ملف

العلامة الطاهر آيت علجات الممثل لستة أجيال والشاهد عليها يرحل عنا

تأكد لنا اليوم الأربعاء 25 ذو القعدة 1444هـ الموافق 14 جوان 2023م، نبأ وفاة شيخنا العلامة الطاهر آيت علجات، فاللهم ارحمه وأسكنه فسيح جناته، وعوض الأمة فيه خيرا، وألحقه بقوافل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والمصلحين وحسن أولئك رفيقا، فقد كان أمة في علمه وورعه والتزامه وأخلاقه ووقاره وثباته وبصيرته، وأناقته وصمته وإشراقة وجهه وانشراحه، وتواضعه وسمته، نصيرا للصحوة الروحية والاجتماعية الكبيرة التي شهدها المجتمع الجزائري بعيد الاستقلال حتى وفاته، ناصحا وراعيا لها، بل ومساهما في بنائها مع الجيل الذهبي من العلماء والمفكرين والمربين والدعاة المخضرمين الذين عاصروا أجيال الحركة الوطنية وكانوا من شبابها، وأجيال الثورة وكانوا من رجالها، وأجيال الاستقلال وكانوا من بناته وحماة هويته بكل ما أوتوا من ذكاء وفطنة وحنكة وقوة، متحملين في ذلك مشاق جمة، لم تثنهم عن الثبات حتى لقي منهم من مات ربه لم يغير ولم يبدل موقعه ولا موقفه، وظل غيرهم كذلك ومنهم شيخنا الجليل الشيخ الطاهر آيت علجات رحمه الله، الذي لم يتزحزح قيد أنملة عن مبادئ الإسلام واللغة والوحدة والثورة وأمانة الاستقلال وروح الصحوة، ونسأل الله الثبات للباقين وأن يمد في أعمارهم ويبارك للأجيال فيها.
إن الشيخ الطاهر آيت علجات كان ممثلا لستة أجيال كاملة وشاهدا عليها، هي جيل الحركة الوطنية، وجيل الثورة، وجيل الاستقلال، وجيل الصحوة، وجيل المحنة، وجيل ما بعد المحنة وتطلع أجياله إلى نهضة حقيقية للمجتمع الجزائري، كما عبرت عنها الهبة الوطنية المباركة في 22 فبراير 2019، وقد وفقه الله تعالى ليكون في عمق كل هذه الأجيال والمراحل، بنفس الروح العالية، والوعي المستنير، والبصيرة النافذة، ولذلك يحق لنا أن نعتبره ممثلا لكل هذه الأجيال وشاهدا عليها في الوقت نفسه، فيما أحسنت ووفِّقت فيه، وفيما لم تحسن وتوَفَّق فيه، في حق المجتمع أو الدولة أو الأمة والمستقبل عامة.
وهذا الحضور المتوازن في عمق أحداث المجتمع وتحولاته في كل هذه المراحل الطويلة، ليس أمرا سهلا أو متاحا لكثير من المتفاعلين مع الشأن العام والمؤثرين في المجتمع، لكثرة المتغيرات والتحولات والتحديات التي تطرأ على الأفراد والمجتمعات والدول، وتضطر كثيرا من الناس إلى تغيير أفكارهم ومواقفهم ومواقعهم، ولكن الشيخ الطاهر آيت علجات لم نلحظ في مسيرته الطويلة ذلك، بل ظل يتحرك في عمق الأحداث المحيطة به، بنفس الروح الرسالية الوطنية العالية، ونفس النقاوة السلوكية والسماحة الآسرة، وهو ما يدعو إلى التأمل والدرس والاعتبار والاقتداء فعلا! من أين له بذلك كله؟
رحم الله هذا العالم الرباني الرسالي الذي كانت أبرز وأقوى سمة فيه هي سمة الصمت والوقار الناطق، بالرغم من أنه معلم وإمام مهمته الكلام! ولكن كان الصمت والوقار الناطق أقوى منهجية تربوية تميزت بها حياته الرسالية، فقد كان لا يتكلم إلا للضرورة، ويشتاق جلساؤه إلى سماع صوته ورأيه، ولذلك إذا تكلم أصغى له الناس وأخذوا كلامه مأخذ الجد، وهذه سمة ومنهجية عزيزة ليست متاحة لكل المربين والدعاة والموجهين، إنها منهجية القدوة الناطقة.
فاللهم أرحمه وتجاوز عنه وبوئه منازل الصديقين، وأفرغ صبرك على أهله وذويه وتلامذته ومحبيه، وثبتنا على الطريق التي مضى عليها هو وغيره من هؤلاء العلماء الأعلام الوعاة الهداة، ولا تحرمنا اللهم أجرهم، ولا تفتنا بعدهم. و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
د. الطيب برغوث

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com