محمد الطاهر آيت علجت: عارفٌ بالله، ومجاهدٌ يقتبس أنوارَه من الأزمنة الروحية والتحريرية الجزائرية.
كانت الابتسامة وجْهَه ومحيّاه، لا يتعمّدها ولا يصطنعها، كانت جزءاً من وجهه، ولمن يراه يتمنّى أن يُبقي نظره ثابتاً نحوه مستمداً من نوره منصِتا لكلامه، تواضعه وحياؤه يُخجلك أن تتكلّم أمامه، يذكِّرُك بأخلاق وسمْت العلماء والصّلحاء، قدِم من زمن العالم الصّالح المرابط يحي العيدلي، ينتسب له النّسبة الكاملة، زاوية “تمقرة” العامرة ظلّت قروناً إشعاعاً للعلم وإصلاحاً بين النّاس وقوتاً للجائعين وملجأ للغارمين والهاربين من الظّلم والتّعسف، إنها أمكنة بجاية النّاصرية التي انتصرت لأبي حامد لغزالي حين أحرق كتبَه المرابطون، وكان العلم يشعّ من صدور رجالها كما ينبع الماءُ من حيطانها، اختارها المهدي بن تومرت وعبد المؤمن بن علي الندرومي لتكون بداية التّخطيط لقيام دولة الموحدين ويشاركهم في المسيرة نحو الغرب بعض من متيجة والونشريس وتلمسان، ورحَل إليها بومدين الغوث والثّعالبي اليسّري المتيجي وزروق البرنسي والملياني والمغيلي وغيرهم.
• الشّيخ الطّاهر آيت علجت عاش أزمنة الجزائر المعاصرة، كانت زاويته رباطاً جهادياً ضدّ الاحتلال الفرنسي وتخرّج على يديه ثلّة من العلماء أغلبهم شارك في الثّورة وحماية المذهب والخصوصيّة الثّقافية للجزائر، ويكفيه فخراً واعتزازاً وثواباً أن كان من تلاميذه الشّيخ محمد الشّريف قاهر -رحمه الله-.
تعرّفت عليه وجالسته تبركا في مناسبات، وكنت أقول في نفسي لماذا لا يقتدي به مدّعو التّصوف والفتوى من الدّجالين والمدعين والطماعين وتكون زواياهم عامرة بالقرآن والعلم وعمل الخير والإصلاح بين النّاس؟
كان مفتياً للثّورة وحاول جهْده منع الحكم بالإعدام على (الحركى) وأفتى بذلك، وتلك شجاعة ورؤية متبصّرة، وفي قصة طريفة معه بحضور الشيخ محند ايدير مشنان سألته عن النّميمة بين المثقفين والأدباء التي كان يستحسنها الأديب الطاهر وطار -رحمه الله- قال لا يجوز وتعتبر أشدّ أنواع النّميمة وأكثرها أذى.
الشيخ آيت علجت عاش زمن الفتنة وأيّد بعضهم معتقداً أنها بداية عهد جديد ولكنّها زاغت عن الهُدى فكان حاله مثل شعور الحسن البصري الذي قال (أصابَتنا فتنةٌ لم نكُن فيها بررةً أتقياء ولا فجرةً أقوياء) رحمه الله وما عسانا أن نقول إلاّ أن نستلهم العبرة من رجل بلَغ قرناً ونيفاً، طال عمره وحسُن خلقه ولم يؤذ أحداً في حياته – حسب علمنا، لأنّ المؤمن يَشعر دوماً أن بينه وبين القبر شبرا واحدٌا، وفي موته عِظة للذين تسوءُ أخلاقهم منكّصين منتكِسين في أواخر حياتهم، عاش مخلصاً للمتون وأنواع الفنون، وفي تدريسه عبرةٌ للذين يعتقدون أنّ العطاء التربوي والعلمي محدود بالسنّ، سيذكر بعضهم مناقبه وخصاله في الشّاشات وفي النّصوص ولكن منهم من يَحسن به السّكوت لأن قوله خِلاف سلوكه، وشتّان بين الثرى والثّريا، ولو يتعظ ويأخذ العبرة أهدى له من قولٍ يلوكه في المقابر ومناسبة نعي الأموات.
(أنجز فيلم وثائقي عنه من طرف مديرية الثقافة الإسلامية زمن وزارة محمد عيسى للشؤون الدينية، تشرفت بكتابة نص الفيلم ومتابعة إعلامية والبحث ومقابلات الزميل الإعلامي جلولي عبد الرزاق من الإذاعة الثقافية أنتجه الزميل بودرمين أحمد صاحب شركة دار القبية).
د. بومدين بوزيد