البشير الإبراهيمي رمز من رموز الإصلاح والتجديد
د. علي محمد الصلابي/
يعدّ العلامة المجاهد محمد البشير الإبراهيمي من أبرز علماء الجزائر في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، ورفيق ابن باديس وزميله في قيادة الحركة الإصلاحية في الجزائر ونائبه في رئاسة جمعية العلماء، ثم قاد جمعية العلماء بعد وفاته.
هو محمد البشير بن محمد السعدي بن عمر بن محمد السعدي بن عبد الله بن عمر الإبراهيمي، ولد يوم 13 حزيران عام 1889م في أولاد إبراهم (حاليا بلدية تابعة لدائرة رأس الوادي – ولاية برج بوعريريج، الجزائر).
تميز بعلمه الواسع وفقهه العميق، وتبحرّه في علوم اللغة العربية والأدب، سخر علمه وقلمه لخدمة وطنه وللدفاع عن اللغة العربية، ترأس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد وفاة مؤسسها العلامة عبد الحميد بن باديس، وكانت مواقفه الجريئة سبباً في وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته.(البشير الإبراهيمي، مدونة الجزيرة).
تعرف الإبراهيمي على ابن باديس في المدينة المنورة سنة 1913م عندما ذهب إلى أداء فريضة الحج، وربطت بينهما صداقة قوية لم تنقطع إلا بوفاة ابن باديس في عام 1940م، حيث خلفه الإبراهيمي في رئاسة جمعية العلماء وقادها بمهارة حتى أدت رسالتها كاملة للأمة بعد وفاة ابن باديس كما أدتها كاملة في حياته.(الشيخ عبد الحميد بن باديس، تركي رابح، ص 33).
وكان بعد رجوعه إلى الجزائر في كل بلد يحل فيه لابد أن يبني مدرسة أو يوسع مدرسة وكان يقول للناس: وسعوا المدارس فسيأتي يوم تضيق فيه بأبنائكم ويقول لهم: إن مدارسكم هي مراكز الإصلاح، لا تحسبوها للعلم وحده حتى إذا أغلقت فرنسا أبوابها أهملت أنها مركز للكفاح. (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، د. أحمد الخطيب ص 151).
ومما يروى عنه في مجال دعوته لفتح المدارس أن أهل وهران جاؤوه بعد الحرب العالمية الثانية وقالوا له: لقد وجدنا أرضاً لبناء المدرسة الواسعة ولكن ثمنها مليون فرنك «فرنسي قديم»، وليس في صندوق جمعيتنا إلا 150 ألف فرنك، فقال لهم: أقدموا على الشراء وادفعوا الموجود وأنا أعطيكم المليون، وبما أنه لم يكن يملك مالاً، فقد قال لهم إثر اجتماعهم به بعد الشراء: أريد ألف مصلح في وهران والبلاد المجاورة كل واحد يدفع إلينا ألف فرنك وبذلك جمعوا أكثر من المبلغ المطلوب.(جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، د. أحمد الخطيب ص 151).
واشتهر الإبراهيمي بالكتابة والتعبير البديع، المعبر عن المعاني المصيب لها في أعماقها، المشحونة بالعاطفة الإنسانية والإسلامية، واستعمل العبارات الصريحة في مهاجمة الاستعمار وعملائه مثل قوله في الاستعمار الفرنسي: جاء الاستعمار الفرنسي إلى هذا الوطن، كما تجيء الأمراض الوافدة تحمل الموت وأسباب الموت.(الشيخ عبد الحميد بن باديس، تركي رابح، ص 152).
كان الأستاذ محمد البشير الابراهيمي في حركته الإصلاحية منشئا لأساسيات التحضر والاستقلال، وكان على سبيل المثال معنياً أشد ما تكون العناية بإنشاء المدارس وبناء المساجد كما أشرنا، لأنه كان يعلم أن أولوياته في بناء المجتمع المسلم تقتضي التركيز على هذه التأسيسات المجتمعية التي افتقدتها الجزائر في ظل سطوة الفرنسيين على الشعب الجزائري 130 عاما من الظلم والقهر والاستلاب، وفي ظل حرصهم الشديد على فرنسته. وبهذا تمكن هذا الزعيم الهادئ أن يضيء بيئته من خلال المؤسسات الحقيقية المنتشرة في بلاد شاسعة الأرجاء، وأن يتنامى بهذا الجهد بعيداً عن الانحصار الفكري في العاصمة أو في مراكز محددة للتنوير، ولولا هذا الانتشار الواسع الذي حرص عليه الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي ونجح ما فيه ما تمكنت الجزائر من تحقيق ما حققته من خطوات جبارة في استعادة الذات بعد استقلالها وفي استحضار الوعي بعد المحاولة الدائبة لتغييبه.(العلامة محمد البشير الإبراهيمي الرمز الحيّ لكفاح الجزائر، د. محمد الجوادي، مدونات الجزيرة).
ظل الإبراهيمي علّامة لغة وفارس كلمة، ورجل معارف وجهاد ورجل مواقف، صال وجال وفضح مخططات الاستعمار ودافع عن لم الشمل العربي والإسلامي وصاحب جسارة لا يهاب ولا ينكص ولا يتزعزع أمام أي زعيم سياسي أو عسكري، ومواقفه شاهدة عليه وهو امتداد لتلك الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومن أفنانها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وشكيب أرسلان وعبد الحميد بن باديس وعلال الفاسي، وغيرهم الذين كان لهم سبق التنوير والتثوير في العالم العربي والإسلامي.(محمد البشير الإبراهيمي في المشرق: شيخ العلم والثورة، إبراهيم مشارة).