قضايا و آراء

كلمة تهدي وأخرى تؤذي

أ. لخضر لقدي/

الناس قسمان: قسم إذا مات انقطعت حسناته وسيئاته على السواء، فليس له إلا ما قدَّم في حياته الدنيا، وقسم إذا مات بقيت آثار أعماله تجري، فإذا كانت حسنات وسيئات توقف مصيره على رجحان أيٍ من الكفتين، ومن انقطعت سيئاته وبقيت حسناته طاب عيشه وسعد مصيره، ومن انقطعت حسناته وبقيت سيئاته خاب وخسر.
والسعيد المرحوم من حاسب نفسه وسبر وتفحص أعماله وراقب كلماته وألجم هذيانه فما منّا إلا وهو راع ومسؤول عن رعيته.
و»طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسئل عنها إلى آخر انقراضها.[أبو حامد الغزالي].
ونحن نعيش في عصرٍ تيسَّرتْ فيه وسائل الاتصالات ونقل المعلومات أصبح من الأهمية بمكان التذكير بشناعة السيئات الجارية ومدى خطورتها على صاحبها، فكم من إنسان أهلك نفسه وحمَّل كاهله سيئاتٍ لم تكن محسوبة عندما نصَّب نفسه داعياً إلى الضلال وناشراً للمفكر من حيث يشعر أو لا يشعر.
والكلمة تكشف عن مكنون صاحبها من رجاحة عقل وصفاء قلب، وتعكس تربيته وتجلي ثقافته، وهي دليل على نياته وترجمان لمشاعره.
والكلمة ميثاق شرف وتعبير عن مذهبك في الحياة، إذ لا معنى للوجود ولا للعلم ولا للثقافة إذا كان لك رأي تعتقده صوابا ثم لا تتمسك به ولا تكافح في سبيل إيضاحه وبيانه للناس.
وقد كتب أحمد شوقي بيتا من الشعر مضى حكمة كتبه ليلا ومات صباحا:
قف دونَ رأيكَ في الحياة مجاهداً   إنّ الحياةَ عقيدةٌ وجهادُ
و«اللسان فيه عشر خصال يجب على العاقل أن يعرفها، ويضع كل خصلة في موضعها:
هو أداةٌ يظهر بها البيان، وشاهدٌ يُخبر عن الضمير، وناطقٌ يرد به الجواب، وحاكمٌ يفصل به الخطاب، وشافعٌ تدرك به الحاجات، وواصف تعرف به الأشياء، وحاصدٌ يُذهب الضغينة، ونازع يجذب المودة، ومسل يُذكي القلوب، ومعز تُرد به الأحزان.[أبو حاتم البستي].
فيا أهل الكلام ويا حملة الأقلام ويا رجال الإعلام: انتقوا كلماتكم واختاروا عباراتكم، واستعملوا من المفردات أجملها، ومن المعاني أجزلها، فإن من حَسُن منطقه، حلا معشره.
قولوا للناس حسنا، واجعلوا قولكم نافعا، وحواركم جامعا، وساهموا في بث الفرح وزرع الأمل، وقربوا بين القلوب المتنافرة والأفكار المتناحرة.
وأنتم يا مدمني النيوميديا ومرتادي الفايسبوك والتيكتوك: احذفوا الصور الفاحشه، والكلمات البذيئة، وما يخدش الدين ويذيب الفضيلة، وما يسيئ من عبارات للأشخاص والهيئات.
فالإنسان مسؤول عن كل حرف وكل صورة وكل كلمه، وإياكم والاستسلام للصمت والتصميت وغياب استنهاض الأمة لتتخلص من الظلم والاستبداد والتخلف والجهل، وإياكم والقعود عن أداء واجب في البلاغ، واعلموا أنه :»حين يسكت أهل الحق عن الباطل يتوهم أهل الباطل أنهم على حق».[أمير المؤمنين علي بن أبي طالب].
ونحن في زمن التلبيس الذي هو من عمل إبليس، فقد سكت العالم ومن له الولاية: كالأب، أو المعلم، أو المسؤول أو عدول المؤمنين، فتراهم ينطقون أو يسكتون وهم بين راغِب أو راهِب أو ذليل.
ونحن نمنع من ارتياد المناطق الموبوءة بالأمراض المعدية وذلك حق، ولكننا لا نمنع- أو على الأقل لا ننصح – بعدم الذهاب إلى المناطق الموبوءة أخلاقيا.
إن النصر قد يبطئ لأن الزيف لم ينكشف تماما، ولأن للباطل أنصارا مخدوعين فيه، وهنا يأتي دور العالم والمؤلف والصحفي والمثقف والشاعر والممثل والمخرج في كشف الزيف وبيان الحق والصواب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com