الانتخابات التركية: نصر للديمقراطية وخيبة لمروجي الكراهية والعنصرية
أ. عبد الحميد عبدوس/
شكلت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، التي جرت جولتها الأولى يوم الأحد 14 ماي 2023 محطة اهتمام كبرى للدوائر السياسية ووسائل الإعلام العالمية. ربما كانت هذه الانتخابات هي أصعب اختبار انتخابي مر على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حياته السياسية. قبل الانتخابات وطوال فترة الحملة الانتخابية تعرض مرشح الحزب الحاكم أردوغان إلى حملة انتقاد وطعن من طرف وسائل الإعلام الغربية بلغت في شراستها وتحاملها وحقدها حدا مقرفا. شاركت في هذه الحملة الإعلامية صحف أمريكية: ك «فورين بوليسي»، و«واشنطن بوست»، و«فاينانشال تايمز» ومجلة «تايم»، ووسائل إعلام بريطانية منها: «إيكونوميست» و«بي بي سي»، و«الإندبندنت»، وصحف ألمانية مثل: «دير شبيغل»، ولكن الذي تولى كبر حملة الحقد والتحامل على الرئيس التركي كانت وسائل الإعلام الفرنسية بمختلف منابرها وتوجهاتها على غرار: «لوموند»، و«لو بوان» و«إكسبرس» و«لي زيكو» و«لوفيغارو» و«راديو فرانس» و«فرانس24 عربي » وإذاعة «مونت كارلو الدولية» الناطقة باللغة العربية،وليس أخيرا الصحيفة العنصرية الحقيرة «شارلي هيبدو»… هذه مجرد عينة عن وسائل الإعلام الغربية التي تدعي الموضوعية والمهنية والحياد والتي لم تتورع عن شن حملة صليبية على رجب الطيب أردوغان لأنه أراد أن يعيد تركيا إلى فضائها الحضاري وأمجادها التاريخية، بعض تلك الوسائل الإعلامية لم يتردد في المطالبة برحيله قبل ظهور نتائج الانتخابات، كما كتبت مجلة «إيكونوميست» البريطانية على صدر غلافها: «يجب أن يرحل أردوغان، احموا الديمقراطية»، ورد الرئيس اردوغان على ذلك بالقول إن بلاده لن تسمح بتوجيه سياستها الداخلية من خلال أغلفة المجلات الأجنبية التي اعتبر أنها «جهاز تنفيذي للقوى العالمية».. من الجانب السياسي كان أغلب الحكام الغربيين يتمنون تلميحا أو تصريحا حدوث هزيمة انتخابية لاردوغان، وان يكون يوم 14 ماي هو آخر يوم في حكم الرئيس أردوغان لتركيا الذي استمر لعشرين سنة، وكان أغلبهم مبتهجا لنتيجة استطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى فوز المعارضة بقيادة كمال كليجدار أوغلو بنسبة 60% من أصوات الناخبين، وبذلك تحسم الانتخابات في الجولة الأولى لصالح مرشح المعارضة. غير أن المرشح رجب الطيب اردوغان لم يكن قلقا من كل ذلك، فقد كان واثقا من رصيد الشعبية والكاريزما التي يتمتع بهما في أوساط الشعب التركي، وكان مطمئنا لصلابة التجربة الديمقراطية التي توصل إلى ترسيخها في النظام السياسي التركي بعد المحاولة الانقلابية التي أرادت الإطاحة به في سنة 2016، وأنهى المرشح أردوغان حملته الانتخابية بحضور صلاتي المغرب والعشاء في مسجد آيا صوفيا، وتلاوة فواتيح سورة البقرة، مع أنه يعرف ما يثيره ذلك من غيظ ونقمة في نفوس النخب السياسية والثقافية والإعلامية الغربية التي لم تهضم إعادة معلم آيا صوفيا إلى وضعه الطبيعي كمسجد للمسلمين الذي ظل على مدار 500 سنة مكانا للعبادة والصلاة للمسلمين إلى أن حوله الرئيس التركي العلماني كمال أتاتورك إلى متحف في سنة 1934. رغم