السيرة النبوية منهج حياة ودليل النجاة
الشيخ نــور الدين رزيق/
إن السيرة النبوية تسجيل صادق لحياة سيد البشر، ورسول رب العباد: محمد صلى الله عليه وسلم، حيث اختاره الله للرسالة الإلهية الخاتمة الخالدة، ليضع في أيدي البشرية مفاتح سعادتها، ويضع أقدامها على مدارج الرقي، فمن أخذ ذلك بقوة واعتزاز، كان ممن قال الله فيهم:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}(آل عمران/110)، وممن وصفهم الله بقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(البقرة/143).
ولذلك، فإن الله –جل جلاله- جعل مناط القدوة ومحل الأسوة محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب/21).
وجعل معيار التقوى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}(آل عمران/31).
ولن يتم للعبد تمام التأسي وكمال الاتباع، إلا بمعرفة سيرة خير البرية وسيد البشرية: محمد صلى الله عليه وسلم ودراستها، بتمحيص وتوثيق، ليصفو للمتبع الثابت الصحيح المقبول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كثر الاهتمام بهذا الموضوع في قديم الزمان وحديثه دراسة وكتابة وتأليفا، لأنه عمل ينبثق من صميم الإيمان وغريزة الحب والتفاني، إلا أن عامة القائمين بذلك لم يوفوا حقه من التحقيق، بل أدخلوا فيه ما وافق أفكارهم وميولهم وعواطفهم، ولو لم يكن له حظ من الصحة والثبوت، بل جاءوا ببعض ما هو مصطدم بأصول الدين وخارج عن حيز نطاق المعقول.
لم تسلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من الهمز واللمز والطعون والشبهات من قبل بعض المستشرقين من أمثال: كارل بروكلمن، والمستشرق نُيْكِلسون بمن فيهم جورج بوش في كتابه: محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين (مترجم إلى العربية).
وبالمقابل كتب آخرون بإنصاف في حق محمد صلى الله عليه وسلم مثل: ميكل هارت «العظماء المائة» أو الكاتبة البريطانية كارين أرمسترونغ «محمد نبي لزماننا» أو الكاتب الأمريكي خون كول «محمد رسول الإسلام؛ وسط الإمبراطوريات».
متى بدأ تدوين السيرة النبوية؟
كان اهتمام الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم بدقائق حياته: روى مسلم وأحمد والراوية لأحمد: عن محمد بن كعب القرطبي قال: «قال فتى منا من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان (رضي الله عنه): يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: كيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولجعلناه على أعناقنا.
بعض المتأخرين في غرور وتشدد كأن الصحابة قصورا في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
بدأ تدوين السيرة النبوية منذ عهد «معاوية بن أبي سفيان» أيْ منذ بداية انتشار الإسلام الأولى في عهد الدولة الأموية، وهذا توقيت مبكر جدًّا للتدوين فيها. وقد بدأ التدوين فيها جماعة من المُحدِّثين، منهم التابعيّ عروة بن الزبير بن العوَّام، وكذا أبان بن عثمان بن عفَّان، وكذا وَهْب بن مُنبِّه. إلى أن يظهر محمد بن إسحاق ليكتب سيرته الشهيرة؛ مقسمًا إيًّاها ثلاثة أقسام: المبتدأ وفيه تناول التاريخ منذ بدايته إلى ميلاد النبي باختصار، ثم المبعَث وفيه تناول حياة النبي، ثم المغازي.
ما هي أهمية السيرة النبوية؟
قد يبدو السؤال عن أهمية السيرة النبوية ذا إجابة بدهية، لكن التذكرة تنفع المؤمنين؛ وتكمن أشد عناصر أهمية السيرة النبوية والقراءة في كُتُبها في:
1. معرفة كيف بدأ الإسلام وكيف انتشر منذ دعوة الرسول الأولى.
2. الكشف عن المواقف التي مرَّت بحياة الرسول وبالإسلام في مرحلته الأولى. ومن هذا الكشف نقي أنفسنا تلك الشبهات التي يبثُّها البعض عن هذه المرحلة، ونرد على أصحابها، كما نفهم بها تاريخنا الحقيقيّ ونعيه.
3. نعايش النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته اليوميَّة؛ فنقتدي به. وهذا مطلب من مطالب الإسلام، وهو السر من وراء إرسال الله الرُّسل بشرًا؛ فقد بيَّن أنَّه فعل ذلك ليكونوا قدوة كاملة قادرة على إلهام الآخرين أنماط الحياة السليمة، وهنا ننوِّه أن القراءة في هذا المجال من أجلّ الأعمال الصالحة التي يقوم بها المسلم.
