الفرق بين النية والإخلاص، في العبادات والمعاملات
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com/
ـ الفتوى رقم:639
الســــــــــــؤال
قالت السائلة: نقرأ في كتب الفقه: أن النية شرط من شروط صحة العبادات، ونقرأ في القرآن أن أساس وروح العبادات الإخلاص، قالت: وسؤالي: ما هو الفرق بين النية والإخلاص؟ وشكرا لكم.
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
لتكون البداية بالقرآن، ومنه يفهم الإيمان، وبه يفهم القصد من البيان. قال الله تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ (سورة البينة:5)وما أُمِر أهلُ الكتاب والمشركون، وبنو آدم أجمعين، بعدما تفرقوا واختلفوا إلا بما يصلح لهم في دينهم ودنياهم، وما يجلب لهم سعادة الدارين، في الدنيا والآخرة،في معاشهم ومعادهم، فلم يكلفوا بما هو فوق طاقاتهم، ولا بما يشق عليهم،فما أمروا إلا بالإخلاص لله في السر والعلن، في القول والفعل، وتخليص أعمالهم من الشرك والرياء والنفاق والخداع والخيانة، والابتعاد عن إبطال أعمالهم بالمن والأذى.
أولا: ما هو الإخلاص؟الإخلاصُ اصطلاحا: التوحيد لله خالصاً، ولذلك سميت سورة قل هو الله أحد: سورة الإخلاص.وشهادة الإخلاص: شهادة أن لا إِله إلّا الله لأنّ من يقولها بلسانه صادقا بقلبه فقد أخلص الإيمان الحق، والولاء الحق للحق تبارك وتعالى. والإخلاص نقيض الشرك، كما أن الإيمان نقيض الكفر، وفي قاموس التعريفات:{الإخلاص: في اللغة ترك الرياء في الطاعات، وفي الاصطلاح: تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه} قال المؤلف:{وتحقيقه: أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه، وخلص عنه يسمى: خالصًا، ويسمى الفعل المخلص: إخلاصًا؛ قال الله تعالى: ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا﴾ . فإنما خلوص اللبن ألا يكون فيه شوب من الفرث والدم. وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص: الخلاص من هذين} (التعريفات:1/13).
وأما النِّيّة: فهي ما ينوي الإنسان بقلبه من خَيْرٍ أو شرٍّ.. والنَّوَى والنَّيّةُ: واحد، وهي: النِّية، مخففة، ومعناها: القصد.
ثانيا: الفرق بين النية والإخلاص: النية إرادة متقدمة للفعل بأوقات، والإخلاص يكون مصاحبا للعمل، فالإخلاص تعبير عن صفة العمل الجامع بين الباطن والظاهر، والنية عزم على القيام بذلك العمل بعينه، وفق ما هو متصور في قلب الفاعل، ووفق ما يجب أن يكون بشكله ومبناه. ولذلك قرأتم: النية محلها القلب.
وخذي هذا المثل أيتها السائلة: فرق بين أن تقصد السفر إلى مكان من أجل إنجاز عمل معلوم. وبين الإعداد لذلك السفر وإتمامه كما قصدته.
ولما كان من تعريفات النية: أنها القصد الخالص لله تعالى، ربطوها بالإخلاص مباشرة، فصاروا عندما يتكلمون عن النية يذكرون الإخلاص. غير أن ثمة فرقا بينهما كما ذكرت لك. أن النية قصد العمل لله، والإخلاص إعداد وانجاز ذلك العمل والتقرب به إلى الله وحده. ولذلك يقال إخلاص النية، أي أن القصد نفسه يجب أن يكون كاملا صافيا كما قصد. وفي هذا المعنى تقرأ قول الله تعالى:﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ لو نووا حقا، وقصدوا صدقا، واستعدوا نفسيا لأعدوا وتوكلوا، وخرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن الفروق يمكن أن تنوي ولا تعمل وتكتب لك الحسنات، ولكن لا يقال أخلصت في عمل لم تعمله.لأن النية إرادةُ متوجهة نحو الفعل ابتغاء مرضاة الله وامتثالا لأمره على الوجه المشروع المأمور به، وأما الإخلاص فهو أن يكون ذلك الفعل منجزا صافيا في ذاته بلا غش فيه.
ثالثا: النية والإخلاص في صحة العمل متلازمان:فإذا كانت النية تختلف عن الإخلاص في التعريف، والغاية، فإنهما متلازمان متصاحبان في شرط صحة العمل، فإذا انعدم أحدهما انعدم الثاني، فلا عبادة بغير نية، ولا عبادة بغير إخلاص. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.