تنصيب أول فوج كشفي ببلدية غسيرة – دائرة تكوت- باسم المربي والدبلوماسي محمد يكن الغسيري.
متابعة: الأخضر رحموني/
تخليدا لليوم الوطني للكشافة الإسلامية الجزائرية المصادف ليوم 27 ماي ذكرى إعدام القائد المؤسس الشهيد محمد بوراس يوم 27 ماي 1941 من طرف القوات الفرنسية، نظمت بلدية غسيرة وبالتنسيق مع المحافظة الولائية للكشافة الإسلامية الجزائرية بباتنة ندوة تاريخية تحت شعار (الكشافة: وطنية- نضال – تواصل أجيال). وتم خلالها تنصيب أول فوج كشفي ببلدية غسيرة، أطلق عليه اسم تلميذ الشيخ عبد الحميد بن باديس، والمربي بمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المجاهد الشيخ محمد الغسيري يكن.
مراسيم التأسيس جرت في قرية كاف لعروس مسقط رأس ابن الحركة الإصلاحية التي نشأت في أحضانها الكشافة الإسلامية الجزائرية والقائد الكشفي محمد الغسيري يكن.
بحضور السيد رئيس دائرة تكوت، ورئيس البلدية، وأعضاء مجلسه والمحافظ الولائي للكشافة لولاية باتنة، ورئيس فرقة الدرك الوطني، ورئيس قسمة المجاهدين، والسادة الإطارات، والقادة العمداء للكشافة الذين قدموا من عدة ولايات من الوطن، والأسرة الثورية، وجمعيات المجتمع المدني، وعائلة المحتفى به.
افتتحت الندوة التاريخية بآيات بينات من الذكر الحكيم بصوت شاكر هنداوي، ثم الوقوف للاستماع للنشيد الوطني والنشيد الفدرالي الخاص بالكشافة، تناول بعدها الكلمة السيد محمد يحي- رئيس المجلس الشعبي البلدي لغسيرة – تحدث فيها عن حقائق بدايات الحركة الكشفية ولائيا ووطنيا، وتضحيات قادتها ومؤسسيها، وحياة القائد محمد الغسيري ابن البلدية، وطالب بهيكلة الشباب وتأطيرهم لجعلهم عناصر فعالة في المجتمع، مضيفا أن العمل الكشفي مسؤولية اجتماعية تسعى إلى المساهمة في ترقية وتبليغ التاريخ الوطني إلى جيل الشباب، مع غرس روح ومبادئ ثورة أول نوفمبر 1954. بعدها قدمت مداخلات وشهادات حية لكل من الصحفي الأستاذ حكيم عماري حيث تطرق بالتفصيل إلى حياة المجاهد العلامة والمربي الدبلوماسي محمد الغسيري يكن، وتوقف في حديثه عند المعتقل النسوي بقرية تيفلفال الذي يعد الوحيد في الجزائر الخاص بالنساء للتعريف به، وتسليط الضوء على العذاب الوحشي الذي جرى داخله، وعن مدى وحشية وبشاعة الاستعمار الفرنسي.
ثم مداخلة للأستاذ الطيب عثماني – رئيس جمعية الأحياء- الذي أكد على الدور الذي تلعبه هذه الحركة الكشفية، وذكر أن ترسيمه من طرف السيد رئيس الجمهورية يهدف إلى تجسيد إرادة الدولة في تطوير الحركة التربوية والتطوعية لغرس روح العطاء وتعزيز اللحمة الوطنية، وتناول المراحل الأولى لتأسيسها، وحياة العلامة محمد الغسيري، ومذكرا بإسهامات بعض رجالات الكشافة وطنيا.
ممثل الكشافة الإسلامية بباتنة تطرق بالتفصيل إلى دور الحركة الكشفية بمنطقة الأوراس خلال الثورة التحريرية وعلاقة مؤسسها بالشيخ ابن باديس ورجال جمعية العلماء، وعن مساهماتها بعد الاستقلال، مؤكدا أن الذكرى أصبحت مناسبة لبعث قيم التضامن والروح الوطنية.
أما الأستاذ يوسف يكن فقد استفاض في الحديث عن حياة الدبلوماسي محمد الغسيرى، مبرزا أهم المحطات البارزة في مسيرته التربوية والنضالية، وكشف عن سبب تسميته بمحمد الغسيري، وطالب من الفوج الكشفي الجديد المضي على درب الأسلاف، وعلى نهج الوفاء لرسالة الشهداء، والاستلهام من تضحياتهم لخدمة الوطن.
وفي ختام اللقاء تم تكريم عائلة المجاهد محمد الغسيري، بالإضافة إلى المحافظ الولائي للكشافة الإسلامية بباتنة.
واختتم اللقاء في أجواء أخوية وبروح وطنية عالية على وقع أهازيج ونغمات فوج الكشافة، وتحت زخات المطر المبشرة بالخصوبة والعطاء في مستقبل زاهر.
لمحة عن حياة الشيخ محمد الغسيري
المربي العلامة والمجاهد الدبلوماسي محمد يكن الغسيري حمل قضية مقدسة إبان ثورة التحرير، فكان من الذين عرفوا بالثورة الجزائرية في الوطن العربي من خلال تنقلاته المستمرة، كما حمل قضية الوطن بعد الاستقلال فكان سفيرا في العديد من دول المشرق العربي، حيث لقي احتراما من ملوك ورؤساء الدول العربية.
