احتفالية ختم فضيلة الشيخ محمد بن أيوب صدقي تفسير القرآن الكريم
تغطية: ابن ادريسو مصطفى/
أحيت بلدة آت يسجن (بني يزقن، بلدية بنوة، ولاية غرداية)، ممثلة بحلقة عزَّابتها ومجلس أعيانها، احتفالية ختم فضيلة الشيخ محمد بن أيوب صدقي تفسير القرآن الكريم، بالتعاون مع عشيرة آت خالد، ومؤسسة الشيخ عمِّي سعيد بغرداية، يوم الجمعة 20 ذي القعدة 1444هـ/ 09 جوان 2023م، بالمسجد الكبير بحي طالمت، آت يسجن، ولاية غرداية.
تهدف التظاهرة إلى الاحتفاء بكتاب الله العزيز، وتكريم جهود الشيخ صدقي في التفسير الذي دام حوالي نصف قرن من الزمن (42 سنة)، انطلق التفسير في 12 فيفري 1981م، وختمه يوم 09 جوان 2023م.
ابتدأ الحفل بتلاوة جماعية لختمة القرآن الكريم (قراءة السور القصار بدأ من سورة العصر)، ثم تلتها ترحيب شيق من منشط الحفل، الأستاذ المقتدر: «سعيد محمد بن عيسى»، فرحب برئيس المجلس الشعبي الوطني «السيد: بوغالي إبراهيم»، وبوالي لاية غرداية -الذي التحق في منتصف الحفل- «السيد: عبد الله أبي نوار»، ورئيس المجلس الشعبي الولائي «السيد: حاج سعيد سليمان»، ونائب رئيس المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بغرداية «الأستاذ: رباحي مصطفى»، ومندوب وسيط الجمهورية «السيد: ابليدي صالح»، وكذا رئيس بلدية بنورة، ورئيس مجلس عمي سعيد، ورئيس مجلس باعبد الرحمن الكرثي، ورئيس المجلس العلمي لمديرية الشؤون الدينية، ورئيس حلقة العزابة ورئيس الأعيان للبلدة المحتفِلة بالحدث، ورؤساء حلقات العزابة لقصور وادي مزاب ووارجلان، ورؤساء عشائر البلدة، ورئيس مؤسسة عمي سعيد، وجمع غفير من الأساتذة والجامعيين الذين فوحوا الحفل باهتمامهم البالغ بالحفل، فضلا عن الحضور المكثف للنساء في قاعة صلاتهن، وكذا المتابعين الكثر عبر مختلف وسائل الإعلام الإلكترونية، ولسان حال الحضور يتمثل قول الشاعر:
أكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
تولى الكلمة رئيس اللجنة التنظيمية «الأستاذ: حمودة مصطفى»، فقدم بسطة عن بدايات الشيخ لتفسيره، حيث كان عمره 47 سنة، وأنهاه وهو مشرف على التسعين 90 سنة، بارك الله في أنفاسه، وأشار إلى أن دافع الشيخ هو استكمال مسيرة المفسرين الذين عاشرهم الشيخ، وهم: الشيخ حفار (ت: 1954م)، والشيخ موسى واعلي حمو»، والشيخ بيوض إبراهيم الذي أنهى تفسيره سنة 1981م، فشرع الشيخ صدقي تفسيره بعد سنة من الحدث الأخير.
ذكر المتدخل أن التفسير يتميز بعمق التحليل في معاني الآيات، والدعوة إلى الهداية والتمسك بدين الله تعالى، وبعقلانية راجحة، وتوزان بين العربية والمزابية، فكان أن أنجز الشيخ 1336 درسا، وله مؤلفات مطبوعة، وتحقيقات كذلك.
على الساعة 18:25 شرع الشيخ صدقي في تقديم درسه الأخير في التفسير لسورة الناس، فجل وصال في الدلالات الطيبة، واللآلئ الوضيئة لألفاظ السورة، وأظهر أن من أولويات التفسير ذكر متاعب الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه، وجهاده في تبليغ لهم الأمور البسيطة والفطرية، وليتهم تفطنوا إلى عنادهم، يقول تعالى عن مثل هؤلاء: {وَلَوَ اَنـَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}، (سورة النساء: 77)، وأما أهميته في عصرنا فتتمثل في استحضار الجهاد الذي ينتظر المسلمون، وإرشاد الخلائق إلى الاعتراف برب الأرباب وعبادته، والتخلي عن اتباع هوى النفس، وترك منزلقات خطوات الشيطان.
بيَّن الشيخ قيمة افتتاحية سورة الناس، بلفظة «أعوذ بالله»، التي تعني الالتجاء إلى رب الناس، هذا الرب الذي رعاهم في الصغر حتى يصيروا إلى سن القدرة الفكرية. ثم تحدث عن التقرب إلى ملك الناس، صاحب الملك المطلق الذي ينازعه فيه أحد، ووضح أن هاتين الصفتين مما قد تشترك فيهما الآلهة بحسب نسبة الناس إليهما ما ليس لهما، بخلاف الصفة الثالثة التي هي الألوهية من قوله تعالى: «إله الناس»، والتي تعني إيجاد شيء من العدم، وهي خاصة بالله وحده لا شريك له. انتقل الشيخ بعد ذلك إلى شرح وسيلة الوسوسة، التي هي خواطر تحدث في الإنسان وتتغير له المفاهيم. ثم استفاض في تضليل الشيطان للإنسان عن طريق هذه الوسوسة، منذ أن خلق الله آدم عليه السلام. وأخيرا قدم خلاصة جامعة لمعاني السورة، ثم استرسل في بعض حوادث السيرة النبوية، حتى استكمل نصاب الزمن المتاح له من قبل اللجنة التنظيمية.
