سطور في وفاة ابن الجمعية البار (عبد العزيز مالك) رحمه الله
عبد الغني بلاش/
في وقت الرحيل، تصعد الروح عند ربها وتبقى الأعمال والسيرة والمسيرة شاهدة على صاحبها، مسيرة طويلة من العطاء والتضحيات لن تكفينا كلمات هذا المقال ولا حتى صفحات هذه الجريدة لنعطي للرجل حقه ، من أين سأبدأ ؟ حتى لا أنسى شيئا ، وهو “العبد العزيز” الذي لا ينسى اللحظات لقوة ذاكرته، فقد ذكرني بأول لقاء حين نسيته، يومها كنت عاملا صحفيا بقناة الانيس الفضائية وقد كلفت بتغطية الجامعة الصيفية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ببومرداس حين لقائي به لأول مرة هناك ، ساعدني كثيرا ورحب بي، وهو الذي يفرح دوما بلقاء الشباب ويحاول معرفة الكثير عنهم حتى يساعدهم ويشجعهم ، وشاءت الأقدار أن يكون زميلي مرة أخرى حين ساقني الله للعمل بجمعية العلماء كصحفي ومصور بفريقها بالمقر الوطني .
عبد العزيز مالك، العامل المخلص
كل من يعمل بالجمعية يعرف عبد العزيز العامل المخلص والطيب، كيف لا وهو الذي يسهر على ترتيب الاجور وتنظيم الحسابات المالية للجمعية، بحكم منصبه كمحاسب، يتقن عمله جيدا ويدعو دوما الى ترشيد النفقات وعدم الاسراف والتبذير، وقد كنت اخطف دوما من وقتي حين التقيه في مكتبه لأوجه له الكثير من الأسئلة عن طريقة عمله ، فقد أثار انتباهي كيف يرتب كل المداخيل والمصاريف باستعمال الحاسب وحتى الوصولات بشتى أنواعها، كان رحمه الله لا يبخل على احد يريد التعلم بل يسعد أنه يعلم ما تعلمه، حتى الموظفين بالجمعية حين يحتاجون للمشورة يجدون الشرح الوافي والكافي من عبد العزيز.
عبد العزيز المواقف ..
في كل صباح بعد الساعة التاسعة كنا نجتمع يوميا لإلقاء التحية بمكتب الامانة، رفقة الأخت سمية وخولة ونسيمة وبدرة وفاطمة وسائق الجمعية “عماد ” ، هذه الاسماء كانت تشكل فريق الصباح النشيط، يبدأ فيها عبد العزيز بالتعليق على كل صغيرة وكبيرة، كان متابعا لنشاط الجميع، يبدأ بالأخت خولة الطباخة الماهرة التي تنشر على حسابها وصفات تجربها في منزلها، فيحاول المزاح معها بإبداء رأيه على ما قدمته في آخر وصفة يجعل الجميع يضحك ويبتسم، ليمر لسمية التي كانت تقاسمه شراء الماء، فحين تشتري لها لابد من أن تشتري لعبد العزيز كذلك، والعكس صحيح، حين يشتري هو لابد ان يشتري لها، أما أنا وفاطمة طاهي فكان يعلق على برامجنا التلفزيونية التي نقدمها عبر القنوات، كان يتابع نشاطنا ويشاهد اغلب الحلقات وحين نلتقي يبدي لنا الملاحظات وحتى كلمات التشجيع، كان يفتخر بانضمامي دوما لجمعية العلماء ويخبر المسؤولين الذين يزورن مكتبي بالكثير من المدح، كان يقدم لهم تعريفا جميلا عني ويغدق لهم في وصف ما أقوم به من اعمال داخل الجمعية، حتى الطلبة المتربصون بجريدة البصائر قد اعتادوا عليه وأحبوا وجوده وعطفه عليهم، كان يشجعهم ويقترح لهم ما يفعلون في مسارهم التعليمي من باب النصيحة.
أما السائق عماد فكانت علاقته بعبد العزيز كبيرة جدا، فعماد معروف بمقالبه الهزلية اليومية، ينادي كل عامل بالجمعية باسم غير اسمه، فعبد العزيز يناديه بـ “بعزيز”، الذي يقابله بروح الدعابة يوميا، وكان اكثر الناس تنقلا معه في كل خرجاته لشدة تفاهمه معه ولرغبته في المزاح الذي يدور بينهما، وحين يحين وقت الغداء كان يقاسمنا أنا وعماد نفس الوجبة وعلى طاولة واحدة رفقة المتربصين بالجريدة، خاصة المتربص حسين ومحمد، كان يخبرنا انه لا يفضل الاكل، إلا ان وجودنا يجعله يغير رأيه بسرعة.
لم ننس الخميس الاخير قبل رحيله حين تناولنا وجبة الغداء معا في مكتب التوزيع وتبادلنا تهاني العيد، كان سعيدا جدا رحمه الله .
رحيل بلا موعد.
لم نتوقع ولو للحظة أن رحيل الاستاذ والصديق عبد العزيز مالك ستكون بهذه السرعة وبهذا الشكل، رسالة واحدة كانت كافية لتجعلنا ندخل في حيرة وحزن عميق لا يداويه الا الايمان بقضاء الله وقدره، فقد رحل في صمت، تاركا فينا اثاره وذكرياته معنا في كل الارجاء، بعد سنوات من الصداقة والأخوة في الله، رحل تاركا مكتبه بجمعيتنا فارغا يصعب نسيانه.
رحم الله فقيدنا وفقيد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الأخ والصديق والزميل عبد العزيز مالك وأسكنه فسيح جناته …
إنا لله وإنا إليه راجعون.