مفهوم الأعمال الصالحات في الأيام المعلومات والمعدودات

أ. محمد مكركب/
سِرٌّ عظيم في توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، إلى المنافسة واغتنام الفرص في أيام الأشهر الحرم، وعلى وجه الخصوص في ذي الحجة، حيث قال صلى الله عليه وسلم:[مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟] قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: [وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ] (البخاري:969) والأيام المعلومات هي الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، قال الله تعالى عن الذين لَبّوا بالحج: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (سورة الحج:28)لينالوا ببيت الله منافع دينية، من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه، كالطواف، والفوز بالصلاة في المسجد الحرام، ومنافع دنيوية، من التكسب، وحصول الأرباح الدنيوية. وليذكروا اسم الله في هذه الأيام المعلومات، عند ذبح الهدايا، شكرا لله على ما رزقهم منها، ويسرها لهم ويوم العيد يوم الذبح من الأيام المعلومات. والأيام المعدودات هي أيام التشريق، اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، من ذي الحجة. قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ (سورة البقرة:203) يأمر الله تعالى بذكره في هذه الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق الثلاثة التي تلي عيد الأضحى، لمزيتها وشرفها، حيث لاتزال أعمال الحج، ومن تلك الأعمال الرمي، ولمن لم يذبح يوم العيد، لا يزال يذبح فيها، وهي أيام ذكر وتكبير وتهليل، وأكل وشرب، إلا لمن تمتع ولم يجد الهدي يصوم أيام التشريق، ليكمل حجه. فما هو العمل المطلوب في هذه الأيام العشر الأولى من ذي الحجة التي حث النبي عليه الصلاة والسلام على القيام بها، والتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى؟ ففي الحديث، السابق، قال {العمل} هكذا على الإطلاق، وبالطبع هو العمل الصالح،. وعند أبي داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، قال: {العمل الصالح} أيضا هكذا على الإطلاق. والمقصود بالأعمال الصالحة التي يتقرب به العبد إلى الله تعالى في الأشهر الحرم وغيرها، بالسبة لغير الحجاج، يكون في المقام الأول الفرائض. ففي الحديث القدسي. [إِنَّ اللَّهَ تعالى قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ] (البخاري: 6502) ومن الفرائض: الفروض العينية كالصلاة، والزكاة، والحج، والعمرة. وفروض الكفاية: كالجهاد، وإعداد ما يحمي البلاد، من العلم، والطب، والعمران والاقتصاد. وفي الحديث عن أبي هريرة، [أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ] (البخاري:26) وفي حديث عبد الله بن مسعود.[أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (البخاري:527)
لكن كثيرا من المسلمين، ينسون أن أعظم الأعمال بعد الإيمان بالله عز وجل، واليوم الآخر، هو اجتناب المحرمات، اجتناب ظلم الناس، ولهذا قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم، يوم البلاغ، أهم ما بلغ الناس، أنه، حذر من الظلم، حذر من الاعتداء، والإجرام، قبل التطوع بالصدقات والصيام. وتدبروا قوة هذا التنبيه في خطاب البلاغ، في حجة الوداع. عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: [أتدرون أي يوم هذا؟] قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: [أليس يوم النحر؟] قلنا: بلى، قال: «أي شهر هذا؟»، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال [أليس ذو الحجة؟] قلنا: بلى، قال [أي بلد هذا؟] قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال [أليست بالبلدة الحرام؟] قلنا: بلى، قال: [فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟] قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: [اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ] (البخاري: 1741) إن الذي بينه وبين أخيه المؤمن شحناء أو هجران، أو خصومة، فأحب الأعمال التي يتقرب بها ليس هو صوم التطوع، أو الجهاد، وإنما أن يتصالح مع أخيه، سواء كان في ذي الحجة أو في غيرها، والذي لم يؤد الأمانة فأحب، وأفضل الأعمال أن يؤدي الأمانة إلى أهلها، والذي أغضب والديه أفضل الأعمال بالنسبة له أن يحسن إلى والديه، وأن يرضيهما، والذي ظلم زوجته أو شريكه، أو جاره، أحب الأعمال بالنسبة له، أن يعطي كل ذي حقه، قال الله تعالى:
﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ وإذا أردت أن تعرف ترتيب الأعمال عموما، فعلى سبيل المثال. أفضل ما يقوم به المسلم أن يَسلم المسلمون من لسانه ويده. 1 ـ اجتناب إيذاء الناس. 2 ـ أداء الأمانات، العبادات، والوظائف، والخدمات. 3 ـ صلة الرحم. 4 ـ التعلم والتعليم، فأفضل الأعمال التي يتقرب بها المعلمون والأساتذة، أن يعلموا التلاميذ ولايتركوهم يتحوجون إلى دروس الدعم، تحت الإرهاق النفسي والمادي، وحرمانهم من أوقات هي من حق التلاميذ. وأفضل العمل بالنسبة للطبيب والممرض، قبل صيام التطوع، وقيام الليل، خدمة المرضى، فالعمل الصالح بالنسبة لعمال المستشفى أن يحسنوا استقبال المرضى، وأن يؤدوا لهم حقوقهم في القيام بالفحوص اللازمة، والأدوية، والعلاج، إن صيام التطوع بالنسبة للطبيب، ونوافله، هي: في السهر على البحوث العلمية والإعداد، لخدمة المرضى، ذلك هو جهاده، بعد الصلوات المكتوبة، وصيام رمضان الفرض. وأهم الأعمال الصالحة بالنسبة للقاضي والمحامي هو القيام بالعدل، والعمل الصالح بالنسبة لرجل الأمن والدفاع: أن يعمل على تحقيق الأمن والسكينة والاستقرار للمواطن، هذا هو كل نوافله، بعد الصلوات المكتوبة، وكل الفرائض. والعاملون في مشاريع البناء والطرق، فإن أحب وأفضل الأعمال التي يتقربون بها إلى الله في الشهر الحرام وفي كل زمان، هي أن يتقنوا أعمالهم، وأن يخلصوا في أعمالهم، أن يتطوعوا في أعمالهم وتخصصاتهم. وقد سمعتم قصة المرأة التي تكثر الصلاة والصيام والصدقات، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هي في النار] (أحمد:9675). وإيذاء الناس يكون بكلام السوء كالغيبة والنميمة والإفك، ويكون كذلك، بالغش والخديعة والخيانة في المشاريع المجتمعية. فالمقاول والمهندس والعامل الذي يغش في البناء، أو تعبيد الطريق، هو يقوم بإيذاء الناس، بل الغشاش في المشاريع العامة للأمة هو مجرم فاسق مارق. وشيء جميل أن يقوم كل واحد منا بأداء الأمانة بالتمام، ثم يتنفل بالصيام والقيام، لأن قولنا صوم الموظف هو خدمة الناس، المقصود هو الأولويات، بعد فرائض العبادات.