الفتوى رقم: 258 / محمد مكركب
الموضوع: الدين، والمذاهب والمصطلحات المحدثة.
السؤال:
قال السائل: من الأصح: عقيدة الأشاعرة أم عقيدة الوهابية؟
لقد وصلني هذا السؤال عن طريق البريد الإلكتروني يوم: 10 فبراير 2018م. ويرجو صاحب السؤال الجواب بأن نبين له: حسب سؤاله، من هم على الأصح، ومن هم على الخطأ.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطيبين.
أولا: قال الله العلي العظيم ربُّ العالمين الذي أنزل القرآن هدى للمتقين:﴿ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:111/112]، وقال الله سبحانه وتعالى:﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾[النساء:125]، والذي أسلم وجهه لله وهو محسن، ذلك الذي عمل بأركان الدين المبينة في الكتاب المبين، والمفصلة في حديث جبريل عليه السلام. واتباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يعني اتباع الإسلام ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 67/68].
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا إلى الإسلام، ولم يدع لا إلى وهابية ولا إلى أشعرية، ولا إلى شيعية، وإنما دعانا إلى أن نعمل بالقرآن الكريم، وأن نأخذ بسنته وسنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسألون النبي عليه الصلاة والسلام: هل نكون مع الأشاعرة؟ أم مع الوهابية؟ ولا إلى أي مذهب يفرق المسلمين أبدا؟
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام مأمور بما ورد في القرآن. أن يكون من المسلمين. أمره الله أن يبلغ للناس ويقول:﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل:91]، هذا هو خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، يبلغ لنا هذه الآية عن جبريل عليه السلام عن رب العالمين، بأنه أُمِر أَنْ يكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين الثابتين على ملة الإسلام، فهل تريد طريقا غير طريقه.
وقال له ربه عز وجل ولنا جميعا:﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[هود: 112].
فالمسلم العاقل الكيس الفطن، يسأل كيف يكون مسلما، ولا يسأل أيكون مع الأشاعرة، أم مع الوهابية، فكلا المصطلحين ما أنزل الله بهما من سلطان، فليس في الدين، شيعة، ووهابية، وأشاعرة ولا كل الفرق والمذاهب الأخرى، فكل الفرق والطوائف المحدثة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحدثه الناس وليس بأمر رب الناس، فدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه دعا المسلمين أن يثبتوا على ما تركهم عليه. فكيف زاغت الأفكار، وترك الناس تدبر القرآن والحديث الشريف، وراحوا يُلَوِّحُون بمصطلحات ابتدعوها؟ فالله تبارك وتعالى قال:﴿وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102] ولم يقل: “ولا تموتن إلا وأنتم على مذهب كذا أو على عقيدة كذا…” كيف وقع المسلمون في هذا الخلل؟ فتعبوا وأتعبوا الناس معهم؟
أما يكفيك أن تقول: أنا مسلم؟ ولك أن تقول: أنا مؤمن، أنا محسن، أنا متق، هذه هي المصطلحات القرآنية التي أمرنا رب العالمين أن نتصف بها.
والله تعالى أعلم.
ثانيا: نقول: الناس:(مؤمنون أو غير مؤمنين)، ولا نقول: هذه الفرقة أو هذه الطائفة أو هذا المذهب. ولا نقول عقيدة فلان أو فلان، أو عقيدة الفرقة الفلانية، إنما نقول: ملة الأنبياء عليهم الصلاة والسلم، والمؤمنون حقا هم المسلمون المحسنون، يعملون بالقرآن ولا يختلفون ويتبعون الرسول خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. والمؤمنون عرفهم الله تعالى وبين صفاتهم، والنبي عليه الصلاة والسلام، سئل عن الإيمان فبين أركانه، وسئل عن الإسلام، فبين أركانه، وسئل عن الإحسان، فبين حقيقته العملية في الاستقامة والإخلاص. والله تعالى قال:﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فالله ولي المؤمنين، وإلا حسب تساؤل بعض الناس، كأنهم يريدون أن يعرفوا من هم من الفرق المحدثة والمذاهب المصطنعة، من منهم أولياء الله؟ والله تعالى بين ذلك لكل من يتساءل. فقال تبارك وتعالى:﴿وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وعرف أولياءه فقال:﴿أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ﴾[يونس: 62/63]؛ فاسأل كيف تكون مؤمنا تقيا لكي تكون من أولياء الله تعالى، لا كيف تكون أشعريا، ولا كيف تكون من مذهب فتان آخر. فعندما سئل أول رسول، نوح عليه الصلاة والسلام عن انتسابه الديني الإيماني. أجاب بما أخبرنا الله تعالى به في القرآن. حيث قال نوح لقومه:﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[يونس:72]، فتعالوا إلى الكتاب المبين كما أمر رب العالمين، ألم يقل لنا ربنا الرحمن الرحيم ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف: 3]، ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾[الأنبياء:10] ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:102]، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران: 105]، لا يجوز للمسلم أن يميز نفسه بمصطلح يحدثه لنفسه وجماعته، ثم ينتسب إليه، ثم يقارن بين مذهبه، ومذاهب الذين فعلوا مثله، ويستمر الخلاف والنزاع مع تلاحق الأجيال.
والله تعالى أعلم.
ثالثا: في المصطلحات الشرعية، وفي مجالات علم الدين، نقول الإيمان، والإسلام. أو الملة والمقصود الدين؛ ومعلوم أن الدين الحق الذي شرعه الله لعباده وأكمله لهم هو الإسلام، فما معنى ( عقيدة كذا.. وعقيدة كذا..) فالله تعالى لم يقل اتبعوا عقيدة كذا… إنما قال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ﴾ وقال:﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ وقال: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ﴾، وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله، إلى عدي بن عدي: “إن للإيمان فرائض، وشرائع، وحدودا، وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان”، فالفرد أو الجماعة أو القوم الذين أسلموا لله، وآمنوا مثل من آمن مع خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام فهم على الدين، أي فهم على الطريق الصحيح.
والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
فنسأل الله العظيم الرحمن الرحيم أن يرحمنا، وأن يتوفانا مسلمين متبعين لكتابه، مقتدين متأسين برسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. آمين.
والحمد لله رب العالمين.