الاتهام الباطل من طرف الغرب لأردوغان بالديكتاتورية والاستبداد، فإنه لم يحسم الانتخابات من الجولة الأولى، ولم يستطع تخطي عتبة الـ(50%+1)، للبقاء في الحكم، واكتفى بالحصول على نسبة (49.51%) التي تؤهله لخوض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم الأحد المقبل (28 ماي 2023)، والأكثر من ذلك أنه لم يحصل على أغلبية الأصوات في مدينة اسطنبول مسقط رأسه والمدينة التي شهدت واحتضنت صعوده السياسي،كما أنه لم يحصل على أغلبية الأصوات في مدينة أنقرة عاصمة البلاد ومركز السلطة السياسية، وتعتبر كل من اسطنبول وأنقرة من أكثر المدن التركية اكتضاضا بالسكان، وأشدها أهمية بالنسبة للمتنافسين في الاستحقاقات الانتخابية، حتى أنه يقال أن من يفوز بهما يفوز بالانتخابات في تركيا. المفارقة أن عامل الاقتصاد الذي أنجز فيه أردوغان أكبر النجاحات، حيث حقق خلال عشرين سنة من حكمه إقلاعا اقتصاديا قفز بتركيا من وضع دولة متخلفة اقتصاديا إلى دولة منصفة ضمن الدول العشرين الأولى في العالم، ويحتل اقتصادها المرتبة الحادية عشر في العالم، فالوضع الاقتصادي الذي تمر به تركيا من انخفاض سعر العملة التركية (الليرة)، وارتفاع مستوى التضخم، وغلاء المعيشية خصوصا في المدن الكبرى، كان وراء عدم تحقيق المرشح أردوغان الحسم الانتخابي في الجولة الأولى، ولكنه قبل بكل أريحية وهدوء بحكم الصندوق، فهل بمثل هذه الطريقة يتصرف الديكاتوريين والمستبدون في العالم للوصول إلى الحكم أو البقاء فيه؟. لقد كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية تسفيها لترهات الإعلام الغربي العنصري، وصدمة لتكهنات أغلب حكامهم.
وصل عدد الناخبين الأتراك إلى أكثر من 64 مليوناً، منهم قرابة 61 مليوناً داخل تركيا والباقون خارج البلاد، وبلغت نسبة المشاركة 88.92%، وتعتبر بذلك من أعلى نسب المشاركة الانتخابية في الدول الديمقراطية. حصل المرشح أردوغان بحسب النتائج غير النهائية التي جاءت بعد الانتهاء من فرز جميع الصناديق، إلى جانب حساب أصوات الناخبين الأتراك في الخارج، على27.088.360 صوت بنسبة (49.51%) ونال كمال كليجدار أوغلو 24.568.196 صوت بنسبة (44.88%) أي بتفوق لأردوغان بأكثر من مليونين ونصف مليون صوت، وحصل المرشح سنان أوغان بنسبة 5.17%، ثم المرشح المنسحب محرم إينجه بنسبة 0.44%..
ترشح الرئيس أردوغان ممثلا لمجموعة القوى السياسية المنضوية تحت كتلة «تحالف الجمهور» الذي يتشكل من حزب العدالة والتنمية الذي تأسس في 2001 بقيادة طيب رجب اردوغان المحسوب على التيار الإسلامي، ومن حزب «الحركة القومية» المنشق عن حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه في 1969 ألب أرسلان توركش، ويترأسه حاليا النائب البرلماني بهجت دولي، وهو محسوب على التيار القومي الاتاتوركي، وحزب «الرفاه الجديد» الذي أسسه في2018 فاتح اربكان، وهو منشق عن حزب السعادة الذي أسسه نجم الدين أربكان في 2001 وهو محسوب على التيار الإسلامي، وحزب «الدعوة الحرة» أو حزب «هدى بار» وهو حزب كردي ذو ميول إسلامية 2012، وحزب «اليسار الديمقراطي» الذي أسسته رهشان أجاويد زوجة بولنت أجاويد رئيس الوزراء الأسبق ورئيس الحزب حاليا، وهو حزب قومي علماني.
