارها -أي النّظرية الرأسمالية – النهاية الحتمية والضرورية للفكر الإنساني، لكن الازمات العالمية المتتالية في العالم، جعلت تورين يسأل: «هل لا يزال مفهوم المجتمعات هو المنظار المناسب، الذي ينبغي علينا معه، رؤية ملامح الواقع الذي نعيشه اليوم أو سنعيشه في المستقبل؟» مستخدما جملة من المفاهيم إلى جانب استحضاره لأحداث عرفها العالم في السنوات الأخيرة؛ تمثل أعلى درجات الأزمة؛ منها الحركة الأميركية المعروفة بشعارها حول «احتلال وول ستريت»؛ والمظاهرات التي شهدتها موسكو منذ سنوات ضد فلاديمير بوتين؛ والأزمة المالية الكبرى التي دفعت، وتدفع، اليونان إلى حافة الإفلاس. والتهديد بالخروج من منطقة اليورو؛ وأحداث «الربيع العربي»؛ كلّ ذلك ليشرح فكرته حول «نهاية المجتمعات»، دون أن ينسى سياسة الغرب في إضعاف وتحييد دور المؤسسات الاجتماعية في ظلّ هيمنة الدولة المركزية، وتدخلها القانوني وغير القانوني في مجمل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ليس في الدول الغربية فحسب بل في العالم كلّه، خصوصاً في الجغرافيا الاستعمارية التي ما تزال تدين بالولاء السياسيّ للغرب.
لا أظن أن أطروحة تورين بالقوة التي تجعلها تصمد أمام احتمال بروز تحولات جديدة في الغرب، تجعل منها -أي أطروحة تورين – مجرد تأويلات هامشية على خريف العمر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com