أسندت الكلمة إلى رئيس الجلسة العلمية، الأستاذ: «الحاج موسى موسى»، فنادى المحاضر الأول، الأستاذ: «الحاج سعيد يوسف»، وقدم مسيرة الشيخ في تفسيره، وذكر جهود عشيرة آت يدر في توجيه الشيخ إلى هذا التفسير، واحتضان تنظيمها أول الأمر، ثم ذكر جملة من خصائص التفسير، ومميزات المفسر الشيخ صدقي. تلتها محاضرة ثانية للأستاذ: «وينتن مصطفى بن الناصر» بعنوان: «منهج الشيخ صدقي في التفسير من خلال سورة مريم»، فحلل منهجية الشيخ في عروضه لحوالي عشرين درسا في السورة المباركة، وتوصل إلى أن درس الشيخ صدقي كان يتحلى بكل مواصفات العروض البيداغوجية؛ من شروع العرض بالتذكير بالدرس السابق، أو التلخيص من بداية السورة، إلى الانتهاء بخلاصة تشوق إلى القادم، مع التركيز على بيان الوحدة الموضوعية للسورة الواحدة. وأشار إلى أن محور سورة مريم يتحدث عن صفة الرحمة، ثم تحدث عن تنوع المصادر التي يستقي منها الشيخ مادته المعرفية، وعن اختيار الشيخ لسرد أسباب النزول، دون الالتزام بقبولها كلية، سيرا مع القاعدة الأصولية: العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
جاء المحاضر الأخير «كروم الحاج أحمد»، فتحدث في موضوع السنة، والسبب أن دروس الشيخ الأسبوعية كانت تنقسم إلى ثلاثة محاور؛ التفسير، وشرح الحديث، والفتوى، فبيَّن الأستاذ في عرضه الفرق بين السنة والحديث، ثم تحدث عن المصدرين اللذين اعتمدهما الشيخ طيلة دروسه في نصف قرن، وهما: «الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب»، وكتاب «وفاء الضمانة» للشيخ اطفيش، وهذا الثاني عبارة عن أحاديث منتقاة من كتب السنن، وبعض الكتب التبعية الأخرى في الحديث.
بعد أن داء الجمع صلاة المغرب، تواصل الحفل مع المنشط المرح، الذي تفاعل بحرارة، وأعطى الكلمة لممثل حلقة عزابة آت يسجن (بني يزقن)، فتقدم الأستاذ: «ابن ادريسو مصطفى بن محمد» بكلمة باسم البلدة وهيئاتها العرفية، وأشاد بأهمية دروس الشيخ صدقي في توجيه أهل بلدة يسجن ومزاب، والمحبين من أهل ولاية غرداية، وتثقيفهم وإرشادهم، ثم أظهر أثرها على المستمعين، فلخص مقاصد هذا التفسير في تدريبَ المتلقين على الاحتكام لآي الذكر في مناحي الحياة، وترصيص الوسطية في المواقف والأقوال، والتحريض على الالتزام بالمسؤوليات، والتزهيد في التنافس على المناصب. ثم أشار إلى أن الشيخ قد جسَّد من خلال مواقفه الاجتماعية مبادئَ نبيلةً تمثلت في فعالية المرء رغم عدم انتمائه إلى هيئة أو منصب يرى نفسَه أهلا له، وفي التعامل الإيجابي مع من تولى أمرا رفع به المسؤوليةَ التكليفيةَ عن غيره، عوض الخصام والتناحر، فكان الشيخ بجهاده في التفسير ومواقفه في المجتمع قائدا مغوارا، وموجِّها مقتدِرا للأمة من وراء الستار.
أعقبتها مباشرة كلمة بليغة لرئيس مجلس عمي سعيد «الأستاذ: باجو مصطفى بن صالح»، فحلَّق في ميدان القول البليغ، والثناء الجميل بأسلوب يأسر الألباب، وبألفاظ عذبة تُبهج المستعمين.
ثم تلتها فترة تكريمات الشيخ، وكانت عبارة عن لافتات معبرة، وإصدرات مشوقة؛ فاللافتة الأولى تحمل ثناء مفتي سلطنة عمان «فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي»، والثانية أهديت من عشيرة التي ينتمي إليها الشيخ صدقي، وهي «عشيرة آت خالد»، وتتضمن نسب الدين، أو العلماء الذين أخذ عنهم الشيخ دينه إلى أن تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الإصدار الأول فكان كتابا بعنوان «أجوبة الشيخ صالح بن عمر لعلي»، حققه فريق من الباحثات سُلم (مع اللافتة الأولى) باسم بلدة آت يسجن. وكان الإصدار الثاني بعنوان «أجوبة قطب الأئمة، الشيخ اطفيش»، تحقيق فريق مؤسسة عمي سعيد بغرداية. والثالث تحقيق كتاب السؤالات أهدي باسم محضرة الإيمان بمليكة العليا، أما ختام التكريمات فكانت شهادة من والي ولاية غرداية والطاقم المرافق له، وبرنوسا ألبسوه للشيخ، فأرجعوا له فتوة الأربعين سنة.
هكذا انتهي الحفل البهيج في جو من الفرحة والسرور، وهكذا كانت الأجواء مفحمة بالإيمانيات والالتهاج بالدعاء للشيخ بقبول عمله وجهده عند من لا يضيع أجر من أحسن عملا.. وافترق الجمع والكل مشرئب إلى الاحتفالية الكبرى التي ستنظم إن شاء الله يومي 06 و07 أكتوبر 2023م، وتتضمّن ملتقى دوليًّا، موسومًا: «الشيخ محمد أيوب صدقي والتفسير الشفوي: المسيرة والأثر».