تحصل المرشح أردوغان على أكثر من 27 مليون صوت، وهو عدد يفوق ما تحصل عليه في انتخابات 2018 حيث حصل على ما يتعدى 26 مليون صوت، ولكنه فاز آنذاك بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى بنسبة 52,59 ،كما فاز أردوغان بغالبية الأصوات في 51 ولاية تركية من أصل 81 ولاية.كما فاز الائتلاف الانتخابي الذي يتزعمه «تحالف الجمهور» في الانتخابات البرلمانية ب 321 بنسبة (49.37)، وتمثل أغلبية مقاعد البرلمان المتكون من 600 نائب.
أما مرشح المعارضة فهو السياسي المخضرم كمال كليجدار أوغلو، ممثل تحالف الأمة أو تحالف الشعب أو تحالف «الطاولة السداسية» الذي تأسس في فيفري 2022، ويتكون من أطياف سياسية مختلفة ويضم حزب «الشعب الجمهوري» الذي أسسه الزعيم التركي كمال أتاتورك في سنة 1923، ويرأسه حاليا كمال كليجدار أوغلو، و«الحزب الجيد» وهوحزب ليبرالي وسطي بزعامة ميرال أكشينار تأسس في سنة 2017، وحزب «السعادة»، الذي يرأسه حاليا تمل كرم الله أوغلو، وهو حزب إسلامي تأسس بعد حظر حزب «الفضيلة» في سنة 2001، وتفرع عنه حزبان أحدهما حزب «العدالة والتنمية» بزعامة رجب طيب أردوغان، والآخر حزب «السعادة» برئاسة محمد رجائي قوطان، وحزب «المستقبل التركي» الذي تأسس في ديسمبر 2019 بعد انشقاقه عن العدالة والتنمية، ويرأسه حاليا رئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو، وهو ذو ميول إسلامية، وحزب «التقدم والديمقراطية» الذي يرأسه نائب رئيس الحكومة السابق علي باباجان وهو كذلك انشق عن حزب «العدالة والتنمية» في سنة 2020 وهو حزب ذو ميول إسلامية، و«الحزب الديمقراطي»، الذي يرأسه غولتكين أويصال، وهو حزب قومي أسسه الرئيس الثالث لتركيا جلال بيار سنة 1946.
تحصل كمال كليجدار أوغلو على أكثر من 24 مليون صوت بنسبة (44.88%)وحل في المرتبة الثانية متأهلا بذلك لخوض الجولة الثانية من الانتخابات. وحصل التحالف الذي يتزعمه «تحالف الجمهور» في الانتخابات البرلمانية على 213 مقعدا بنسبة 35.12 %، وحصل تحالف المكون الكردي الذي دخل الانتخابات البرلمانية تحت اسم «تحالف الحرية والعمل» على 66 مقعدا بنسبة 10.52 %.
وللتذكير، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر من أكثر رؤساء تركيا قريا من الجزائر وحرصا على تنمية العلاقات الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية معها. ففي عهده أصبحت تركيا أول بلد أجنبي مستثمر في الجزائر بقيمة تقارب 5 مليار دولار مع وعد برفع المبلغ إلى 10 مليار دولار في 2030 مزيحة بذلك فرنسا من المرتبة الأولى في قائمة المستثمرين الأجانب بالجزائر. زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر ثلاث مرات في ظرف 6 سنوات (في 2014 و2018 و2020) وزار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تركيا مرة واحدة في 2022، وتعميقا للعلاقات التاريخية الثقافية والروحية بين البلدين المسلمين الشقيقين، ساهم خبراء أتراك في ترميم المعلم الديني والتاريخي الهام (مسجد كتشاوة) الذي يتوسط عاصمة الجزائر، كما حضر نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي في العام الماضي كضيف شرف للجزائر في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بمدينة وهران، وتنشط أكثر من 1400 شركة تركية في الجزائر على رأسها شركة «توسيالي» الجزائرية-التركية للحديد والصلب، التي نالت جائزة «أفضل مصدّر» خارج قطاع المحروقات في الجزائر عام 2021، بصادرات قاربت 900 مليون دولار.ولهذا يتابع الجزائريون باهتمام مجريات الانتخابات الرئاسية في تركيا الشقيقة..