نمتلك بما نقرأه ثقافة ننصح بها إخواننا المسلمين؛ إمَّا بالقراءة للإفادة وإمَّا بإعطائهم نصائح مباشرة من حياة النبيّ وأصحابه، وبهذا نكون قد حققنا مراد الله كاملًا بتطبيق نمط الحياة الإسلامي في أنفسنا وفي غيرنا.
ولا شك أن معرفة الماضي -أيًّا ما كان- هي التي تخبرنا عن حاضرنا، وهي التي تجعلنا أشد دراية بمستقبلنا.
السيرة النبوية تطبيق وترجمة للقرآن الكريم في واقع الحياة. عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: «كان خُلُق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن» رواه مسلم.
أصحُّ سيرة لتاريخ نبي مرسل/ورجل مصلح وقائد فذ.
حياته صلى الله عليه وسلم لجميع الشؤون الإنسانية/غزوات/أحكام شرعية.
سيرته صلى الله عليه وسلم لم تخرج عن إنسانيته {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}(الفرقان/07).
السيرة النبوية هي الوحيدة التي تقدم القدوة الكاملة للإنسان.
الفقيه لا غنى له عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في فقه النصوص وفهمه واستنباط الأحكام، ومعرفة المتقدم من المتأخر والناسخ من المنسوخ.
الرحيق المختوم: الشيخ صفي الرحمن المباركفوري
كانت قد أعلنت رابطة العالم الإسلامي عام 1396 هـ/ 1976م، في المؤتمر الإسلامي الأول للسيرة النبوية الشريفة؛ عن جائزة لصوغ كتاب جديد في السيرة النبوية. فتقدَّم لها 171 بحثًا؛ ثم قدَّر الله أن يفوز هذا الشيخ من الجامعة السلفية في الهند بالجائزة. ومنذ هذا التاريخ ذاع الكتاب في ربوع العالم الإسلامي، وصار مختصرًا مفيدًا ووافيًا للسيرة النبوية؛ بلُغته السهلة وحجمه المناسب لكل القراء، ولسعة اطلاع صاحبه على المصادر في الموضوع.
صحيح السيرة النبوية: الشيخ إبراهيم العلي:
كما أن كتاب الدكتور أكرم العمري أتم الشيخ إبراهيم العلي كتابة كتاب «صحيح السيرة النبوية» على شرط الصحيح من الروايات بعيدًا عن الضعيف والموضوع في السير القديمة والتي جعلت بعض أحداث السيرة خرافات وأساطير، ورتب الشيخ إبراهيم كتابه بناء على الوقائع والأحداث مشابهًا لسيرة ابن إسحاق.
السيرة النبوية الصحيحة – أكرم ضياء العمري:
يطل علينا الدكتور والمؤرخ أكرم ضياء العمري الموصليّ بكتاب «السيرة النبوية الصحيحة» حيث يعتمد الكاتب على قواعد شديدة في اختيار الروايات الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد اعتمد الكاتب على قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية فأنتج هذا الكتاب القيم.
كيف قرأ العلامة محمد البشير الإبراهيمي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله له نظرة متميزة بالنسبة إلى السيرة النبوية وهي قليلة ومركزة في مقالاته «عيون البصائر» و»في قلب المعركة» لكنها غنية ومتميزة ولم ينح رحمه الله تعالى نحو الكتابة التاريخية المعهودة المعتمدة على نقل الوقائع والأحداث.
والذي يقرأ للرجل يعرف عقليته الميالة إلى التحليل وقراءة الأبعاد.
يقول رحمه الله تعالى (عيون البصائر ص528): «مازلت منذ درست السيرة بعقلي أقف في بعض مقاماتها على ساحل بحر لجي من العبر والمثلات».
1. فكان تركيزه على الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة وهي تمثل الهروب من الباطل والنجاة بالنفس والعقيدة وربطها بالواقع الجزائري.
2. وغزوة بدر تمثل الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة.
3. فتح مكة تنفيذ لوعد الله تعالى بالرجوع إليها بعد الخروج منها مضطرين وقد دخلها صلى الله عليه وسلم رحيما بأهلها وبتواضع وأبرز الشيخ الجانب الإنساني في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم. «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
لماذا اشتهر كتاب الرحيق المختوم واهتم به؟
1. كتاب الرحيق المختوم يعد من أشهر كتب السيرة حالياً، وقد انتشر بصورة كبيرة جداً، بل لو أحصيت عدد طبعاته لحاز المركز الأول على مستوى العالم الإسلامي في كتب السيرة النبوية.
