أهمّ صور الوفاء والاحتفاء!!!
لا يرتاب اثنان في مكانة الشيخ طاهر آيت علجت رحمه الله وخلقه والثناء عليه، فقد أجمعت كلمة كلّ من عاشره وعامله وعرفه على تواضعه وحسن معاملته وصفاء سريرته بما شاع عنه وتواتر، وبما ظهر للناس من دلائل ذلك، وعلى كونه أنموذجا كان يعيش بيننا من السلف الصالح؛ لأنّك لا تكاد تفتقد صفة من صفاتهم إلا وله فيها نصيب.
وحسبه ذلك -إن شاء الله – علامة على خير عظيم يلقاه، وعلى رضى رب عظيم عجّل له بما يدلّ على رضاه.
وأنا هنا – في هذه الكلمة المختصرة – أستغني عن ذكر خصال الرجل ومناقبه بما ذكرتُه بإجمال هنا، وبالكثير الطيب الذي كتبه عنه – وسيكتبه عنه دون شك – محبُّوه وتلاميذه ومعاشروه، أستغني عن ذلك – رغم أهميّته ولزومه – بتوجيه الأنظار إلى ما أراه أكثر نفعا للأمة، وللشيخ في قبره، وأكثر التصاقا بخلق الوفاء، وأطول بقاء من صور الاحتفاء.
أقصد – بوضوح – الاهتمام بخدمة تراث الشيخ العلمي الذي شُغل به فترة طويلة من عمره المبارك بعد تفرغه من جهاد المستعمر وإقباله على التعليم في زوايا العلم والذكر، ومساجد العلم والعبادة، فقد تفرغ الشيخ -خصوصا بعد تجاوزه سن الكهولة – للتعليم وتدريس المتون وأهم العلوم، ومن ذلك شرحه للموطأ، ومختصر خليل، والرسالة، وشرح تنقيح الفصول، وألفية ابن مالك، ومتن الآجرومية، وقطر الندى، ومتن ابن عاشر، ومتن الرحبية، والعاصمية، والتبصرة في قراءات الأئمة العشرة، والتعريف، واللامية، وغيرها من كتب الفنون والعلوم، وقد سُجِّلت بعض تلك الدروس عندما أتيح التسجيل، وبعضها لم يسجّل أصلا للأسف الشديد، والحمد لله أن كثيرا ممن كان يلازم دروسه، من طلاب العلم النجيبين، وبعضهم صار من الدكاترة الباحثين، فنطمع أن كثيرا من درره وفوائد دروسه لا تندثر كما حصل – وما زال يحصل – مع كثيرين غيره، للأسف الشديد.
– وأقترح لذلك تشكيل جمعية أو مؤسسة لخدمة تراث الشيخ تأخذ على عاتقها جمع كل المكتوبات وكل المسجلات وكل المصورات من دروس الشيخ خاصة ونشاطاته الأخرى بعد ذلك، أوّلا، ثم تشكل لجان متنوعة من المختصين لتهيئتها في موسوعةٍ جامعة لتراث الشيخ، مخدومة، محققة، ومطبوعة طباعة تليق بالشيخ، وتليق بالجزائر، وتليق بتراث المغاربة وعلمهم الذي مازال بحاجة إلى مزيد من الخدمة والعناية اللائقة بما فيه من تحقيق وتدقيق.
– وأقترح – أيضا – جمع كل التسجيلات التي بقيت – بحمد الله – بصوت الشيخ، وبعد تنزيلها مكتوبة، منقحة، للموسوعة المذكورة، جمعها وإعادة تسجيلها بشكل راقٍ بوسائل العصر الحديثة، ثم إتاحتها – بأشكال متنوعة – بين يدي الأمة، لتستفيد منها كأن الشيخ حيٌّ بينها، ويعيش مع أجيالها.
– وأقترح – أيضا – صرف اهتمام الطلبة في مختلف التخصصات (الشريعة، علم الاجتماع، علم النفس، علم الأخلاق، علم الفلسفة…) إلى إنجاز رسائل (جادة!!!) عن رؤى الشيخ وآرائه في الموضوعات التي نتأكد من أن مادتها موجودةٌ وكافية في تراث الشيخ، مع التنبيه على اجتناب التكلّف والإصرار على تقويل الشيخ ما لم يقل، ووصفه بما ليس فيه، كعادة بعض المبالغين؛ لأن ذلك يضر به أكثر مما ينفعه، ويصرف الناس عنه أكثر مما يجعلهم يُقبلون عليه.
(ولعل من أقربها لطلاب الشريعة، خدمة الشيخ للفقه بصفة عامة، وللمذهب المالكي بصفة خاصة، ومن أقربها لطلاب علم الاجتماع: علاقة العلوم الشرعية بالإصلاح الاجتماعي في فكر الشيخ وممارساته، ومن أقربها لعلم النفس: الأخلاق ودورها في التأثير النفسى لدى المصلحين-تجربة الشيخ طاهر أنموذجا-، وهكذا مما تجود به قرائح الباحثين).
هذا بعض ما أراه أولى وأبقى وأتقى، وأرجو أن يأخذ المهتمون الأمر بجد، وأن يقترحوا ما يرونه أولى وأجدى، وأرجو أن يؤجر كلُّ مَن كتب شيئا، أو سيكتب شيئا عن الشيخ، وأن يبسط الله القبول لجهود المخلصين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
د. عبد الحليم قابة