هذه هي الحياة الطيبة

عبد العزيز كحيل/
نملك أن نجعل من حياتنا حياة طيبة وذلك إذا أحسنا تسييرها على منهج الله ورسوله بحيث نحافظ على الأوقات ونؤدي المهام المنوطة بالخلافة عن الله في أرضه.
الحياة الجميلة
الأعمار مهما طالت قصيرة ثم {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى}. فهل من المعقول تضييعها في التفاهات وصغائر الأمور؟ هل من المعقول قضاء الأوقات كل يوم في النزاعات والمشاحنات مع الأهل والجيران والزملاء والتجار والزبائن والقاصي والداني لأتفه الأسباب؟ كيف تطاق حياة كلها شحناء وعنف وعدوانية وغلظة؟
حتى يكون لحياة الإنسان – والمسلم بصفة خاصة – معنى ينبغي أن يحرصْ على أمرين:
– التحلي بالإنسانية، احترام الناس، التسامح، عدم النزول إلى المستويات الوضيعة.
– ترْك أثر طيّب – مادي أو معنوي – في دنيا الناس يشهد له بعد وفاته، لأن البصمة الطيبة تبقى وإن غاب صاحبها.
فيا خسارة من أنفقوا حياتهم في الخلافات والجدال واللغو، لم ينصروا دينًا ولم يصنعوا دنيا، هؤلاء أموات وهم يمشون على الأرض، فما بالك بأولئك الذين يسيئون إلى الناس، يظلمون، يقهرون القلوب البريئة، يجرحون النفوس الطيبة، يفرقون بين الأحبة.
لكن هذا لا يعني أن المطلوب هو حياة الدَّلال والمعيشة الفارهة الخالية من المنغّصات والصِّعاب، بل هي الحياة بأتم معنى الكلمة، فيها ما نحب وما نكره، وما نرجو وما نرهب، من ذلك أن المسلم صاحب مواقف وثبات عند الاقتضاء، فلا يسكت في مواطن وجوب النطق، فليس السكون دائما من ذهب.
لا… ليس السكوت دائما من ذهب: علمونا أن السكوت من ذهب، بل ربّونا على ذلك، هذا ممكن في بعض الأحيان، والصمت عن اللغو من شيم الكبار، لكن بعض السكوت خيانة للأمانة، أمانة الصدع بكلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء الشهادة، بل قد يكون السكوت إقرارا للمنكر، وبعضه خذلانا للمستضعفين وتأييدا للظالمين، وعندما يتمسك الناس بقاعدة «السكوت من ذهب» يفشو المنكر، ويذهب الدين، وتتراجع الأخلاق، خاصة عندما يركن علماء الدين إلى السكوت خوفا على دنياهم…لا، ليس السكوت دائما من ذهب، لابد من رجال ونساء أصحاب شجاعة يقولون عند الاقتضاء: لا… يقولونها بملء أفواههم، ليبقى الحق حقا والباطل باطلا، لينتصر المظلوم، ويسترد صاحب الحق حقه، ويتراجع الظلم والتعسف.
•تكلمْ.. قلْ..لكن انظرْ ماذا تقول: لا تحرم نفسك من التفوه بالكلمة المناسبة في الوقت المناسب، فكلمة واحدة قد تنجيك:»فأثابهم بما ((قالوا)) جنات تجري من تحتها الأنهار». كلمة قالوها جلبت لهم الجنة، وكلمة واحدة قد ترْديك: «ولُعنوا بما ((قالوا))». قول جلب لهم اللعنة.
وفي الحديث: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»(رواه البخاري).
ليتنا ننتبه لما نقول ولما نكتب حتى في فيسبوك، ليت أصحاب السياسة والإعلام والمنابر ينتبهون لخطورة الكلمة، فهي قد تبني وقد تهدم، الكلمة مسؤولية في الدنيا والآخرة.
واللين هو الأسلوب: فرعون قال: «أنا ربكم الأعلى» وقال: «ما علمت لكم من إله غيري»، فأرسل الله إليه موسى وهارون وأوصاهما هذه الوصية البليغة الموجزة: «فقولا له قولا ليّنا». إذا كان اللين مع عدو الله فلماذا الغلظة مع المسلمين ولو كانوا عصاة فضلا عن المخالفين في الرأي؟ الرفق في الدعوة والموعظة والنصيحة والمنشور هو المطلوب دائما، بعيدا عن الغلظة والفضاضة. هل قرأ المداخلة ومن على شاكلتهم من أصحاب التشنج قول الله تعالى {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}؟ وهم يجنحون إلى العداوة والغلظة والشدة والقسوة في تعاملهم مع المسلم المخالف في أبسط مسألة فقهية، لكنهم في المقابل على جانب غريب من الوداعة والرفق بل والتعظيم لأعداء الإسلام من صهاينة وأمريكان وروس، ومع الطغاة المستبدين. ليتهم استرجعوا مواقف العلماء الأبطال من أمثال شيخ الإسلام مصطفى صبري.
* مصطفى صبري: هو آخر شيخ الإسلام في الدولة العثمانية – وهو أعلى منصب ديني آنذاك – كان شديد التمسك بدينه، وبعد إلغاء الخلافة ترك منصبه المرموق وهاجر خارج تركيا وبقي متنقلا بين عدة دول ثم استقر في مصر إلى أن مات بها، ترك بلده حتى لا يمدح الطاغوت كمال أتاتورك ولا يوافقه على انحرافه، فكان في منفاه يبيتُ جائعا ويقول: هذا خيرٌ من تأييد الظالمين.
«كبار العلماء» ستكون لهم هيبة ومصداقية عند المسلمين عندما يؤثرون ما عند الله على ما عند الحُكام، وأقل ما يُنتظر منهم إن سكتوا عن قول الحق ألا ينطقوا بالباطل.