مقالات

من ذاكرة الثورة نوفمبر 1954 في قراءة أنصار الجزائر: هنــــري عـــــلاق 2013-1921 أحد أنصار الدفاع عن استقلال الجزائر

أ. سعدي بزيان/

 

ودعنا في السنوات الأخيرة العشرات من أنصار الثورة الجزائرية في فرنسا الذين مضوا بهدوء دون أن نشعر نحن برحيلهم، فقد رحل هنري كوريال 1914-1978 في باريس، حيث اغتيل من طرف أنصار الجزائر فرنسية وأعداء حركة الشعوب، ورحل قبله روبير بارا 1919-1976، ورحيل فرنسيس جانسون 1922-2009 مؤسس شبكة دعم اتحادية فرنسا لجبهة التحرير فوق التراب الوطني الفرنسي، وخلف لنا سيرته الذاتية التي ترجمت إلى العربية ونشرت ضمن منشورات القصبة في الجزائر، وودعنا حرم روبير بارا وهي دونيز بارا 1923-1995 التي تمسكت بحب الجزائر، وعملت في مصالح الإعلام بودادية الجزائريين بأوروبا بباريس إلى أن توفيت.
وكنت كلما زرت مقر الإعلام الجزائري في منطقة سالازار بالدائرة الثامنة بباريس وشعرت بأنها قلقة من الوضع في الجزائر، وقبل رحيلها تركت لنا كتاب «انطولوجيا الشعر الجزائري باللغة الفرنسية». وكتابا آخر بالاشتراك مع زوجها روبير بارا وهو بعنوان»الكتاب الأبيض حول القمع الاستعماري الفرنسي في الجزائر سنة 1956» وركزت بقوة على جرائم فرنسا في الأوراس، وقدم لهذا الكتاب المؤرخ الفرنسي المعروف وأحد كبار أنصار الثورة الجزائرية وهو بيير فيدال ناكي 1930-2006 الذي أنشأ هيئة الدفاع عن موريس أودان وقضية اختفائه. ويرحل جاك شاربي وهو أحد الأعضاء البارزين في شبكة فرنسيس جانسون والذي سجن في فران جنوب باريس وكان سببا في دفاعه عن استقلال الجزائر وكتب له القدر أن يعيش استقلال الجزائر وأن يساهم في العمل الثقافي مع الجزائريين.
ها هو بيير فيدال ناكي ورد اسمه سابقا الذي عاش الثورة الجزائرية بقلمه ومقالاته وشهاداته الحية يتحدث عن بعض زملائه الذين تقاسم معهم ميسرة النضال دفاعا عن حرية الجزائر واستقلالها يعيد إلى أذهاننا ما عرفه عن صديقه روبير بارا الذي تعرف عليه سنة 1957 في مدينة كين، وكانت الجزائر تعيش يومئذ ما سمي في أدبيات الحرب معركة الجزائر وما رافقها من جرائم واعتقالات، وفي هذه الأثناء اعتقل موريس أودان 1957 الذي اغتيل ولم يعرف قبره ولا مكان اغتياله، في نفس الوقت الذي اعتقل فيه رفيقه وزميله في النضال من أجل الجزائر هنري علاق ولنتوقف هنا لنتعرف على هذه الشخصية التي كانت ترى أنها ولو ولدت في لندن فإن الجزائر هي وطنه إلى نهاية حياته كما يذكر في مذكراته ذاكرة جزائرية.
من هو هنري علاق 2013-1921


