الأمم المتحدة بنيويورك تحيي رسميا ذكرى النكبة 1948م
محمد مصطفى حابس: جنيف/سويسرا
سميت حرب عام 1948 في التاريخ بالنكبة الفلسطينية وحرب عام 1967 بالنكسة العربية، و»النكبة» مصطلح في القواميس خاص تحديدا بالقضية الفلسطينية، يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره. وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948. وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه، لصالح إقامة الدولة اليهودية- إسرائيل. وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد ما يربو على 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية. وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية وتدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعي أوروبي.
التطهير العرقي الصهيوني جهارا نهارا !!
بدأ التطهير العرقي في عام 1947 بعد اقتراح الأُمم المتحدة لقرار تقسيم فلسطين. بدأت العصابات الصهيونية بعملية دالت لبدأ التطهير العرقي على نطاق واسع لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض لإبطال قرار التقسيم حتى إن أرادت الأُمم المتحدة تنفيذه..
لا ننسى أن إسرائيل تحتفل من جهتها أيضا بذات المناسبة، أي الذكرى الـ 75 لميلادها الذي يعتبره الفلسطينيون «نكبة» أو كارثة حلّت بهم ودفعتهم إلى المنفى كما ذكر أعلاه، فإذا كان مسؤولون ومثقفون إسرائيليون يومها قد اعترفوا بتلك النكبة عند تأسيس الدولة العبرية الوليدة، فإن الصوت الإسرائيلي الرسمي تحول سريعا من الاعتراف إلى الإنكار، ومهما بدا ذلك مفاجئاً، فإن أول من استعمل مصطلح «نكبة» لوصف الكارثة الفلسطينية هم العسكريون الإسرائيليون. في جوان 1948، حيث وزعت طائرات الجيش الإسرائيلي مناشير موجهة إلى سكان حيفا من العرب الذين كانوا يقاومون الاحتلال، ودعتهم إلى الاستسلام بعربية متقنة كتب فيها هذا النص: «إن كنتم تريدون الإفلات من النكبة، وتجنب كارثة، والنجاة من إبادة لا مفر منها، سلّموا أنفسكم»، وهي نفس الكلمات تقريبا التي كانت تستعملها فرنسا إبان احتلالها للجزائر ومستعمراتها الأخرى، لكي يُسَلم المجاهدون أو «الفلاقة» أنفسهم وإلا حرقت القرية «الدشرة» أو «الدوار « عن بكرة أبيها و دمرت الأماكن التي كانوا متحصنين فيها او مرابطين بها.
الأمم المتحدة تحيي ذكرى النكبة الفلسطينية !!
للمرة الأولى منذ عام 1948 قررت منظمة الأمم المتحدة إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بفعالية رسمية، الاثنين الماضي، في مقر الهيئة الدولية بمدينة نيويورك.
ووفقًا للتفويض الممنوح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرار صدر في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، تم إحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، بتنظيم حدثين في مقر الأمم المتحدة.
وصوتت الجمعية العامة على قرار مؤيد للفلسطينيين لإحياء ذكرى النكبة في الأمم المتحدة، بأغلبية 90 صوتًا مقابل 30 معارضًا فيما امتنعت 47 دولة عن التصويت على المبادرة.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت الشهر الماضي، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أرسلت خطابات لممثلي ومندوبي مختلف الدول وناشدتهم عدم المشاركة في فعالية إحياء الذكرى الـ75 للنكبة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
وجاء في نص الرسالة أنه «سيأتي أبو مازن ليلقي خطابا، فاطلبوا من زملائكم خاصة من المستويات الرفيعة أن يحثوا مندوبيهم في الأمم المتحدة ألا يشاركوا في الفعالية التي تتبنى الرواية الفلسطينية التي تعارض حق إسرائيل في الوجود»!!
وشدد -من جهته – مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، على أن انخراط بعض الأطراف في محاولات لثني دول عن الحضور والمشاركة في فعاليات إحياء ذكرى النكبة، لن يجدي نفعًا ولن يكلل بالنجاح».
وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي يعادي الفلسطينيين في كل يوم بالمحافل الدولية، لأن القضية الفلسطينية ما زالت حية في مجلس الأمن والجمعية العامة، وفي كل أجهزة الأمم المتحدة، بما يكذب روايتهم التي تزعم أن فلسطين غير موجودة لا كدولة ولا كقضية.
وفي الواقع أن ذات المناسبة أي «ذكرى النكبة الفلسطينية الكبرى»، ومنذ 1948 وأمتنا العربية والإسلامية مع كل صباح في نكبة جديدة تحيط بها، وعلى كل المستويات، ولا يجدر الإغراق في التفصيل لمن وعى!!
إن الكيانات والحكومات التي تشكل أذرع الشر الدولي، هي تلك الكيانات التي تقتل عندما تشاء، وكيفما تشاء، ثم لا تلقى مساءلة ولا محاسبة، بل تجد كراسيها دائما محفوظة !!
بضعة عشر فلسطينيا قتلوا منذ الأمس حتى الآن في كل من غزة والقدس الشريف، بينهم أطفال، مع أربعين جريحا أو تزيد، والغانم من المحسوبين على أمتنا من يشجب أو يستنكر، أو يتواصل ليحصل وعدا بخفض التصعيد، من دول الجوار..
ولا أحد يسأل الصهيوني المجرم القاتل بالعشرات لأطفال بعمر الورد وشباب واعد ما ذنبهم، كيف سفكت دماؤهم، ولماذا؟؟
وعلى حد قول أستاذنا المفكر السوري زهير سالم، المقيم في لندن، متعه الله بالصحة والعافية: «كأن دماءنا التي سفكت في غزة هذه الأيام، كأس ماء كسر فانسكب ماؤه، فقال من حضر من أهل العجز: كُسر الشر، ولا حول.. ولا قوة.. ولم يكملوا الحوقلة حتى!! «
ورحم الله أحد فرسان قضايانا العربية الشاعر اللبناني الموهوب بشارة عبدالله الخوري، الملقّب بـ (الأخطل الصّغير)، الذي حمل بأشعاره هموم أمّته وقضاياها، وحفظ قصائدها الصغير منا والكبير، ولا سيّما أشعار القضية الفلسطينية، حيث تفنن في الصدح بجراحها، باكيا منشدا بقوله:
يا فلســــطينُ الّتي كدْنـــــا لـــمّا كابدَتْهُ من أسًى ننسى أسان
نـــحنُ يا أختُ على العـهدِ الّذي قد رضعْناه من المَهدِ كلان
يثـــربٌ والقدسُ منـــذُ احتـــلمَا كعبتانا وهوى العربِ هوان
شــــرفٌ للمــوتِ أن نـــطعمَهُ أنفســـــاً جبّارةً تأبى الهَوان
انشرُوا الهولَ وصبُّوا ناركُمْ كيفما شِئْتُم فلن تلقَوْا جبَان