ولد محمد بن أحمد يكن الغسيري في عرش أولاد منصور بقرية كاف لعروس التابعة لبلدية غسيرة دائرة تكوت من ولاية باتنة سنة 1915 وسجل في الحالة المدنية سنة 1919.
أدخلته والدته أم الخير بنت احمد يكن كتاب القرية سنة 1922 فتلقى المبادئ الأولى للقراءة والكتابة.
التحق سنة 1927 بزاوية الشيخ أحمد بن الصادق بأولاد ميمون القريبة من غوفي لإتمام حفظ القرآن الكريم، حيث حفظه كاملا بعد أربع سنوات.
انتقل إلى مدينة بسكرة سنة 1930 للعلاج عند الشيخ الحاج لخضر ملكمي المعروف بالتداوي بالأعشاب من مرض أصاب عينيه حتى تعافى منه، وبها درس الفقه واللغة بالزاوية على يد المعلم محمد الصغير جودي، ثم التحق في أكتوبر1931 بمدرسة الإخاء التي تأسست بمبادرة من جمعية خيرية تحت إشراف النائب العمالي الحفناوي دبابش، ودرس على يد المشايخ: محمد خير الدين وبلقاسم بن عمار ميموني ومحمد طرابلسي الميزابي وعمر بن بسكري.
سافر سنة 1933 إلى مدينة قسنطينة وتابع دراسته على يد الشيخ ابن باديس بالجامع الأخضر لمدة أربع سنوات حيث درس عليه علوم الشريعة واللغة العربية .
نشاطه في مجال التربية والتعليم
بعد تخرجه كلفه الشيخ ابن باديس بمساعدته على تدريس الطلبة بالمسجد الأخضر، ثم اشتغل بالتعليم بمدرسة التربية والتعليم بقسنطينة سنة 1937 -1943.
كما تولى إدارة بعض مدارس جمعية العلماء في شلغوم العيد وسكيكدة وباتنة والبليدة، ثم عضوا في لجنة التعليم العالي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المكلفة بالمناهج والإشراف على سير المدارس الحرة سنة 1946 التي كان يرأسها الأستاذ إسماعيل العربي، كما أسندت إليه مهمة التفتيش العام بالمدارس الحرة لجمعية العلماء على المستوى الوطني إلى غاية سنة 1949.
كتب العديد من المقالات في المجلات والجرائد خاصة جريدة البصائر ومجلة الحياة الكشفية والشهاب والمنار.
وقد كان ناشطا كشفيا حيث انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية بقسنطينة حتى أصبح مرشدا لفوج الإقبال قبل الحرب الكونية الثانية، وفي هذا الإطار كان يشارك في مخيماتها وملتقياتها، بل تولى قيادة جناح الكشافة الإسلامية بعد وفاة القائد محمد بوراس، وشارك في مخيم تلمسان سنة 1944 وكتب التقرير الديني والأدبي الذي كلف به من طرف محمد فارس، بالإضافة إلى لائحة المرشدين للقيادة العليا للكشافة الإسلامية الجزائرية، وقام بزيارة إلى كل من فرنسا عام 1951 ومنها سافر إلى النمسا للمشاركة في المؤتمر العالمي للكشاف، وكذا إلى مصر في صائفة سنة 1953 لحضور احتفالات الثورة المصرية.
نشاطه في المجال السياسي
بعد المظاهرات السلمية في 8 ماي 1945 والتي تحولت إلى مجازر دموية تم اعتقاله يوم 16 ماي 1945 مع شيوخ الجمعية، ومنهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وألقي به في سجن الكدية بقسنطينة، ومنه نقل إلى سجن الحراش، ثم إلى معتقل جنين بورزق، ليستقر مقامه في معتقل المشرية حتى صدر في حقه العفو وأطلق سراحه بتاريخ 27 مارس 1946.
في أواخر شهر جويلية 1950 أوفدته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى المغرب، ونزل ضيفا على حزب الاستقلال، وزار عدة مدن، واطلع على الأوضاع التربوية بها.
بعد اندلاع الثورة التحريرية كان من المساندين لها، وأعلن موقفه مع المعلمين الأحرار لجمعية العلماء في منشور موقع بالأسماء صدر على صفحات جريدة البصائر.
وبعد حادثة مقتل محافظ الشرطة بمدينة قسنطينة، وفي شهر أفريل من سنة 1956 التحق بجبهة التحرير الوطني التي أسندت إليه مهمة تمثيلها الدائم بدمشق، خيث نهض بدور كبير في التعريف بالقضية الجزائرية، وكان يشرف على الحصص الإذاعية التي تقدم من إذاعة دمشق حول الثورة الجزائرية إلى غاية الاستقلال.
بعد الاستقلال عين أول سفير في المملكة السعودية (1963-1970)، ونظرا لنشاطه الدؤوب، ومكانته العلمية منح وسام السيف الذهبي لآل سعود، ثم بعد ذلك عين في الكويت (1970-1974)، وبقي سفيرا بها، وشغل منصب ممثل الجزائر في اليمن وفي الإمارات العربية إلى أن وافته المنية يوم 24 جويلية 1974 بمستشفى الجزائر العاصمة، وقد دفن بمقبرة العالية، حيث أبنه صديقه الشيخ علي مرحوم.
وقد ترك آثارا مختلفة في اللغة والتاريخ والدين والأدب.