المجاهدة الشريفة سليمة بن حفاف (2)

أ د. عمار طالبي/
اعتقلت المجاهدة سليمة في معسكر باسي Camp Basset ثكنة فرز في منطقة بني مسوس، وهنالك التقت ببعض معارفها مثل سحنون حميدة، والدة الشهيدة نصيرة نور الدين «نصيرة نونو»، وبعد شهرين استطاع والد سليمة حسن من معرفة مكانها عن طريق أحد السجناء السيد رباعين أورغان فإنه أخبر زوجته فطومة أورغان عنها خلال إحدى الزيارات، فكانت أثناء ذلك كله تتحمل بصبر وثبات تلك المعاناة في السجن بقوة إيمانها وصلاتها، والقيام ببعض الأنشطة التي تقوم بها، وتشغل نفسها بها في ذلك المعسكر الكئيب البئيس، ومن ذلك أنها كانت تقوم بالإسعافات الأولية للجرحى، كما كانت تعلم الخياطة والقراءة والكتابة لفتيات مسجونات معها بعضهن لم تتجاوز الثانية عشرة سنة، وإحداهن كانت تبلغ سنة 12 عاما تتظاهر (تمويها) بالتعامل مع الفريق العسكري السيكلوجي في ذلك المخيم وهؤلاء المسؤولون عن المخيم كانوا يقومون بحملات دعائية نفسية في أوساط المعتقلين، وظلت وفية للثورة، وبعد مغادرتها للمخيم استشهدت، وذلك أنها اختبأت عند مدخل مبنى للمظليين، فانفجرت عليها قنبلة كانت تحملها، وهي في ريعان شبابها، رحمها الله تعالى، وتذكر سليمة أنه توجد فتيات قليلة منحرفات قبض عليهن في شبكات جبهة التحرير الوطني، وتقول: كنا نحاول ردهن إلى الطريق المستقيم، وهكذا بقيت في المعتقل ما يقرب من عامين ثم أطلق سراحها من ذلك المخيم المشؤوم، ثم وضعت تحت الإقامة الجبرية، وتذكر عن هذه الفترة «أن والدي رفض بشكل قاطع أن أذهب وأوقع في مركز الشرطة كل يوم كما كان مطلوبا..كنت مريضة جدا عند مغادرتي المخيم فقدت 10 كغ من وزني، ربما أشبه هيكلا عظميا، اتصل رودوسي صديق العائلة وأحد الوجهاء بمحافظ الجزائر ليطلب منه الإذن حتى أتمكن من السفر إلى فرنسا لتلقي العلاج، فأجابه المحافظ قائلا: «لا يمكنني منحها تصريح خروج لكن يمكنني ترحيلها» وهكذا وصلت إلى مرسيليا على متن سفينة بضائع.
قالت: فكانت هذه المرة الثانية التي أسافر فيها إلى الخارج، أما الأولى فكانت قبل الثورة مع مجموعة مع النساء من الحركة الوطنية PPA/MTLD كنا نرافق ناشطات شابت بمن فيهن حسيبة بن بوعلي رحمها الله، وتواصل سليمة الحديث عن رحلتها الثانية قائلة: «هذه المرة كنت برفقة راهبة تنصرت من الأخوات البيض كما تسمى، وهي صديقة السيدة شوليه، ومن مرسيليا انتقلنا إلى باريس عن طريق القطار، قضيت عدة أيام في دير الراهبات ثم غادرت إلى جنيف عن طريق القطار، بمساعدة السيدة لوانشي آن ماري أخت بيار شوليه، وزوجة صلاح لوانشي الذي كان مسجونا بباريس وتحت العين الساهرة لمحامية شاركت في الرحلة. في جنيف اتصلت بمسؤول في جبهة التحرير الوطني في سويسرا فرتب لي رحلة إلى تونس عبر روما حيث اعتنى بي الطيب بولحروف ممثل جبهة التحرير الوطني في إيطاليا، وأخيرا وصلت إلى تونس حيث كان بن يوسف بن خدة وزيرا للشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة، وكان قد خطبها من قبل كما ذكرنا، فوثق الزواج وعقد بين سليمة وبن يوسف بن خدة في 22 شوال 1378/22 أبريل 1959 بتونس، وكان شاهدا عليه كل من شوقي مصطفاي كولي، وأحمد بودربة ومصطفى فروخي، وعبد الكريم بن خدة ابن عم بن يوسف، ثم واصل بن يوسف نشاطه الدبلوماسي والانتقال إلى مصر، وما أعقب ذلك من الجولات المتواصلة منها ثلاثة أشهر في أمريكا اللاتينية وشهران في آسيا، ثم البلدان العربية ومع هذا كله لم يكف العدو عن العدوان عليها، إذ قام التنظيم الإرهابي منظمة الجيش السري OAS بتفجير شقتها في سنة 1961، وتقول في هذا مازحة «كان هذا هو مهر وهدية الزفاف من والدك وأكملناها بشهر العسل في فيلا سيزيني».
استعمل الارهابيون الفرنسيون مفرغة القاذورات ليوصلوا القنبلة إلى الشقة بعد أن قاموا بإخراج كل سكان العمارة إلا أبي كان داخل الشقة، وكاد أن يهلك مع الانفجار، وكان أغلب سكان العمارة من الأوروبيين ولم يقم أحد من الجيران بإخبار والدي مع علمهم بالعملية قبل وقوعها، وبهذا كانت القطيعة النهائية بين الأوروبيين والأهالي، رغم عقود من العشرة، فأنت ترى كيف كانت هذه المرأة الحديدية وفية للثورة وسندا قويا صلبا ثابتا لزوجها المجاهد بن يوسف بن خدة في أصعب الظروف وأصعبها أزمة 1962 وما بعدها، أكرمها الله بهذا الجهاد والمجاهدة وأسكنها جنة الخلد.