على بصيرة

بنو صهيون أسقطوا غصن الزيتون..

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

أنزل –اللهم- شآبيب رحمتك على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي صرخ في وجه الضمير الإنساني، عام 1974، ومن منبر الأمم المتحدة قائلا: «جئتكم حاملا غصن الزيتون في يد، وحاملا البندقية في يد أخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي!» كان صوت أبي عمار يومها صادقا، فنبه إلى أن الأمل كل الأمل، في غصن الزيتون، الذي يرمز إلى السلام القائم على العدل، والحرية. كما كان صوته موقظا لبعض الضمائر التي تبلدت، بفعل وعد بلفور المشؤوم، هذا الوعد الذي أعطى فيه من لا يملك إلى من لا يستحق، في غياب صاحب الحق.

 

لقد تواطأت الدول «العظمى» مع المؤامرة اللا- إنسانية، التي مكنت لشذاذ الآفاق، من إخراج شعب كامل من أرضه، تحت قوة السلاح، فكان التقتيل، والتشريد، وكان التهجير القسري، والتطهير العرقي.
سجل التاريخ، بمداد الخزي والعار، القضاء على مليون وأربعمائة ألف من الفلسطينيين كانوا عام 1948 هم السكان الأصليين، كما تم استيلاء الصهاينة المعتدين على 740 قرية، وكانت مجزرة «دير ياسين» التي قتل الصهاينة فيها أكثر من 15 ألف فلسطيني، وهكذا، حكم العدوان الغاشم على فلسطين، بالتهجير على 14 مليون فلسطيني، يعيشون اليوم خارج ديارهم.
لم تجد –إذن-، صرخة ياسر عرفات من أعلى منبر الأمم المتحدة، أي صدى، هذه المنظمة التي أصدرت منذ النكبة ما يزيد على 755 قرارا حول فلسطين لم ينفذ منها أي قرار.
فالصهاينة المعتدون، يواصلون، تجاهلهم لقرارات الأمم المتحدة، وهم لم يكتفوا بتزييف التاريخ، بل ذهبوا إلى تزييف الجغرافيا أيضا، بإجراء الحفريات؛ ويتم ذلك كله بمباركة وحماية الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، التي تتصامم عن بكاء اليتامى، وأنات الأسرى، ودموع الأرامل والمنكوبين.
يحدث كل هذا، في هرولة مخزية من بعض قادة العرب نحو التطبيع مع الغاصبين، وتجفيف ينابيع المقاومين، وعقد التحالف العسكري مع حكومة المتطرفين من ذوي اليمين المتصهينين.
فويل لأمتي من سلوك بعض كبرائها!
ويا أسفا مما يأتيه بعض قادتها وزعمائها!
فهل هانت القدس وهي قِبلة المسلمين الدينية الأولى بالأمس، وقِبلتهم السياسة الأولى اليوم، هل هانت هذه القِبلة علىى العرب والمسلمين، فصارت تدنس رحابها، بأقدام الصهاينة النجسين، المدنسين؟
بربكم، كيف نقدم تاريخ أمتنا لجيلنا الصاعد؟ وكيف نبرر له ما يأتيه بعض قادتنا، بطعنهم ظهور المقاومين والصامدين بدم بارد؟
وهل هانت غزة الصامدة، على الأمة العربية وهي التي تملك الزاد والعتاد، وتتنكر لمفهوم الكفاح، وتشح على المقاومين، بالقليل من السلاح؟
ففي كل يوم صياح ونواح بإغتيال رموز المقاومة والكفاح، والاعتداء على الأسرى بقبض الأرواح، وترويعهم بالكلاب والنباح.
ويح أمتي مما تعانيه، من أبنائها ومن أعدائها، الذين تحلقوا في خندق الخيانة والعمالة والنذالة، وها هم ينزلون بقضية فلسطين إلى أعمق درك السفالة.
والحمد لله، فإن زنازين الأسرى، تضيئها الدول الصامدة كالجزائر، فهي تنير لها الدروب، وتمدُّها –بالحزم والعزم- لخوض معارك الحروب، وتُثبت بدعمها وعونها العقول والقلوب.
وبالمقابل، هناك المطبعون، الذين يطعنون الظهر، ويتمادون في العهر، ويقبضون مقابل ذلك الخسيس والرخيس من المهر.
إنهم الذين صدق فيهم أحمد مطر حين صاح فيهم:
أيها الناس
لماذا نهدر الأنفاس في قيل وقال
نحن في أوطاننا، أسرى على أية حال
يستوي الكبش لدينا والغزال
فبلاد العرب، قد كانت، وحتى اليوم هذا لا تزال تحت نير الاحتلال.
من حدود المسجد الأقصى، إلى البيت الحلال
على أن في مقابل هذه اللوحة السوداوية التي يرسمها قلم أحمد مطر، نقلا عن البيت المظلم الذي يعيش فيه، هناك الطلسم الذي يعيش فيه أعداؤنا، فعلامات انهيار كيانهم قد ظهرت، وبوادر زوال دولتهم قد كثرت والذين تنبأوا بزوال دولة إسرائيل تضاعفت أعدادهم وانتشرت.
﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ [ سورة الحشر، الآية:14]
لقد أيقنا نحن الذين نشأنا في أحضان الثورة الجزائرية، أن الليل مهما طال، فلا بد من طلوع الفجر، وأن العدو مهما صال، لا بد من تحقيق النصر.
فيا جماهيرنا العربية! لا تهني! ولا تحزني! فما ضاع حق وراءه مطالب، ولم يعلمنا التاريخ أن الظلم مهما طغى، يمكن أن يكون هو الغالب.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ [ سورة الأحزاب، الآية: 62]
تلك دروس تعلمناها في الأولين من جهاد المسلمين، بقيادة النبوة والصحابة، وهي دروس تعلمناها في الآخرين من نضال المستضعفين المقاومين للمستعمرين، نجد هذا عند الفيتناميين، وعند الجزائريين، واليوم عند الفلسطنيين، وباقي المكافحين.
وما حققه المجاهدون الأولون من عهد الإسلام إلى عهد الجزائريين، سيحققه الفلسطينيون، لا لأنهم أصحاب حق فقط، بل لأنهم يملكون الحزم والعزم، ويجودون بالنفس في كل يوم، فهم يقدمون للعالم أبرز وأروع معاني البطولة، نساء ورجالا، شبابا وفتيات، وحتى الأطفال.
فالهزيمة للأعداء الذين أسقطوا غصن الزيتون من يد المقاوم، وأبقوا، البندقية في يده الأخرى.
إذا لم تكن إلا الأسنّة مركبٌ   فلا يسع المضطر إلا ركوبها
لله دركم يا أبناء وبنات فلسطين، لقد وفيتم بما عاهدتم، وضربتم أروع الأمثلة في البطولة والفداء.. فواصلوا على نفس الدرب وإن عدوكم يوشك أن يعترف بالهزيمة، ويتهاوى تحت ضربات المقاومة الأليمة.
﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [سورة محمد، الآية: 07]

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com