اتجاهات

الوسائط الإجتماعية ثغر من ثغور الأمة

عبد العزيز كحيل/

خلافا لكثير من الأساتذة والشيوخ أنا لا أكره فيسبوك، فهو أداة آخذ إيجابياتها وأتفادى سلبياتها، أداة أستعملها ولا تستعملني، أتحكم فيها ولا تتحكم في… بواسطة هذه المنصة أحاول أن أساهم بمنشوراتي المتواضعة في التوعية وحركة التدافع المجتمعي ومعركة الثقافة والدعوة، بفضل فيسبوك تعرّف أصحاب الجد على قامات كبيرة في طول الجزائر وعرضها وحتى في الخارج، وانتقلت صداقتهم من العالم الافتراضي إلى عالم الواقع، يتزاورون ويتعاونون في الشؤون الخاصة والعامة، لماذا إذًا التبرم من فيسبوك؟ ربما يتبرم منه من أصبحوا مدمنين له، يضيعون أوقاتهم في الأمور الصغيرة والتفاهات والنزاعات واللغو.

فيسبوك – ومعه كل ما يتيحه انترنت – يمكن توجيهه نحو الاستفادة والإفادة والتوعية والدعوة، وهكذا يكون نعمة، أما إذا أصبح أداة لغو وفساد فلا خير فيه، وقد رأيت كثيرا من الإخوة يلعنون مارك زوكربيرغ، أما العقلاء فيشكرونه.. وما يُقال عن فيسبوك يقال على غيره من الوسائط الاجتماعية وخاصة يوتيوب، فهي أدوات يمكن تحويلها إلى ميدان لإدارة الصراع بين الحق والباطل، ومعترك للتدافع الاجتماعي، حتى لا تبقى حكرا على خصوم الإسلام والأخلاق والقيم الرفيعة.
إن هذه المنصات سلاح قوي جدا يجب أن نستعمله في الدعوة إلى الله، ومحاربة الفساد، والتبليغ عن توجهات الرأي العام، وإيصال كلمة الشعب إلى أصحاب السياسة والإعلام والإدارة.. فيسبوك وغيره يقوم مقام البرلمان وكثير من المؤسسات الرسمية الغائبة، فيجب استغلاله لخدمة الدين واللغة والأمة والبلاد، خصومنا حاضرون بقوة فلماذا ننسحب؟ كل منا مسؤول عن دينه وبلاده وأمته، إذا ترك الراشدون الساحة فارغة فسيشغلها خصومنا وأعداؤنا بباطلهم، لذلك يجعل المسلم صفحته تشهد له يوم القيامة أنه دافع عن إسلامه وعربيته وبلاده وشرفه وقضايا أمته، أنه كتب كلمة تنفع واصطف مع الحق وبلّغ وأدى، هذا مع التزام شرطيْن: الأول ترك الموضوعات الفارغة التي لا جدوى منها، والثاني التزام الأدب والأخلاق والتميز بالأسلوب الراقي المهذب، بعيدا عن المواقف المتشنجة وأساليب السب والانتقاص من أي أحد.
كل الغيورين على ثوابتهم وانتمائهم الحضاري مدعوون لشغل هذا الحيّز وحسن استعمال هذه الوسائط، وفي مقدمتهم الأئمة والأساتذة والمثقفون ليجعلوا منها بديلا حقيقيا عن الإعلام المنحرف بفضائياته وجرائده ومختلف وسائله:
– فهؤلاء ينشرون أخبار الفن العفن واللاعبين والتافهين، ونحن ننشر أخبار حفظة القرآن.
– هم يروجون صور المتبرجات «المسلمات»، نحن نروّج صور مهرجانات ارتداء الحجاب في الجامعات.
– هم يتبجحون بالمنكر ويدوسون على المعروف، ونحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
– كل كلامهم عن الرذيلة والفساد والتفاهة، ونحن ننشر ما يتعلق بالفضيلة والصلاح والمستوى الرفيع.
– هم يبرزون رجال الدين المنبطحين، ونحن نبرز العلماء والدعاء الربانيين العاملين، نشارك منشوراتهم وأحاديثهم المصورة ومداخلاتهم ومواقفهم الشجاعة ودروسهم الهادفة ونسجل مواقفهم الجريئة.
– هم يصطفون مع التطبيع وأهله، نحن نصطف مع رجال فلسطين والقدس وغزة، ونروّج ما يسند صمودهم وبطولاتهم.
وهكذا، إذا طلّق أصحاب الدين والأخلاق السلبية والرداءة وكانوا نشطين إيجابيين يمكن أن تتحوّل هذه الوسائط إلى أدوات فعالة لخدمة الإسلام والبشرية بدءا بإنقاذ الشباب من براثن الانحراف الفكري والسلوكي، فكل يعمل على شاكلته، والبقاء للأصلح، ولولا الأشرطة السمعية الدعوية زمن الصحوة الإسلامية لما سمعنا عن كثير من الدعاة ولفاتنا خير كثير، لذلك أصبح حسن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة شرعية لتحقيق الحد الأدنى من التغيير، وأول الغيث قطرة، فالحاجة ملحة إلى إعلام بديل أصيل ذي محتوى راق مفيد لمراغمة الإعلام السائد بمحتواه الهابط التمييعي التغريبي. فهذه المنصات ثغرة من الثغرات التي تتسلل منها الأخطار والأفكار المميتة، يحتاج حسن استعمالها إلى قادة ونخب غير تقليدية لها من الوعي والذكاء والمرونة في وسائلها وتحسن استغلال التكنولوجيا الحديثة وصناعة المحتوى المفيد والفعال في مواجهة الرداءة والوصول إلى أكبر عدد من الناس، وطوبى لمن أحسن الكلام وبلغ قلوب القراء وكان سببا في رجوعهم إلى الحق وتحولهم إلى طاعة الله، فكيف ينسحب الطيبون بسبب أو بدون سبب؟ والوسائط الاجتماعية هذه هي الوسيلة المثلى نغرس في شبابنا أن الباطل باطل ولو كثر أتباعه وأن الحق حق ولو قل أتباعه وأن الحرام حرام ولو فعله كل الناس، وذلك بشغل هذه الوسائط بالنافع من القول في ميادين التربية والتديّن والسياسة ونمو الطفل وشؤون الشباب والزواج والطلاق والعلاقات الاجتماعية وارتفاع الأسعار والمطالبة بالحقوق والتواصي بأداء الواجبات والجريمة ومختلف الظاهر الإنسانية لتنمية الذكاء ومحاربة الغباء، هذا ميدان فسيح وخطير لممارسة الإعلام والدعوة والإصلاح.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com