2. كون كتاب الرحيق المختوم مرجعاً لكثير ممن يدرس السيرة النبوية، بل صار الكتاب المعتمد تدريسه في مقرر السيرة لكثير من المعاهد العلمية، والجامعات الإسلامية، والدورات الشرعية.
3. فوز الكتاب بالمركز الأول في مسابقة السيرة النبوية العالمية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي، وأعلنت عنها عقب أول مؤتمر للسيرة النبوية الذي عقدته دولة باكستان في شهر ربيع الأول عام 1396هـ- 1976م، وهذا مما زاد الثقة بالكتاب، وأن ما جاء به لا اعتراض عليه.
4. وجود كثير من الملحوظات على كتاب الرحيق المختوم، وتصحيح الأخبار والآثار من طرف المهتمين بالحديث تصحيحا وتضعيفا.
سُمي الرحيق المختوم:
الرحيق من أسماء الخمر، ويريد خمر الجنة، والمختوم هو المصون، وقد وردت هذه التسمية وهذا اللفظ في الحديث الذي رواه أبي أيوب الأنصاري أن جبرائيل نزل من السماء بإناء من فضة في سلسلة من ذهب فيه ماء من رحيق مختوم فشرب صلى الله عليه وسلم ثم ناول فاطمة فشربت ثم شرب الحسن ثم الحسين.
لماذا يقفز ويتجاهل الأئمة والدعاة بعض الكتب بأقلام جزائرية في نفس الموضوع مثل: ابن قنفذ وكتاب «وسيلة الإسلام بالنبي عليه الصلاة والسلام».
إن هذا الكتاب الذي ألفه العلامة ابن قنفذ القسنطيني في السيرة النبوية هو كتاب نفيس له قيمة كبيرة، استطاع مؤلفه أن يوضح فيه أشياء في السيرة بأسلوب مختصر جذاب يدل على مقدرة في التأليف وإحاطة شاملة ودقيقة بالسيرة النبوية الكريمة من جميع جوانبها، فابن قنفذ قد أجاد فعلا في كتابه (وسيلة الإسلام) إجادة تامة، فهو بفضل معرفته الواسعة وثقافته المتنوعة، استطاع أن يأخذ لب السيرة النبوية ويؤلف فيها، ويسلط على جوانب منها أضواء هي في حاجة إلى إيضاح وتبيين، فمؤلف كتاب (وسيلة الإسلام) حقيقة له براعة فائقة في أخذ الحوادث التاريخية وصوغها بأسلوب شيق له إشراق ووضوح وفيه قناعة وتحقيق وتدقيق.
هذا وإن ابن قنفذ قد اعتمد في كتابه (وسيلة الإسلام) على كتب عديدة موثوق بها، وقد استفاد منها جميعا واقتبس ما يريده منها بأسلوب حسن لطيف مشوق.
ولا يخص هذا الأمر السيرة النبوية بل تجد الشباب يَغْرفُون من كتاب في العقائد: «الفتح المجيد» وعندهم العقائد الإسلامية للعلامة ابن باديس ورسالة الشرك ومظاهره للشيخ مبارك الميلي وما كتبه الإبراهيمي وما جاء به فكر مالك بن نبي وفي آخرين كثير شتى التخصصات والعلوم.
أهم كتب السيرة النبوية:
1. سيرة ابن إسحاق المسماة بكتاب المبتدأ والمبعث والمغازي، لمحمد بن إسحاق بن يسار المتوفي سنة 151هـ.
2. حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة، لعلي فهمي الموستاري.
3. تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر المعروف باليعقوبي.
4. الوفا بأحوال المصطفى، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي.
5. أضواء تاريخية على أسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت، لمحمد إسماعيل إبراهيم.
6. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد البر.
7. الكامل في التاريخ، لعز الدين أبي الحسن علي المعروف بابن الأثير.
8. السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام.
9. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لفتح الدين محمد بن محمد اليعموري الأندلسي المعروف بابن سيد الناس.
هذه بعض الإطلالات والوقفات ينبغي أن نقف عندها، فإن غاية دراسة السيرة النبوية ليس سرد الأحداث التاريخية والواقع إنما الغاية هي التأسي، وأخذ العبر وأن يسترشد المؤمن بها في زمن سادت فيه الشبهات والشهوات.
شيئ جميل أن جمعية العلماء المسلمين تبرمج لمدارسها الكتب في شتى العلوم تدرس، وتجعل مسابقة خاصة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وطنيا، وقد نهجت هذا المنهج شعبة سكيكدة.