الشكــرُ سِــرُّ دوامِ النِّعــم/ يوسف جمعة سلامة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(1).
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة:[{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} هذا من تتمة كلام موسى، أي واذكروا أيضاً حين أعلم ربكم إعلاماً لا شبهة فيه لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي،{وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} أي ولئن جحدتم نعمتي بالكفر والعصيان فإن عذابي شديد، وَعَدَ بالعذاب على الكفر، كما وعَدَ بالزيادة على الشكر ] (2).
لقد تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الشكر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما ذكرت السنة النبوية أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – كان الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في الشكرِ لله عزَّ وجلَّ؛ لذلك فإن الواجب علينا أن ننظر إلى نعم الله علينا فنتأملها، ونشكر الله على نعمه، ونعرف أن وراء هذه النِّعم مُنْعم وخالق ورزَّاق هو الله عزّ وجلّ، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا* فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا* وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ}(3)، ومن المعلوم أن الله عز وجل قدْ وَعَدَ الشاكرين بالمزيد من نعمه وخيره وعطائه، فبالشكر تزداد النعم، وبالجحود تزول النعم وتنتهي، كما قال الشاعر:
إذا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَم
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُـــكْــرِ الإِلَه فَـإِنَّ الإِلَهَ سَرِيـــعُ النِّقَــــــم
لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ
إن من الواجب على المسلمين أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على ما أولاهم من فضله وإنعامه، تقديراً لهذه الخيرات المحيطة بهم والنّعم التي لا تُعدّ ولا تُحصى، واعترافاً بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وطلباً للمزيد من برّه وخيره وإحسانه، فقد وَعَدَ الله سبحانه وتعالى الشاكرين على شكرهم كما في قوله سبحانه تعالي:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، وقوله سبحانه وتعالي أيضاً:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}(4).
وقد بيَّن رسولنا – عليه الصلاة والسلام – فضل شكر الله على نعمه، وأثر ذلك في البركة وفي تنزل الرحمات، حيث يقول – صلى الله عليه وسلم – : (بَيْنَمَا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَانْتَهَى إِلَى الْحَرَّةِ، فَإِذَا هُوَ فِي أَذْنَابِ شِرَاجٍ، وَإِذَا شَرَاجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَبِعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلانٌ. بالاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لِمَ سَأَلْتَنِي عَنِ اسْمِي؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ باسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَا إِذَا قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثَهُ، وَأَرُدُّ ثُلُثَهُ)(5).
ومن المعلوم أن الشكر سببٌ في زيادة النّعم واستجلاب البركات وتكثير العَطِيَّات من الله سبحانه وتعالى، ونعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى، ومنها: نعمة الإسلام، ونعمة الأمن، ونعمة الصحة والعافية…الخ ؛ لذلك فإن الواجب علينا أن نحرص على دوام هذه النّعم، ودوام النّعم لا يكون إلا بنعمة أخرى أَلاَ وهي نعمة (الشكر)، فالشكر سِرُّ دوام النّعم وبقائها، ومن أُلهم الشكر لم يُحرم الفضل والزيادة.
أفلا أكون عبداً شكوراً
لقد ذكرت كتب الحديث أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – كان المثل الأعلى والقدوة الحسنة للمؤمنين العابدين الشاكرين لله عزَّ وجلَّ، فهو مع مكانته العظيمة، ومع غفران الله سبحانه وتعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإنه – صلى الله عليه وسلم – كان يواصل العبادة والطاعة شكراً لله -عزَّ وجلَّ- وعرفاناً بفضله وتقرباً إليه سبحانه وتعالى، حيث كان – عليه الصلاة والسلام- يقوم الليل متهجداً راكعاً ساجداً حتى تتفطر قدماه، كما جاء في الحديث عن عائشة- رضي الله عنها – قالت:( كَانَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – إذا صلَّى، قَامَ حتى تَفَطَّرتْ رِجْلاَهُ، قالت عائشةُ: يا رسولَ اللهِ، أَتَصْنَعُ هذا وقد غُفِرَ لكَ ما تَقَدَّم مَنْ ذَنْبكَ وما تأخَّرَ؟ فقال: يا عَائِشَةُ أَفَلاَ أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا )(6).
نماذج للشـاكرين
لقد تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الشكر في العديد من الآيات الكريمة، مبيناً الآثار الطيبة التي تترتب على التحلي بها، كما أوضح أنّ شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه هو من صفات الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام-، وعباد الله الصالحين – رضي الله عنهم أجمعين-، حيث ذكرت الآيات القرآنية العديد من النماذج التي تدل على ذلك، منها:
* قوله -سبحانه وتعالى- عن سيدنا نوح – عليه الصلاة والسلام- :{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}(7).
* وقوله – سبحانه وتعالى – عن سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- :{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(8).
* وقوله – سبحانه وتعالى – أيضاً عن سيدنا داود وسيدنا سليمان – عليهما الصلاة والسلام- :{وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}(9).
كما وعد الله -سبحانه وتعالى- عباده الشاكرين بجزيل الثواب، فقال سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}(10).
وجعل – سبحانه وتعالى- من المقاصد التي أوجدنا الله -سبحانه وتعالى- من أجلها، أن نشكره على نعمه، كما جاء في قوله -سبحانه وتعالى- :{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(11).
بل جعل – سبحانه وتعالى- أول وصية وصَّى بها الإنسان بعد أن يبلغ ويعقل: الشكر له عزّ وجلّ وللوالدين، كما جاء في قوله -سبحانه وتعالى- :{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(12).
وأخبرنا – سبحانه وتعالى- أنه يحب لنا أن نكون من الشاكرين له، ويكره لنا أن نكون من الجاحدين لنعمه، كما جاء في قوله -سبحانه وتعالى- :{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(13).
وهكذا نجد أن القرآن الكريم يسوق لنا العديد من الأمثلة والنماذج للشاكرين، كما يتحدث عن فضيلة الشكر وثواب الشاكرين؛ ليزداد المؤمنون إيماناً على إيمانهم، وثباتاً على طاعتهم وعبادتهم، وشكراً لله سبحانه وتعالى على نعمه وآلائه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
أخي القارئ الكريم:
إن النّعم التي بين أيدينا تحتاج إلى حفظ ورعاية، فالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالشكر على نعمه وآلائه يُعَدُّ سبباً في دوام نعم الله علينا وكذلك في زيادتها وبركتها، فالشكر من أوجب الواجبات كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(14)، فلا بُدَّ للعبد المؤمن أن يُحافظ على دوام شُكْرِ المُنْعِم سبحانه وتعالى؛ حتى يكرمه الله سبحانه وتعالى بدوام النّعم ونمائها، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ}(15).
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الشاكرين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعيـن
الهوامش:
1- سورة إبراهيم الآية (7).
2- صفوة التفاسير للصابوني 2/91.
3- سورة عبس الآية ( 24-32 ).
4- سورة الواقعة الآية (68-70).
5- أخرجه مسلم.
6- أخرجه مسلم.
7- سورة الإسراء الآية (3).
8- سورة النحل الآية (120-121).
9- سورة النمل الآية (15).
10- سورة آل عمران الآية(145).
11- سورة النحل الآية(78).
12- سورة لقمان الآية(14).
13-سورة الزمر الآية (7).
14- سورة النحل الآية (114).
15- سورة القمر الآية (35).