ولد هنري علاق في لندن ولا ندري ما دفعه للجهرة إلى الجزائر 1939 ليصبح مديرا لجريدة الجزائر الجمهورية لسان حال الحزب الشيوعي، وعلاق واحد من أقطاب الحزب الشيوعي الجزائري، تولى إدارة الجزائر الجمهورية سنة 1952 وعندما اندلعت ثورة نوفمبر 1954 تم منع جريدته من الظهور وأصبح هو ملاحقا وظل يبعث بمقالات من الجزائر لصحف فرنسية بباريس وفي مقدمة هذه الصحف جريدة لومانيتي لسان الحزب الشيوعي الفرنسي وفي 12 جوان 1957 في ظل ما عرف يومئذ بـمعركة الجزائر ألقي عليه القبض في 12 جوان في منزل صديقه ورفيقه في النضال موريس أودان ونقل إلى مركز الاستنطاق في الأبيار حيث ناله من التعذيب ما ناله وظل على هذه الحالة مدة شهر كامل لينقل إلى معتقل «لودي» وتم نقله إلى سركاجي، السجن السيء السمعة وفي هذا السجن ألف فيه كتابه الاستنطاق وقد تم نقل مخطوط الكتاب عن طريق محاميه ليصدر في باريس في منشورات MINUIT الباريسية ويثير هذا الكتاب ضجة إعلامية بلغ صداه عدة بلدان أوروبية لما تضمنه هذا الكتاب من فضح لوسائل التعذيب التي تعرض لها علاق ورفيقه أودان الذي مات تحت التعذيب وبعض المصادر تتهم الضابط المضلي شاربونيي بقتله وقد صودر كتاب الاستنطاق في فرنسا في 1958 وها هو ناشر آخر يدعى نيلسن أندرسون يعيد نشره في سويسرا وقد ساهم هذا الكتاب بشكل فعال في فضح أكاذيب جنرالات وقادة الساسة الفرنسيين الذين كانوا يرفضون اتهام الجيش بممارسته التعذيب ضد الوطنيين الجزائريين أما ما يتعلق بهنري علاق فبعد قضائه 3 سنوات في سجن سركاجي نقل إلى سجن آخر في رين بفرنسا ومن هذا السجن فر هنري علاق بمساعدة شبكة الشيوعيين ليصبح في تشيكوسلوفاكيا حيث يوجد عشرات من مناضلي وقادة الحزب الشيوعي الجزائري وكانت تشيكوسلوفاكيا يومئذ تعيش في ظل النظام الشيوعي تحت قيادة الاتحاد السوفياتي المعسكر الاشتراكي.
هنري علاق يعيش السنوات الأولى من استقلال الجزائر في الجزائر ويعيد إصدار جريدته في ظروف مغايرة لاتجاهاتها في ظل نظام الحزب الواحد، المهم أنه استطاع التعايش مع نظام بن بلة إلا أنه بعد انقلاب بومدين في 19 جوان 1965 غادر الجزائر إلى فرنسا ليبدأ مرحلة أخرى ويبقى مع كل ذلك مرتبطا بالجزائر فكان يدعى في كل المناسبات الوطنية وقد التقيته أكثر من مرة في المركز الثقافي الجزائري بباريس وخلال انتقاله نهائيا إلى باريس وانضمامه لأسرة جريدة لومانيتي لسان الحزب الشيوعي واصل عمله حيث توجه لنشر عدة كتب حول ثورة نوفمبر 1954 من منظور أقرب إلى الحقيقة والواقع وقد شاركه في هذا المشروع عدة كتاب ومؤرخين فرنسيس ويقول عن هذا المشروع أخذت على نفسي مهمة طباعة تاريخ عن حرب الجزائر في كتب ذات تأليف جماعي مشترك تؤازره في هذا المشروع حرمه جيليرت وأنا شخصيا ومعنا هنري دوزون أستاذ في الحقوق وأحد المدافعين عن جبهة التحرير خلال الحرب وإلى جانب هنري دوزبيير هودكي متفهم لكل الجوانب العسكرية والسياسية للنزاع الفرنسي الجزائري وجاك دوبونيس وآخرون وخاصة أن هنري علاق أصدر 3 أجزاء عن حرب الجزائر وهي كتب موثقة، ويقول علاق أن هذه الأجزاء الثلاثة عن حرب الجزائر لقيت صدى واسعا لدى القراء باستثناء بعض المختصين والمعادين للشيوعيين في حين يرى فيها الآخرون قراءة أخرى ومساهمة كبيرة ومجهودات جاءت خصيصا لكسر جدار الصمت الذي كان منذ نهاية الحرب يمنع الفرنسيون من معرفة حقيقة ما جرى في الجزائر وحقيقة أسباب ثورة الجزائريين وطبيعة هذه الحرب والتجاهل الذي يسود البرنامج والكتب المدرسية الفرنسية التي لا تقدم حقائق عما جرى خلال ثورة نوفمبر 1954 في الجزائر وما هي أسباب هذه الثورة؛
وكان هنري علاق من بين الشخصيات التي وقعت على النداء الذي تقدم به 12 شخصية، هنري علاق، جوزات أودان حرم موريس أودان، سيمون دوبولاردبير حرم جنرال فرنسي استقال احتجاجا على سياسة التعذيب ونيكول دريفوس وهي محامية لفائدة المناضلين الجزائريين، نوال فافرولير، جيزيل حليمي محامية جميلة بوباشا والعديد من المناضلين الجزائريين وقد أثنى على موقفها الرئيس تبون وأشاد بمواقفها ونصرتها للجزائريين خلال حرب التحرير وألبان ليتني وريبيريو مادلين، ولوران شفارتن، وجيرمان تيون، المختصة بمنطقة الأوراس، وفيدال ناكي وهو مؤرخ ومن أنصار الثورة الجزائرية والذي كتب عنه كثيرا وهو مؤسس هيئة البحث في قضية موريس أودان، وفيرنان جان بيير، فهذه الشخصيات كانت قدمت لائحة لكل من جاك شيراك، وليونال جوسبان تطلب منها الاعتراف علنا ورسميا بممارسة التعذيب ضد الجزائريين خلال ثورة نوفمبر 1954 ولم يعترفا في حين نرى شيراك يعترف لليهود بمسؤولية فرنسا عما لحق باليهود من طرف حكومة فيشي الموالية للنازية خلال الحرب العالمية الثانية.
هذه بعض مواقف هنري علاق إزاء ثورة الجزائر وفي كتابه مذكرات جزائرية المزيد من المعلومات وكثير من الحقائق التاريخية التي عاشها هنري علاق كصحفي وكاتب ومدير جريدة، وكان يحلم بالعيش الدائم في الجزائر ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com